الرئيسية / مقالات رأي / توقعات التضخم وتأثيرها

توقعات التضخم وتأثيرها

بقلم: بول كروجمان – صحيفة الاتحاد

الشرق اليوم- كان من الصعب قدوم أنباء سارة عن التضخم في الآونة الأخيرة. لكن في الأيام القليلة الماضية، حصلنا على تقريرين مشجعين من بنك الاحتياط الاتحادي في نيويورك، تمثلت في نتائج مسح البنك الأخير لتوقعات المستهلك وفي تحليل اقتصاديين في البنك للسلوك في الآونة الأخيرة تجاه توقعات التضخم. لم يكن لأي من التقريرين أي تأثير على التضخم الذي نراه بالفعل، والذي مازال، حتى الآن، يشهد وتيرة ارتفاع أسرع مما شهدنا منذ عقود

بل كان للتقريرين أثر على مستقبل افتراضي. واتضح أن المستهلكين لا يتوقعون أن يظل التضخم نشطاً في ارتفاعه، بل اعتقدوا أنه سيستمر لفترة، ثم يتلاشى. وانخفض التضخم المتوقع، في الواقع، على المدى المتوسط ​​خلال الشهرين الماضيين.

وعلاوة على هذا، لن تؤدي بعض الأرقام السيئة على الأرجح إلى حالة من الذعر من التضخم. فاحتمال أن يرفع المستهلكون فيما يبدو توقعاتهم للتضخم المستقبلي أقل بكثير عما كان عليه في الماضي. الأمر لا يتعلق بأن المستهلكين لديهم حكمة خاصة، لكن لأن التضخم المتوقع قد يغذي التضخم الفعلي. ويمكن في الواقع القيام بهذا بطريقتين، على الرغم من أن طريقة واحدة فقط هي التي لها صلة بوضعنا الحالي.

وفرصتنا في تجاوز هذه الحلقة الصعبة دون الكثير من الألم تتحسن نتيجة الحقيقة الواضحة التي مفادها أن توقعات التضخم على المدى المتوسط ​​لا ترتفع بشكل كبير. وبالمناسبة، فإن الطلب هو الطريقة غير ذات الصلة التي يمكن أن يؤثر بها التضخم المتوقع. فعندما يرتفع التضخم، قد يندفع المستهلكون إلى إنفاق الأموال قبل أن تفقد قيمتها. وحين لا تستطيع حكومة وقف التضخم الناجم عن طبع أوراق النقد، فقد يؤدي هذا الإقبال على الإنفاق إلى تضخم أعلى.

وهذا لا علاقة له بالوضع الأمريكي الحالي. فنحن لسنا بحاجة إلى طباعة النقود لدفع المستحقات. لكننا بحاجة إلى الانتباه لاحتمال أن يصبح التضخم راسخاً في الاقتصاد. ماذا نعني بذلك؟ في اقتصاد يتوقع فيه الجميع تضخماً مستمراً، تنخرط الشركات التي تحدد الأسعار أو تقرر الأجور التي ستقدمها في القيام بعملية قفز ترفع فيها أسعارها اعتقاداً منها أن الشركات الأخرى سترفع أسعارها أيضاً.

وهذا بدوره يعني أنه بمجرد أن يتوقع الناس استمرار التضخم، تتطلب العودة إلى التضخم المنخفض المستدام عادة المرور بفترة طويلة من البطالة المرتفعة يظل الناس يشهدون خلالها تضخماً أقل مما توقعوا ويقلصون تدريجياً توقعاتهم. على مدى العقدين الماضيين أو نحو ذلك، لم يكن هذا مصدر قلق حقاً، لأن توقعات التضخم كانت مستقرة.

فقد أصبح الجمهور يتوقع أن التضخم المنخفض أمر معتاد، ولا يتفاعل كثيراً مع حالات الصعود والهبوط المؤقت بسبب أمور مثل تقلبات أسعار النفط. وكان القلق الأكبر بشأن ارتفاع التضخم بين عامي 2021 و2022 هو أن توقعات التضخم قد تفقد استقرارها، مما يجعل من الصعب للغاية خفض التضخم بمجرد عودة سلاسل الإمداد وغيرها إلى الوضع الطبيعي. فهل هذا يحدث؟ لا، هذا لا يحدث، وفقاً للاحتياط الاتحادي في نيويورك.

ويطرح مسح البنك لتوقعات المستهلكين سؤالاً على الخاضعين للمسح عن معدل التضخم الذي يتوقعونه على المدى القصير (سنة واحدة) والمدى المتوسط ​​(ثلاث سنوات).

فقد انخفض التضخم المتوقع متوسط ​​الأجل في الآونة الأخيرة، لكنه لم يرتفع أبداً بقدر التوقعات قصيرة الأجل. ويخبرنا هذا أن المستهلكين يتوقعون ارتفاع التضخم في الأشهر المقبلة، لكن لا يتوقعون استمراره. وهذا يعني أن التوقعات مازال مستقرة. ومضى التحليل الذي أجراه الاقتصاديون في بنك الاحتياط الاتحادي في نيويورك خطوة أخرى إلى الأمام. فقد تساءل الاقتصاديون عن مدى تأثير التحركات قصيرة الأمد في التضخم الفعلي على التوقعات متوسطة الأمد.

ووجدوا أن التوقعات أقل حساسية لبيانات التضخم مما كانت عليه من قبل. والواقع أن المستهلكين لا يسارعون إلى مراجعة آرائهم حول التضخم المستقبلي استجابة للأخبار في الآونة الأخيرة. وهذا يدعم أكثر فكرة أن التوقعات مازالت مستقرة. كل هذا يشير إلى أنه يجب علينا التحلي بالتفاؤل تجاه احتمال الوصول إلى نهاية غير مؤلمة نسبياً لحلقة التضخم الحالية. لكن ألم نقل هذا عن تضخمات الماضي؟

في الواقع لا. لقد قطع التضخم في الولايات المتحدة خطوتين كبيرتين من مستوياته المرتفعة في نهاية سبعينيات القرن الماضي. الأولى تمثلت في التراجع الكبير للتضخم في ثمانينيات القرن الماضي من 10% إلى نحو 4%. وكانت هذه عملية مؤلمة انطوت على ركود حاد للغاية لمرتين بينهما فترة تعافٍ قصيرة. ثم جاء التراجع الثاني للتضخم في أوائل تسعينيات القرن الماضي وأدى إلى انخفاض التضخم من 4% تقريباً إلى 2%. وشهد هذا التراجع ركوداً أكثر اعتدالاً، لكن التعافي من هذا الركود كان بطيئاً، وظلت البطالة مرتفعة لفترة طويلة.

ولسوء الحظ، لم يرجع استطلاع الاحتياط الاتحادي في نيويورك في عمق الماضي ليشمل هذه الحلقات. لكن جامعة ميشيجان سألت المستهلكين عن التضخم على المدى القصير والمتوسط ​​منذ عام 1979. لذلك يمكننا استخدام مسح الجامعة لمقارنة توقعات المستهلكين الحالية بما كانت تبدو عليه في بداية عمليات تراجع التضخم السابقة. واتضح من هذه المقارنة أن التوقعات في نهاية عام 2021 لا تشبه على الإطلاق ما كانت عليه عام 1980 أو حتى عام 1990.

ففي ذاك الوقت، كان التضخم راسخاً بمعنى أن الجمهور توقع أن يظل مرتفعاً على المدى المتوسط ​​واضطر للاقتناع بغير ذلك مع سنوات من ارتفاع البطالة. وهذه المرة، يتوقع الجمهور بالفعل أن ينحسر التضخم إلى مستويات منخفضة في غضون عام أو نحو ذلك. هذا لا يعني أن على متخذي القرار السياسي الوقوف مكتوفي الأيدي والاعتماد على أن يحل التضخم مشكلته بنفسه.

فبوسع الاقتصاد التضخمي أن يبقي التضخم مرتفعاً ويزعزع هذه التوقعات. لذلك أعتقد أن الاحتياط الاتحادي محق في الإشارة إلى خطط لرفع أسعار الفائدة تدريجيا، بهدف تهدئة الأجواء.

لكن حالة توقعات التضخم تشير إلى أن هذه العملية لن تكون مؤلمة بالضرورة. وإذا استطاع الاحتياط الاتحادي تحقيق التوازن الصحيح، سنتمكن من خفض التضخم دون حدوث ركود اقتصادي مؤلم.

شاهد أيضاً

إنصاف «الأونروا»

بقلم: وليد عثمان – صحيفة الخليج الشرق اليوم- لم تكن براءة وكالة الأمم المتحدة لغوث …