الرئيسية / مقالات رأي / التحالف الصيني- الروسي

التحالف الصيني- الروسي

بقلم: باسكال بونيفاس – صحيفة الاتحاد

الشرق اليوم- بمناسبة افتتاح الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، شاهدنا فلاديمير بوتين وشي جبينغ يقفان جنباً إلى جنب، حيث أرادا من خلال ذلك أن يُظهرا أمام أعين العالم أجمع تضامن التحالف الذي يجمعهما.

على ماذا يقوم هذا التحالف؟ يتعلق الأمر بتحالف إيديولوجي بين بلدين، ولكن أيضاً بين بلدين يعارضان الهيمنة الغربية.

هل يمثّل هذا التحالف عودة إلى الماضي؟ الواقع أنه بعد 1949 واستيلاء الشيوعيين المحيطين بماو تسي تونغ على السلطة في الصين، كان هناك زمن تشكّل فيه تحالفٌ بين البلدين الشيوعيين الرئيسيين، الاتحاد السوفييتي والصين، في مواجهة الغرب الرأسمالي. ولكن هذا التحالف كُسر في 1961، ليس بسبب دوافع إيديولوجية، مثلما كانت تقول بكين، وإنما لأسباب قومية في الحقيقة.

ذلك أنه بالنسبة لبكين، كان من المستحيل تماماً قبول هيمنة الاتحاد السوفييتي، هيمنة بلد أجنبي على الصين، ولو باسم الإيديولوجيا الشيوعية.

في 1999، عارضت موسكو وبكين حرب كوسوفو، معارضة كانت أوضح في حالة روسيا التي كانت مرتبطة تاريخياً بيوغوسلافيا. وبالمقابل، كان رد فعل الصين، التي تعرضت سفارتُها في بلجراد للقصف، متواضعاً جداً. كما عارضت الصين وروسيا حرب العراق أيضاً، ولكن هنا أيضاً كانت الصين أكثر ميلاً إلى التعبير عن موقف محتشم.

ولا شك أن موسكو وبكين ستواصلان تقاربهما في بداية القرن الحادي والعشرين. فخلال الآونة الأخيرة، أصبح هذا التحالف أكثر قوة وأخذ يتبلور ويتجسد على أرض الواقع. فقبل ثلاث سنوات، مثلا، أُجريت مناورات عسكرية مشتركة بين الصين وروسيا. غير أن هذا التقارب يعاني من بعض القيود، كانقلاب موازين القوة. ففي 1961، كانت الصين هي التي لا ترغب في أن تكون خاضعة لهيمنة الاتحاد السوفييتي. أما اليوم، فإن روسيا هي التي تخشى أن تصبح خاضعة لهيمنة الصين، ذلك أنه إذا كانت موسكو قد باتت في حاجة للتقرب من بكين من أجل تخفيف الضغط الأمريكي، فإنها لا تريد أن تسقط في علاقة اعتماد أكبر مما ينبغي إزاء الصين.

خلال سنوات التسعينيات، عندما كان دِنغ شياو بينغ يتبنى شعار”إخفاء القوة وانتظار الساعة”، بعد قمع ساحة تياننمان، ثم عقب انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية، كانت العلاقات جيدة عموماً بين بكين وواشنطن. وكان الأمريكيون، على غرار آخرين كثيرين، يعتقدون أن التحديث والتطور الاقتصادي سيدفعان الصين إلى الانفتاح وتبني الليبرالية. ولكن شي جين بينغ كسر الميثاق الضمني الذي كان قائماً بين بكين وواشنطن. هذا الميثاق كان ينص على أن الصين لن تشكك في السيادة الأمريكية على العالم. وبالمقابل، كانت الولايات المتحدة لا توجه انتقادات ضد السياسة الداخلية للنظام الصيني.

وهكذا إذن تغيّب جو بايدن عن حفل افتتاح ألعاب بكين 2022، في حين أنه في 2008، وهو زمن لم تكن فيه الصين ديمقراطية أيضاً، ذهب جورج بوش إلى بكين من أجل حضور افتتاح الألعاب الصيفية.

وإذا كانت القومية هي التي فصلت بكين عن موسكو في الماضي، فإن القومية نفسها هي التي تجمعهما اليوم. ذلك أن البلدين يعتقدان أن مصالحهما الوطنية ستُخدم بشكل أفضل من خلال تحالف وأن عليهما أن يقاوما الهيمنة الغربية. وفي هذا الصدد، يندّد البَلدان في الوقت نفسه بتوسيع حلف “الناتو” في أوروبا وبإقامة تحالف “أوكس” في آسيا.

من وجهة النظر الأمريكية، مثل هذا التقارب قد تكون له فائدة، على اعتبار أنه يسمح بتشكيل جبهة موحدة للديمقراطيات في مواجهة محور البلدان غير الديمقراطية. فإدارة بايدن تستغل مثل هذه المعارضة، والتقارب الصيني-الروسي يمكن أن يكون له جانب تنفيري بالنسبة لبعض الديمقراطيات في هذا التقارب. ويمكن القول إن ما تفعله الولايات المتحدة في الواقع هو وضع حد لإرث نيكسون وكيسنجر اللذين سعياً إلى جر الخصم الأقل خطورة إليهما، لأنه الأقل قوة – الصين – وذلك بهدف التصدي بشكل أفضل للمنافس الأكبر – الاتحاد السوفييتي.

اليوم، المنافس الأكبر هو الصين. ولكن سياسة العقوبات الغربية إزاء روسيا دفعت روسيا أكثر إلى أحضان بكين. فهل في هذا مصلحة للأوروبيين؟ هذا ليس مؤكداً، ذلك أن العقوبات ضد روسيا تعاقب أيضاً الشركات الأوروبية التي لديها علاقات تجارية مع روسيا أكثر من نظيرتها الأمريكية، بيد أن هذا التحالف ليس قدراً. وربما لم يفت الأوان بعد لتجنب نبوءة ذاتية التحقق يصبح فيها هذا المحور عدو العالم الغربي حقاً، ليعيد بذلك خلق عالم جديد ثنائي القطبية، بعد ثلاثين سنة على نهاية العالم ثنائي القطبية!

 

شاهد أيضاً

أحلام مقتدى الصّدر وأوهام مناصريه

بقلم: فاروق يوسف- النهار العربيالشرق اليوم– عندما يُشفى العراقيون من عقدة اسمها مقتدى الصدر يكون …