الرئيسية / مقالات رأي / ماكرون والمغامرة “المقيدة”

ماكرون والمغامرة “المقيدة”

بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- من بين كل زعماء الغرب، لا يوجد من هو مؤهل للحوار مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أكثر من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على الرغم من أن المهمة التي آثر القيام بها تندرج في إطار المغامرة المحفوفة بالمخاطر، في وقت تقرع فيه طبول الحرب، ونظراً للملفات الشائكة والمعقدة التي ينبغي التوصل إلى حلول لها ورسم خريطة طريق للخروج من الأزمة الأوكرانية ولمجمل العلاقات بين روسيا والغرب.

 منذ بداية الأزمة الأوكرانية، حاول ماكرون التمايز عن نظرائه الغربيين بالإبقاء على الأبواب مفتوحة للحوار مع روسيا، رغم انتقاداته المتكررة للحشود الروسية، وتحميل موسكو مسؤولية التصعيد مع الغرب، من دون الخروج عن الدبلوماسية والنهج العام للموقف الأوروبي إزاء مجمل الصراع الدائر بين روسيا والغرب. ولعل هذا ما جعل مهمته أكثر “حساسية” وتعقيداً، في ظل رهانات داخلية وخارجية شككت منذ البداية في إمكانية نجاح الوساطة التي آثر القيام بها. لكن ماكرون الذي تولى رئاسة الاتحاد الأوروبي لستة أشهر منذ مطلع العام، يطمح في أن يلعب دور “صانع السلام” وتكريس نفسه زعيماً أوروبياً عالمياً، خصوصاً بعد انتهاء حقبة المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، التي كانت تتحمل عبء القيام بهذا الدور، وعدم قدرة أكثر منافسين مباشرين، وهما أولاف شولتس خليفة ميركل الجديد، وماريو دراجي رئيس الوزراء الإيطالي الذي فشل في الوصول لمنصب الرئاسة الإيطالية على القيام بهذا الدور، وبالتالي فإن الفرصة مؤاتية تماماً لماكرون، الذي يدرك أن نجاحه على هذا الصعيد سيؤمّن له الطريق إلى ولاية ثانية في قصر الإليزيه في انتخابات إبريل/ نيسان المقبل.

 مشكلة ماكرون تكمن في أنه ليس “طليق اليدين”، إذ على الرغم من أنه المحاور المقبول لدى موسكو، إلا أنه لن يكون كذلك في الغرب، ما لم يتمكن من إقناع بوتين بالتهدئة وخفض التصعيد وسحب الحشود العسكرية على الحدود الأوكرانية وانتهاج الدبلوماسية طريقاً لحل المشكلات العالقة بين روسيا والغرب. هناك، بطبيعة الحال، تناقض واضح في النظرة إلى الصراع الدائر بين الجانبين، وبينما يتفق ماكرون وبوتين على حاجة أوروبا لنظام أمني جديد، إلا أن الاختلاف حول المطالب الأمنية الروسية ومسألة انضمام أوكرانيا إلى حلف “الناتو” وعدم توسع الحلف شرقاً، سيظل قائماً، وبالتالي هناك صعوبة في حدوث اختراق ما لم تحصل موسكو على الضمانات المطلوبة، كما توقعت منذ البداية.

 وما يجعل وساطة ماكرون أكثر حذراً، رغم جرأتها، أنها بمنزلة سلاحٍ ذي حدين، ففشلها يعني أن ماكرون سيتعرض للهجوم والانتقادات من كل حدب وصوب، داخلياً وخارجياً، رغم أنه احتاط للأمر باتصالات ومشاورات أجراها مسبقاً مع نظيره الأمريكي وقادة الدول الأوروبية ومؤسسات الاتحاد الأوروبي، ومع ذلك قد يخسر ليس فقط الزعامة الأوروبية، وإنما ولاية رئاسية ثانية في فرنسا، بينما لو تمكن من النجاح فقد يصبح ليس فقط الزعيم الأوحد لأوروبا، وإنما “صانع السلام” الذي وضع أوروبا أمام عهد جديد، وجنّبها أخطر أزمة منذ الحرب العالمية الثانية.

شاهد أيضاً

إسرائيل تختار الصفقة بدلاً من الرد الاستعراضي

بقلم: علي حمادة – صحيفة النهار العربي الشرق اليوم– تجنبت ايران رداً إسرائيلياً استعراضياً يفرغ …