الرئيسية / مقالات رأي / حربُ تطويق أم حربٌ نووية؟

حربُ تطويق أم حربٌ نووية؟

بقلم: هيلة المشوح – صحيفة “الاتحاد”

الشرق اليوم – لا أحد يستطيع التنبؤ بما ستؤول إليه الأحداث في أوكرانيا، لكن المؤكد هو أن الحرب باتت واقعاً معاشاً لا يمكن تجاهل تبعاته المرعبة على المدى القريب والبعيد على حد سواء، ما لم تحدث معجزة تحسم الصراع سريعاً.

وما أشبه اليوم بالبارحة، فالحرب الباردة في نسختها الجديدة تبدأ اليوم بسخونة بين المعسكرين القديمين، الشرقي والغربي، حيث تطمح روسيا لاستعادة مجدها وحماية نفسه من الطوق الغربي حولها، وتسعى لتعزيز أمنها الجيوستراتيجي بعقيدة لا تقبل التقهقر للوراء وعزم لا يلين على إسقاط الأطماع الغربية على حدودها.

ولفهم الجانب الأوكراني ليس علينا سوى العودة إلى الوراء قليلاً واستحضار «ثورة الميدان» ذات الولاء الأوروبي في قلب كييف عام 2014، حيث انتهت سلسلة من الأحداث العنيفة بإسقاط نظام الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش وهروبه إلى روسيا تاركاً خلفه دولةً تقترب يوماً بعد يوم إلى المعسكر الغربي، خصوصاً بعد أن تسلم زمام الرئاسة فيها الرئيس فولوديمير زيلينسكي، ويمثل الغرب وطموحاته في العمق الروسي. عندما عقدت الأمم المتحدة جلستَها الاستثنائية الأسبوع الماضي لمناقشة الوضع الراهن في أوكرانيا، حذَّر السفير الروسي مجدداً من أن انضمام أوكرانيا إلى «الناتو» يمثل بالنسبة لروسيا «خطاً أحمر»، وقال إن الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة تقوم بدور سلبي للغاية، متهِماً هذه الدول بإغراق أوكرانيا بالأسلحة مما يفاقم الأوضاع فيها.

وفي مواجهة الموقف الروسي، ظهرت إجراءات خطيرة من جانب «الناتو» تمثلت في الدعم العسكري وتصدير السلاح إلى أوكرانيا وتجميد استثمارات روسيا وأرصدتها وفصل سبعة بنوك روسية كبرى من نظام سويفت المالي، ومنع الطيران الروسي من عبور أجواء معظم الدول الغربية، وإغلاق مضيق الدردنيل والبسفور من جانب تركيا (العضو في حلف «الناتو») للتضييق على البحرية العسكرية الروسية.

لقد سخّر الغرب إعلامَه وإمداداته العسكرية وكل إمكانياته لدعم أوكرانيا «المنكوبة»، وفقاً للتصريحات الغربية. وبودنا تصديق هذه اليقظة الإنسانية لليسار الغربي لو أنه لم يؤيد الخراب العربي المسمى بـ«الربيع العربي»، ولو لم تكن له اليد الطولى في تفاقم الأوضاع الإنسانية في عدة دول شرق أوسطية حتى يومنا هذا، فضلاً عن غضه الطرف عن حمامات الدماء والقتل في هذه الدول منذ عام 2011 وحتى فشل المشروع التخريبي. مزاعم الغرب المتكئة إلى شعارات الديمقراطية، هي ذاتها التي يسارع إعلامه الآن للتذرع بها بغية تحريف الصورة العامة للأحداث في أوكرانيا.

فهو يهيمن على مواقع التواصل الاجتماعي، ويقوم بإغلاق الحسابات المؤيدة لروسيا على منصاته مثل الفيسبوك وتويتر، وهي ممارسة بحد ذاتها تدخل في خانة الحروب الإعلامية والرقمية. وكل هذا يؤكد أن عالماً متعدد الأقطاب أفضل بمرات من عالم القطب الأوحد الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية بمفردها، فتعدد القوى العالمية هو بمثابة توازن لجوانب عدة في العالم كالاقتصاد والسياسة والتسلح وكذلك التحالفات السلمية.. إلى جانب الإعلام الرقمي أيضاً.

وأخيراً.. قد يكون التهديد بالسلاح النووي من الجانب الروسي مجرد حرب نفسية لاختبار صمود الغرب، لكن الأكيد أن العالم على أعتاب نظام عالمي جديد بدأ يتشكل اليوم، وقد تكون الحرب الباردة (بنسختها الأخطر) جزءاً من هذا النظام الذي سوف يقلب الموازين ويمهد لما هو أسوأ من الحرب العالمية التي نخشاها، أي الحروب طويلة الأمد وحروب المصالح والهيمنة على حساب الأمن والسلم العالميين!

شاهد أيضاً

إنصاف «الأونروا»

بقلم: وليد عثمان – صحيفة الخليج الشرق اليوم- لم تكن براءة وكالة الأمم المتحدة لغوث …