الرئيسية / مقالات رأي / إسرائيل… عيون شاخصة على أوكرانيا

إسرائيل… عيون شاخصة على أوكرانيا

بقلم: سمير التقي – النهار العربي 

الشرق اليوم – لا تنظر إسرائيل إلى الساحة الأوكرانية كساحة بعيدة. وبغض النظر عما قد يحصل على الأرض، فإن الاحتدام الجاري بين أميركا وحلف الأطلسي من جهة، وروسيا من جهة أخرى، يضع الاستراتيجيين الإسرائيليين أمام تحديات في غاية التعقيد. إنه، في نهاية الأمر صراع على إعادة تشكيل النظام الأوروبي والعالمي بين الطرفين.

لا شك في أن تأثير الغزو سيكون عاصفاً في الاستقرار الاستراتيجي لإسرائيل، وهو ما قد سيتطلب مراجعة شاملة لمقومات هذا الاستقرار. فمع نهاية الحرب الباردة، بدأت إسرائيل إعادة تعريف موقعها الإقليمي – الدولي. لكن التراخي الاستراتيجي الأميركي الذي أعقب هذه الحقبة حمل جملة من الفرص والمخاطر. 

صحيح أن هذا التراخي أتاح لإسرائيل هوامش مناورة واسعة سمحت، إضافة لعلاقاتها التقليدية العضوية مع “الغرب”، بأن تقوم بإعادة تعريف جوهرية لاقتصادها، كما سمح بتوسيع منقطع النظير لهوامش حركتها الدبلوماسية والسياسية في الإقليم والعالم، وتوسعت بنجاح علاقات إسرائيل مع روسيا ودول شرق أوروبا والصين والهند وآسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية، لكن هذا التراخي الأميركي ترافق أيضاً بتبدل في نظرة الولايات المتحدة الى دورها العالمي والإقليمي. وفي حين تمكنت إسرائيل أن تستغني عن الغالبية العظمى من المساعدات الأميركية، واستقلت إلى حد بعيد في قدراتها العسكرية، لكنها في نهاية الأمر وجدت نفسها أمام مناخ استراتيجي إقليمي أكثر ضيقاً وتهديداً. 

على رغم ذلك، أدى غياب سلام مستدام مع العرب، وتداعي الموقف الاستراتيجي العربي، إلى أن تجد إسرائيل نفسها تحتك وتصطدم أحياناً بقوة بجيرانها الأبعد: إيران وروسيا وتركيا. 

ولفترة معينة بدا أن لعبة التوازن فوق حبال الشرق الأوسط قد طابت لإسرائيل، إلا أنها سرعان ما تبدلت. فليست إسرائيل وحدها التي صارت تسبح، وبغض النظر عن الاستقطابات التقليدية، في كل الاتجاهات والبحار الاستراتيجية. ها هي تركيا تسبح في كل الاتجاهات وإيران تسبح، وكانت روسيا آخر الداخلين إلى الملعب. بل لعل نزولها، من وجهة إسرائيل، كان عامل تعديل لميزان القوى مع تراجع الميول التدخلية الأميركية في الإقليم، وتصاعد ميول التوسع الإيراني. 

لكن مع التنامي الكبير لهذه الفرص، تنامت التهديدات الحيوية. فلقد استمرت إيران في تطوير مقدراتها وتهديداتها على مختلف الصعد، وصارت تركيا منافساً ندياً وأكثر توكيداً لدورها الإقليمي المتعدد المحاور. 

في هذا المناخ الدولي والإقليمي، طورت إسرائيل لعقدين علاقات جوهرية اقتصادية وسياسية مع روسيا. بل نما حبل سري وثيق، فتح فرصاً كبيرة لتزاوج شركات التقنيات الناشئة للاستفادة من القدرات الفنية المتقدمة والكثيفة سواء الروسية أم الأوكرانية.

وبدا، لفترة، أن هذه الاستراتيجية ستصمد لزمن غير محدود بناء على ثوابت عدة: الحرب ما بين الحروب، وتصعيد الردع التكتيكي من جهة، وموازنة المخاطر عبر التوازن على الحبال المشدودة بين روسيا وأميركا وأحياناً الصين وتركيا والعرب. 

لكن تدريجياً صارت الأنواء تتبدل والهوامش تضيق. وحتى قبل نهاية ولاية الرئيس ترامب بدا أن بعض الأعمدة تهتز، وبدأت الولايات المتحدة تصبح أكثر تطلباً في رسم خطوط تحالفاتها، ليس فقط في ما يتعلق بالتقنيات المتقدمة، بل في ما يتعلق بمجمل الدور الإسرائيلي في الإقليم. وفي الحقيقة ساهمت مراهنة رئيس الوزراء السابق نتنياهو على نجاح ترامب برئاسة ثانية كخيار وحيد، في افتقاد إسرائيل أذناً أميركية صاغية في الظروف الحرجة المحيطة بالاتفاق النووي. 

تبع ذلك بالطبع خروج نتنياهو. وما لبث أن تبين بشكل أوضح المزيد من التغاضي الروسي عن التوغل الإيراني في الجنوب السوري، والاستخدام الانتقائي لبعض مقدرات الدفاع الجوية الروسية ضد العمليات الإسرائيلية في سوريا، وطلعات الطيران السورية – الروسية المشتركة، في ما يشير الى تبدل حثيث في المناخ الاستراتيجي، بخاصة على الجبهة الشمالية.

سيساهم تصاعد الاحتدام الجاري الآن، بين الغرب بزعامة أميركا وبين روسيا، في المزيد من التمترس وضيق المناورة. وعلى رغم أن ذلك لا يعني بأي شكل من الأشكال العودة الى زمن الحرب الباردة، ولا نهاية الدبلوماسية، فلا شك في أن الوضع الراهن سيعني مزيداً من التطلب الأميركي من حلفائها وبخاصة من إسرائيل. 

وإذ يضع الاحتدام الراهن إسرائيل في موقف دقيق للغاية، فثمة تساؤلات بشأن مصير الاتفاق النووي: فما هي الخيارات التي ستذهب إليها الولايات المتحدة؟ هل ستذهب باتجاه تسريع الاتفاق النووي وتقديم التسهيلات للإيرانيين؟ أم انها ستجد أن التحالف الإيراني – الروسي صار غير قابل للارتداد؟ وفي كل الأحوال يوحي اللقاء الأخير بين بوتين والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بأن إيران لا تزال تبقي خياراتها مفتوحة مع روسيا من دون التزامات محددة. لذلك فإن القواسم المشتركة بين إسرائيل وروسيا قد تتغير بسهولة، وسيظهر تأثير ذلك مباشرة في سوريا. السؤال الأهم هل تستغل إيران ظروف الأزمة لتتقدم على الأرض؟ وكيف ذلك؟

ففي حين شجعت أحداث سوريا والكارثة الأميركية في أفغانستان والتدخل في كازاخستان الرئيس بوتين على التقدم لإعادة تشكيل النظام الإقليمي في أوروبا، لا شك في أن بوتين يتطلع في حال نجاحه في أوكرانيا، إلى إخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط وهي الأهداف التي يتقاسمها مع إيران. 

واقع الأمر أنه لا يمكن لإسرائيل أن تجد بديلاً للولايات المتحدة في حساباتها الأمنية. وأي تضاؤل في المكانة الأميركية ينعكس بشكل سيئ تلقائياً عليها. 

وفي المقابل، وككل دول العالم، تترقب إسرائيل طريقة إدارة روسيا للحرب الإلكترونية، بخاصة أنها اشتكت في الأسابيع الماضية من اختراق الروس لنظام سلامة الطيران المدني. 

لكن الإشكال الرئيسي الكبير الذي تواجهه إسرائيل سيكون في حال طلبت الولايات المتحدة فرض عقوبات واسعة على روسيا، عندها ستضطر إسرائيل لإعادة تقييم موقفها. وفي حين تستمر إسرائيل في بيع التقنيات بشكل روتيني للشركات الروسية، فحتى العقوبات الخفيفة يمكن أن تضر بمكانتها. 

في كل الأحوال، لا شك في أن إسرائيل تبحث بشكل دينامي في آليات التكيف مع الظروف الجديدة، وتعمل لتطوير التعامل مع الخطر النووي الإيراني من دون الاعتماد بالضرورة على التوافق الكامل مع روسيا. ومع الأخذ في الاعتبار احتمال توقيع الاتفاق النووي، فهي بالتأكيد تخطط للتكيف في حرب الظل الإقليمية لفتح آفاق أبعد لعملية تقطيع السلامي الإيرانية. 

شاهد أيضاً

تركيز أميركي على إبعاد الصين وروسيا عن أفغانستان!

بقلم: هدى الحسيني- الشرق الأوسطالشرق اليوم– لا شك في أن كل الأنظار تتجه إلى التطورات …