الرئيسية / مقالات رأي / ليست حرباً روسية – أوكرانية فقط

ليست حرباً روسية – أوكرانية فقط

بقلم: سميح صعب – صحيفة النهار العربي

الشرق اليوم- بعد الحرب الروسية على أوكرانيا لن تعود أوروبا كما عرفها العالم، وحتى العالم نفسه سيتغيّر على وقع الخريطة التي ترسمها الدبابات الروسية في الأراضي الأوكرانية.

وروسيا نفسها لن تكون روسيا ما قبل الحرب، لأن الثمن الاقتصادي الذي سيترتب على العقوبات الاقتصادية سيكون فادحاً، وسيلحق دماراً غير مسبوق بحياة الشعب الروسي. وهنا يتساوى ثمن الحرب الفعلية التي تشنها روسيا والحرب الاقتصادية التي يشنها الغرب على روسيا نفسها.

يقف العالم اليوم على عتبة مرحلة كارثية جديدة ربما لم تعرفها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وليس منذ إنتهاء الحرب الباردة وزوال الاتحاد السوفياتي. وهذه هي المرة الأولى التي تحرك فيها روسيا آلتها الحربية نحو بلدٍ ما منذ اجتياح أفغانستان عام 1979.

الحرب على أوكرانيا لا تشبه ما قامت به روسيا في الأعوام الأخيرة، مثل غزو جورجيا أو التدخل في سوريا أو في كازاخستان أو بيلاروسيا حيث اقتصر الأمر على دعم أنظمة موجودة في الحكم.

التوغل الروسي في أوكرانيا يخلق واقعاً جديداً في التوازن الأوروبي والعالمي، لن تجد دولة في العالم نفسها بمنأى عنه. كما أنه يمثل إخفاقاً كاملاً للديبلوماسية في منع حرب أخرى على الأراضي الأوروبية.

وإذا كان من المبكر التكهن بما ستؤول إليه الحرب وما ستسفر عنه من خرائط جديدة على الأرض، فإن من شبه اليقين هو أن كلفتها البشرية ستكون باهظة على الجانبين، فضلاً عن الآثار الاقتصادية المدمرة على روسيا وأوكرانيا وباقي دول أوروبا التي بدأت رحلة البحث عن بدائل للغاز الروسي منذ أشهر، لإدراكها أن الحرب واقعة لا محالة لأنه كان يستحيل على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي تلبية المطالب الأمنية التي تقدم بها الرئيس فلاديمير بوتين، لأنها كانت تشكل تراجعاً إلى توازنات ما قبل عام 1997، يوم بدأ الحلف الغربي زحفه نحو الحدود الروسية.

وبذلك، ليست روسيا وحدها المسؤولة عن الحرب، بل كل الدول التي رفضت الإقرار بأن موسكو لم تعد تستطيع تحمل المزيد من التقدم الأطلسي نحوها، في حين أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نفسه أقدم على مهمة انتحارية بإصراره على المواجهة بتشجيع من الغرب الذي أقام جسوراً جوية مع أوكرانيا لتزويدها بالسلاح لتخوض عنه حرباً بالوكالة ضد روسيا التي لا تزال في وثائق الأمن القومي الأميركي التهديد الأول للولايات المتحدة.

وإذا كانت روسيا هي في واجهة المعركة القائمة الآن، فإن أمريكا وأوروبا هما شريكان فعليان فيها عبر مستويات أخرى من التدخل، ورفع شعار أنه ممنوع على بوتين “إحياء الإمبراطورية”، كي يبررا رفضهما الخوض في المطالب الأمنية الروسية.

وحال النكران الأمريكية والأوروبية والإصرار على النظر إلى روسيا بأن ليس من حقها الاعتراض على تقدم الأطلسي باتجاه حدودها وأن الحلف إنما يفعل ذلك بطلب من دول أوروبا الشرقية والوسطى نفسها ولا يلزم أحداً بالانضمام إليه.

هذه نظرة غير واقعية للأمن الأوروبي الذي لا يمكن أن تبنى هياكله بمعزل عن روسيا، فكم بالحري إذا كانت تشعر موسكو بأنها هي المستهدفة.

العالم يشتعل اليوم بحرب عسكرية مباشرة، طرفاها روسيا وأوكرانيا، لكن كل العالم مشارك فيها وستطاوله تأثيراتها ليس بالضرورة على شكل قذائف مباشرة، وإنما الآثار الاقتصادية ستكون مؤلمة للجميع، لروسيا ولأوكرانيا وأوروبا والولايات المتحدة وآسيا.

هذه حرب ستقود إلى تغييرات في الجغرافيا السياسية، وتترك تأثيراتها في كل مناحي الحياة في أوروبا والعالم، مع ما يترتب على ذلك من مخاطر التوسع إلى حرب كونية أخرى!

شاهد أيضاً

كيسنجر يطارد بلينكن

بقلم: غسان شربل – صحيفة الشرق الأوسط الشرق اليوم- ذهب أنتوني بلينكن إلى جامعة هارفارد. …