الرئيسية / مقالات رأي / بين فلاديميرين

بين فلاديميرين

بقلم: يوسف أبو لوز – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والأوكراني فولوديمير زيلنسكي، كما بين طبيعة القيصر وطبيعة الفنان. فلاديمير بوتين سليل تربية سياسية صرفة منذ أن انتمى ـ وهو في العشرين من عمره ـ للحزب الشيوعي السوفييتي (1975-1991). رجل كاريزما حكم وسياسة بامتياز، وملامحه الصارمة تعكس التربية الحزبية الصارمة أيضاً التي تلقّاها منذ شبابه، أضف إلى ذلك عمله ضابط مخابرات في واحد من أقوى أجهزة الأمن المدني والعسكري والسياسي في العالم.

ليس في حياة بوتين ما يشير إلى شخصية مدنية خارج طباعها السياسية والحزبية، كما لو أنه وُلِد في مهد أيديولوجي ظل يكبر معه وعلى مقاسه في كل تدرّجات حياته السياسية والقيادية.

ولد في لينينجراد (بطرسبورج حالياً)، ودرس القانون في جامعتها، لكنه لم يمارس مهنة القانون، واحتفظ بحقّه دائماً في ما يمكن أن يسمى الغموض والدهاء، من رئيس وزراء إلى رئيس دولة، وإذا خرج عن صمته ففي عدد قليل من الكلمات. رئيس قليل الكلام كما تعوّد في الحزب وفي جهاز الأمن، ولكنه إذا تكلّم، فببضع كلمات لا إنشاء فيها ولا مجاملة، وحين استخدم أحد وزرائه لغة ليست واضحة بشأن قرار الحرب على أوكرانيا أحرجه أمام العالم كلّه بشيء من السخرية المعلنة. قيصر أو شبه قيصر في طريقه إلى استعادة العرش السوفييتي الأحمر.

بحسب قاموس الأسماء والمعاني في المواقع الإلكترونية، يتألف اسم فلاديمير من مقطعين: “فلادي” ويعني المالك أو المسيطر، و”مير” ويعني العالم، ولكل امرئ من اسمه نصيب، كما يقولون، عندنا نحن العرب، ولكن لا نصيب للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي من اسمه، فالرئيس الشاب أبعد ما يكون عن سميّه الروسي، فهو ممثل سينمائي كوميدي، ولو كان ثمة ما يجمع بين القيصر والفنان على أساس السينما، لكان فلاديمير بوتين ممثلاً تراجيدياً تماماً. إنه الآن على نحو ما، يقود دراما عالمية وأصابعه قريبة تماماً من الزر النووي المأساوي.

نعود إلى الرجلين من حيث مقطعي الاسم الواحد، ويا للصدفة العجيبة أن يكون معنى فلاديمير هو بكل بساطة مالك العالم أو المسيطر على العالم، غير أنه ما من فنّان إن كان سينمائياً أو شاعراً أو رساماً لديه العبقرية البشرية في امتلاك العالم أو السيطرة عليه، إلا بفطرة الخيال القصوى، ولكن فلاديمير الآخر (بوتين) أو الحالم بعرش القيصر لا يتخيّل ولا يحلم. الرجل واقعي تماماً. ابن قديم لـ”كي جي بي”، لا ترى أسنانه ولا آخر عينيه. ملأ اسمه الثاني (بوتين) العالم، وهو لن يضحك على غريزته أو ذاته المعجبة بنماذج من تاريخ روسيا الحديث والقديم، وفي الوقت نفسه، وعلى الجبهة المقابلة، يتحوّل الفنان السينمائي إلى نمر شرس. فولوديمير شاب يصنع نموذجه الأوكراني من غير الاستعارة من الذاكرة.

شاهد أيضاً

إنصاف «الأونروا»

بقلم: وليد عثمان – صحيفة الخليج الشرق اليوم- لم تكن براءة وكالة الأمم المتحدة لغوث …