الرئيسية / مقالات رأي / ما هو علاج أزمتي الأمن الاجتماعي وهجرة الأدمغة في الجزائر؟

ما هو علاج أزمتي الأمن الاجتماعي وهجرة الأدمغة في الجزائر؟

بقلم: أزراج عمر – النهار العربي 

الشرق اليوم – حفلت وسائل الإعلام الجزائرية المكتوبة، العمومية والتابعة للقطاع الخاص، وكذا فضاءات التواصل الاجتماعي، بتغطيات مثيرة ومكثفة لمسألتين تبدوان هامتين جداً في الحياة السياسية والاجتماعية الجزائرية راهناً. تتعلق المسألة الأولى باهتزاز الأمن الاجتماعي والغذائي المتمثل في عدم تناسب أجور العمال والموظفين المنخفضة جداً، على مستوى مختلف قطاعات الدولة والقطاع الخاص، مع تفاقم غلاء المعيشة وندرة كثير من المواد الضرورية، مع العلم أن قضية ضعف الأجور في الجزائر لها علاقة وطيدة بانعدام تفعيل ديناميكيات المشاريع الصانعة للثروة الوطنية في قطاعات الفلاحة والزراعة وتربية المواشي والدواجن، والصناعات الخفيفة والثقيلة والتقليدية، وتحويل عائدات الغاز والبترول إلى رأسمال ريعي يصرف بعشوائية في استيراد نسبة كبيرة من حاجيات المجتمع الجزائري، بدلاً من توظيف هذا الرأسمال المقدر بمليارات الدولارات في بناء المجتمع الحداثي والعصري.

أما المسألة الثانية التي ركزت عليها التغطيات الإعلامية هذا الأسبوع فتتصل جوهرياً بظاهرة استمرار هجرة الكفاءات الطبية الجزائرية إلى فرنسا، وكندا خاصة، وهي القضية التي نركز عليها لاحقاً بعد النظر الآن في ردود الفعل التي تزامنت مع القرارات التي أصدرها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون في الأيام القليلة الماضية.

نظراً إلى خطورة هذا الوضع الذي ستترتب عليه تداعيات سلبية في حال عدم علاجه بسرعة وعلى نحو جاد، أصدر الرئيس تبّون هذا الأسبوع عدداً من القرارات الاستعجالية، مبرراً إياها بحماية الأمن الاجتماعي عامة، وبالتخفيف خاصة من تدهور القدرة الشرائية للمواطنين، وفي المقدمة الفئات الضعيفة ذات الدخل المتوسط والأدنى. 

وبخصوص الأمن الغذائي والرفاه الاجتماعي، فقد اتخذ الرئيس الجزائري قراراً بتجميد مختلف الضرائب والرسوم ذات الصلة بالمواد الغذائية، والتجارة الإلكترونية، والهواتف النقالة الخاصة بالأفراد وشتى وسائل الإعلام الآلي. 

ومن المعروف أن هذا القرار الرئاسي يلغي مجموعة من القوانين التي صاغتها الحكومة وصادق عليها البرلمان سابقاً، الأمر الذي يعني من الناحية السياسية خرق القانون وتجاوز الإرادة البرلمانية.

وقوبل تجميد هذه القوانين ببعض النقد من طرف بعض المهتمين بالتشريع، إذ نبّه هؤلاء، بواسطة مداخلات نُشر معظمها في وسائل التواصل الاجتماعي، إلى ضرورة احترام جهازي الرئاسة والحكومة التنفيذية القوانين التي صادق عليها أعضاء البرلمان وعدم إلغائها بجرة قلم، وبإرادة أحادية وقبل العودة مباشرة إلى هذه الجهة التشريعية التي تمثل الشرعية الشعبية واستشارتها وفتح الحوار معها، وتقديم تبريرات مقبولة من الجميع وتصبّ في مصلحة الأمن الوطني والشعب.

وفي الواقع، فإن المراقبين للمشهد السياسي الجزائري يرون أن مثل هذا الاحتواء الاستباقي لأزمة خطيرة متوقعة في المستقبل القريب جداً، لا ينبغي أن يتخذ كغطاء لجعل التراجع عن القوانين قاعدة دائمة، بل يجب التعامل مع المستجدات الاستثنائية بحذر وعلى نحو لا يخل بمصداقية الجهاز التشريعي، الذي هو البرلمان بغرفتيه العليا والسفلى. 

رغم هذه الانتقادات الطفيفة، هناك وجهات نظر أخرى تمثل عدداً من الأحزاب السياسية وجزءاً من المجتمع المدني، تحاجج بأن الرئاسة لجأت هذه المرّة إلى تجميد بعض القوانين المصادق عليها برلمانياً، من أجل تفعيل آلية سياسات احتواء الأزمات التي لا تزال خامدة فقط ولم تتم تصفيتها بعد، وذلك بهدف تجنب الانتفاضات الشعبية المتوقعة، وتفادي أي انزلاق اجتماعي وسياسي في البلاد، وعودة الحراك الشعبي أو بروز أي شكل من أشكال الامتعاض الشعبي الذي بإمكانه أن يحدث خللاً في معادلة الأمن الوطني.

ويرى أصحاب هذه التبريرات أن من الأفضل التضحية بالقوانين الصماء التي لم يأخذ المشرّعون الذين صادقوا عليها في الاعتبار حقيقة الواقع الاجتماعي والاقتصادي الجزائري الذي لم يتعافَ بعد من تراكمات العشرية الدموية التي كادت تتسبب في إفلاس البلاد، ومن مركّب الكدمات الاقتصادية والأخلاقية والاقتصادية لمرحلة حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة التي تميزت بالنهب المنهجي للأموال، الذي اشتركت في تنفيذه رموز العصابة على مستوى أجهزة الدولة مع بعض أباطرة القطاع الخاص الذين أثروا على حساب المواطنين.

بخصوص تضاعف هجرة الكفاءات الوطنية في مختلف التخصصات إلى الدول الغربية، يلاحظ أن الجهات المسؤولة في أعلى هرم أجهزة الدولة، لم تقدم حتى الآن أي برنامج قابل للتطبيق يمكن بموجبه الشروع، على الأقل، في وقف جزء من نزيف هجرة الأطباء الجزائريين والطبيبات الجزائريات إلى الدول الأجنبية، علماً أن الجزائر تعاني نقصاً فادحاً في كل تخصصات المجال الصحي.

والحال، فإن هجرة الأطباء والكفاءات المتخصصة في التمريض ليست جديدة، إذ هاجر مئات منهم إلى فرنسا وكندا، وهناك الآن طرق مبتكرة لتعميق نزيف هذه الظاهرة، تتمثل في ترك المئات من طلاب السلك الطبي البلاد نحو تركيا وأوكرانيا وروسيا وروسيا البيضاء التي تُتخذ جسراً أولياً للمرور إلى دول الاتحاد الأوروبي وأميركا الشمالية للاستقرار فيها.  

وفي الحقيقة، فإنه لا ينبغي أن تفصل الحكومة والرئاسة في الجزائر ظاهرة هجرة الكفاءات الطبية الجزائرية إلى الخارج عن مسلسل إخفاق الدولة في توفير فرص الشغل، بحسب التخصصات لمتخرّجي المعاهد والمدارس العليا والجامعات. كما أن المرتبات الهزيلة للعمال والمهنيين ساهمت فعلياً في تحويل المجتمع الجزائري إلى مجتمع مهاجر ذهنياً وواقعياً. إذ لا بد من الاعتراف بأن شبح البطالة لعب ولا يزال يلعب دوراً محورياً في ترسيخ ثقافة الهجرة غير الشرعية التي أصبحت الآن دراما حزينة في نسيج المجتمع الجزائري. 

نظرياً هناك في الجزائر وزارة مكلفة الشؤون الخارجية والجالية الجزائرية في الخارج وتحمل مسؤولية المهاجرين والمهاجرات، وهناك أيضاً وزارة متخصصة في تشغيل الشباب والإشراف على المؤسسات الصغيرة، ووزارة “الحاضنات” المكلفة الرعاية المالية والتقنية والتكوينية للمشاريع المختلفة، ومنها المشاريع الطبية والصحية، وهناك أيضاً وزارة الصحة التي تضطلع بمسؤولية رعاية طلاب التخصص الطبي وشبه الطبي، ولكن هذه الوزارات يعوزها التنسيق الجدي والعمل معاً على أساس برنامج وطني مشترك لضمان التصدي للأسباب الحقيقية التي تفرّغ الجزائر من الكفاءات الطبية الوطنية في إطار برنامج زمني محدد.

شاهد أيضاً

إسرائيل تختار الصفقة بدلاً من الرد الاستعراضي

بقلم: علي حمادة – صحيفة النهار العربي الشرق اليوم– تجنبت ايران رداً إسرائيلياً استعراضياً يفرغ …