الرئيسية / مقالات رأي / الهند بين روسيا وأميركا

الهند بين روسيا وأميركا

بقلم: د. ذِكْرُ الرحمن – صحيفة الاتحاد

الشرق اليوم-  باعتبار الهند الآن عضواً غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فقد امتنعت في الأسبوع الماضي عن التصويت لإدانة روسيا، أكبر دولة في أوروبا وآسيا وأوسعها إمكانات، لعمليتها العسكرية في أوكرانيا.

وقد صوتت الدول الغربية في مجلس الأمن مطالِبةً روسيا بالتوقف عن عمليتها في أوكرانيا وسحب قواتها على الفور، لكن روسيا ردت باستخدام حق النقض ضد صدور قرار من المجلس. وكان سبب امتناع الهند عن التصويت هو أنها ترى بأن عدم الانحياز في هذه القضية يخدم مصالحَها الوطنية، بينما يعني الانحياز لطرف ما مضايقةَ الطرف الآخر في وضع تكون فيه كل من الولايات المتحدة وروسيا تمثلان أهمية للهند ومصالحها الوطنية.

لذا فإن الامتناع عن التصويت في مجلس الأمن أتاح للهند تجنب الانحياز إلى جانب واحد وتجنب الانجرار إلى أزمة تحدث في أماكن بعيدة. أما التحدي الذي تواجهه الهند، التي ليس لها مصالح مباشرة في أوكرانيا باستثناء إجلاء مواطنيها هناك وغالبيتهم طلابٌ، فهو التأكد من عدم وجود رد فعل للأزمة على علاقاتها مع روسيا، وهي شريك رئيس لها في مجال الدفاع، أو مع الولايات المتحدة التي تعد عنصراً حاسماً لمواجهة الإشكالات المتزايدة مع الصين في المنطقة.

وتأتي أزمة أوكرانيا أيضاً في وقت كانت فيه الهند في سبيلها للحصول على خمسة أنظمة صواريخ دفاع جوي من طراز «تريامف إس-400» من روسيا، وتحتاج إلى استثناء من الولايات المتحدة التي فرضت بالفعل عقوبات على تركيا بموجب «قانون مواجهة أعداء أميركا من خلال العقوبات» (CAATSA) لحيازتها نفس الصواريخ (إس-400) من روسيا.

وقد بدأت موسكو بالفعل تسليم الصواريخ إلى نيودلهي، وهو ما يُنظر إليه على أنه عنصر مهم للاستعداد الدفاعي للهند التي لديها حدود غير مستقرة مع كل من باكستان والصين. إن روسيا والهند حليفتان منذ فترة الحرب الباردة، وطالما شكّل التعاون الدفاعي حجر الأساس في علاقتهما.

وكانت الهند قد سعت إلى تنويع مشترياتها الدفاعية خارج روسيا، من دول مثل إسرائيل والولايات المتحدة وغيرهما. لكن ما يزيد على 60% من الأسلحة الهندية ما فتئ يأتي من روسيا، مما يعني أن الهند بحاجة إلى الاستمرار في الحصول على قطع الغيار من موسكو. لا شك في أن العلاقة بين الهند وروسيا قد تعرضت لضغوط، حيث أصبحت نيودلهي أقرب إلى واشنطن، وسط مخاوف متبادلة بشأن مجموعة من القضايا، بما في ذلك صعود الصين.

لقد تعمّقت علاقاتهما خلال العقد الماضي وهما اليوم شركاء إلى جانب اليابان وأستراليا في منتدى الأمن الرباعي.

وبدورها، أصبحت روسيا أقرب إلى الصين وباكستان حتى مع تدهور علاقاتها مع الولايات المتحدة والغرب. لكن التطورات في أفغانستان، حيث أدى انسحاب القوات الأميركية إلى عودة «طالبان» إلى السلطة، أفضت إلى زيادة مشاركة نيودلهي السياسية مع موسكو في الوقت الذي تسعى فيه الهند للوصول إلى آسيا الوسطى.

وما من شك في أن الهند تحاول الحفاظ على توازن دقيق بين روسيا والولايات المتحدة، فالانحياز إلى جانب في نزاع أوكرانيا لن يؤدي إلا إلى مشاكل للهند، خاصةً أنه لا توجد لديها مصالح مباشرة في أوكرانيا.

كانت هناك أيضاً تقارير تفيد بأن روسيا عملت بهدوء خلف الكواليس لنزع فتيل التوترات بين الهند والصين عقب المواجهات الحدودية عام 2020. ونتيجة لذلك، كان رئيس الوزراء ناريندرا مودي من بين عدد قليل من قادة العالم الذين تحدثوا هاتفيا مع الرئيس فلاديمير بوتين في خضم الأزمة الأوكرانية. وناشد مودي الرئيسَ بوتين من أجل الوقف الفوري للأعمال العسكرية «وطالب جميع الأطراف بالعودة إلى المفاوضات الدبلوماسية والحوار».

في الوقت نفسه تحدث مودي أيضاً إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي معرباً عن «استعداده للمساهمة بأي شكل من الأشكال في جهود السلام». وبالنسبة للهند، كلّما تم حل هذه الأزمة بشكل أسرع، كان ذلك أفضل، لا سيما بسبب مخاوفها من أن تركيز الولايات المتحدة وحلفائها الآخرين قد يتحول من منطقة المحيطين الهندي والهادئ وبحر الصين إلى أزمة في أوروبا بسبب الخلاف حول انضمام أوكرانيا إلى «الناتو». ومع ذلك فمن الواضح أن الولايات المتحدة وحلفائها في «الناتو» سيتجنبون الانغماس في نزاع مسلح مباشر في أوكرانيا.

وبينما قام الاتحاد الأوروبي بفرض بعض عقوبات بما في ذلك إغلاق المجال الجوي أمام الطائرات الروسية، فإن قلق نيودلهي الأكبر هو من أن لا تحصل من واشنطن على استثناء فيما يتعلق بالنظام الصاروخي «تريومف»، ومن أن فرض عقوبات اقتصادية أكثر صرامة قد يؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط.

وعلى الرغم من أن المندوبَين الروسي والأوكراني قد اتفقَا على الاجتماع لمناقشة وحل النزاع، فإن الحل المبكر لهذه الأزمة يبدو بعيد المنال. ومن الواضح أن موسكو عازمة على إنشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح بين روسيا والدول الأعضاء في «الناتو». لكن ليس هناك شك في أن الحل السلمي هو أفضل طريقة للمضي قدماً لإنهاء أزمة بهذا الحجم.

شاهد أيضاً

أميركا إذ تتنكّر لتاريخها كرمى لعينيّ نتنياهو

بقلم: راغب جابر- النهار العربيالشرق اليوم– فيما تحارب إسرائيل على أكثر من جبهة، تزداد يوماً …