الرئيسية / مقالات رأي / إيران وباكستان… نحو دبلوماسيّة اقتصاديّة

إيران وباكستان… نحو دبلوماسيّة اقتصاديّة

بقلم: يوسف بدر – النهار العربي

الشرق اليوم- أحدث الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في31 آب (أغسطس) 2021، تغيراً جيوسياسياً في منطقة جنوب آسيا ووسطها.

وقد دلتْ مشاركة باكستان في مناورة “الأشقاء الثلاثة” (تركيا وأذربيجان وباكستان) على حدود إيران، وتقاربها المتنامي مع تركيا، عن مساعي إسلام آباد للحفاظ على مكانتها لدى القوى الإقليمية؛ بما يضمن لها دوراً جيوسياسياً استراتيجياً؛ يدعم مصالحها في الإقليم، بخاصة أنها، في آن واحد، تدير شبكة من العلاقات المتعارضة، مثل علاقاتها بالولايات المتحدة والصين، أو بالسعودية وإيران؛ وذلك عبر شبكة من التحالفات المعقدة، التي تنسجها لتصب في خدمة مصالحها القومية واستقرارها الداخلي.

سياسة عمران خان

وضع رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان سياسة جديدة في إدارة مصالح بلاده؛ فإن حافظ على إدارة شبكة من العلاقات المتعارضة والمتوازنة؛ إلا أن موقفه الرافض لوجود أميركا في المنطقة والمعارض لحربها على الإرهاب؛ هو بمثابة محدد مهم في إدارة علاقات بلاده بإيران وتبادل المصالح معها، بخاصة أن هناك في طهران حكومة تمثل وجهة النظر المحافظة تجاه الولايات المتحدة، كما تتقارب مع إسلام آباد، في وجهة نظرها من أفغانستان وتنظيم “داعش”.

تنتهج هذه الحكومة أيضاً سياسة خارجية تضع الأولوية لدبلوماسية دول الجوار والدبلوماسية الاقتصادية. كما تشارك الحكومة في طهران نظيرتها في إسلام آباد، في أهمية الاقتراب من المعسكر الشرقي لتحقيق التنمية الاقتصادية ودعم التجارة الخارجية.

وتدل تصريحات عمران خان عقب زيارة وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي إسلام آباد في 14 شباط (فبراير) 2022، التي شكر فيها طهران على موقفها من قضية إقليم جامو وكشمير المتنازع عليه مع الهند، الى أن طهران تقدم دعمها ذلك، في مقابل حماية الجيش الباكستاني حدودها من تهديدات الجماعات المتطرفة المناهضة لنظام إيران، والتي تتخذ من الحدود الباكستانية ملاذاً لها.

كذلك، تكشف تصريحات نائب رئيس البرلمان الباكستاني قاسم خان سوري الذي زار طهران، السبت في 19 شباط والتي دعم فيها حق إيران في امتلاك الطاقة النووية السلمية، أن إسلام آباد ماضية في إطار يدعم مصالحها الاقتصادية مع إيران، بخاصة أن عمران خان يراهن على مشروع “الممر الاقتصادي – الصيني”.   

وأيضاً يحتاج إلى دعم القوى الصديقة في إدارة نزاعه على إقليم كشمير مع الهند، الحليف المقرب من الولايات المتحدة، لا سيما أن هذا الإقليم هو جزء من مسار “الممر الاقتصادي”. ولذلك، ترحب إسلام آباد بالتقارب بين طهران والرياض، بما يهيئ لها الأجواء لإدارة مصالحها الخارجية بعيداً من الصراعات مع القوى المتقاربة معها.

كذلك، فإن تركيز حكومة خان على الملف الاقتصادي؛ يدفعها إلى إعادة التفكير في إدارة العلاقات الخارجية؛ فقد انشغلت باكستان بإقامة علاقة تقوم على التعاون الأمني مع السعودية؛ في حين أن التبادل التجاري معها لم يتجاوز 2.5 مليار دولار. بينما تجاوزت تجارة السعودية مع الهند 33 مليار دولار، وهو ما دفع إسلام آباد إلى تجاوز الدبلوماسية الدفاعية والأمنية، والبحث مع دول مثل إيران وتركيا، لتفعيل الدبلوماسية الاقتصادية معها.

أولويّة إيران

تقع إيران على الحدود الجنوبية الغربية من باكستان؛ ما يجعل لها أولوية لدى صانع القرار الباكستاني، عند مراجعته المصالح الاستراتيجية في المجالات الأمنية والعسكرية والتكامل الاقتصادي.

ويلعب التوافق الباكستاني – الإيراني حول أفغانستان بعد سيطرة حركة “طالبان” على الحكم هناك، دوراً مهماً في التقارب بين البلدين. لا سيما أن إسلام آباد لديها مشروع تنموي ضخم، وهو “الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني”، الذي يعد من المشاريع الرئيسية في مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، وسيربط موانئ باكستان الجنوبية المطلة على المحيط الهندي وبحر العرب بالصين شمالاً.

ولدى باكستان أيضاً طموحات في تعزيز أهمية هذا “الممر الاقتصادي”، عبر ربطه بالموانئ وسكك الحديد الإيرانية؛ من أجل ربط جنوب آسيا بمنطقة آسيا الوسطى ومنطقة أوروبا والأناضول. ويمثل خط سكك الحديد “إسلام آباد – طهران – إسطنبول”، التجاري، الذي تم تشغيله في كانون الأول (ديسمبر) 2021، نموذجاً واقعياً لأهمية إيران لدى باكستان في تحقيق تكاملها الإقليمي. 

وسيحقق الربط الاقتصادي مع ممرات التجارة عبر إيران؛ لباكستان الحفاظ على مكانتها “الجيوستراتيجية” التي تشكلتْ منذ الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق؛ إذ ستكون بوابة مهمة نحو الصين؛ لنقل البضائع من تركيا وأوروبا، أو العكس. فضلاً عن زيادة حجم تجارتها الخارجية إلى نحو ما يزيد عن 65 مليار دولار سنوياً.

محصّلة

وجود رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان بخلفية حزبه (حركة الإنصاف الباكستانية) التي تسعى الى تحقيق الرفاه وتشكيل قومية باكستانية معتدلة، إلى جانب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان؛ سببان رئيسيان لدفع إسلام آباد، من أجل الحفاظ على مكانتها الجيوسياسية، إلى التقارب مع إيران وتركيا.

إن أهمية العلاقة الاقتصادية مع الصين من أجل تحقيق خطط التنمية المستدامة؛ تفرض على باكستان وإيران انتهاج سياسة الدبلوماسية الاقتصادية.

لم تتحرر العلاقات بين إسلام آباد وطهران تماماً من كل المعوقات والتحديات؛ فعلى سبيل المثال، إن رفعتْ واشنطن يدها عن خط أنبوب الغاز بين إيران وباكستان وسمحت بإتمامه؛ فإن روسيا ربما لن تسمح بذلك؛ خشية على دبلوماسية الغاز التي تنتهجها في إدارة علاقاتها الخارجية.

إن إنشاء ممر تجاري بين الصين وأوروبا؛ سيعزز من أهمية الدبلوماسية الاقتصادية بين دول هذا الممر، وهي باكستان وإيران وتركيا.

شاهد أيضاً

إنصاف «الأونروا»

بقلم: وليد عثمان – صحيفة الخليج الشرق اليوم- لم تكن براءة وكالة الأمم المتحدة لغوث …