الرئيسية / مقالات رأي / أوروبا وروسيا.. تموضعات نهاية مرحلة ما بعد الحرب الباردة

أوروبا وروسيا.. تموضعات نهاية مرحلة ما بعد الحرب الباردة

بقلم: مصطفى فحص – الحرة

الشرق اليوم- تبرر النخب الغربية توسع الناتو في الفضاء السوفياتي السابق بأن دول المعسكر الاشتراكي السابق مرت بمرحلة انتقالية وتحولت إلى ديمقراطيات ناشئة مؤسساتية مقيدة بالدستور والقانون، لذلك فإن قياداتها المنتخبة تراعي مصالح مواطنيها عند اتخاذ قرارات إستراتيجية تتعلق بقرار الحرب والسلم، وهذا يقيد أي قرار قد تتخذه هذه الحكومات يتعلق بإعلان الحرب أو شن عدوان على أحد. وهنا ترى الدول الغربية المؤسسة لحلف شمال الأطلسي أن طلب هذه الدول الانضمام إلى حلف الناتو من خلفية دفاعية، أي انها تبحث عن ضمانات أمنية تحميها من أي اعتداء خارجي، لكن الأزمة أن هذه المبررات تضعها موسكو ضمن سياسات الخديعة تحت ذريعة حرية الشعوب في تقرير مصيرها، فروسيا ونظامها الاستبدادي مستعدة أن تعيد احتلال نصف أوروبا ووسط آسيا دون الاكتراث إلى أي رأي عام داخلي، خصوصا أن طبيعة نظامها لا يؤمن أصلا لا بالحريات العامة ولا باقتصاد السوق ولا رفاهية المواطنين ويعادي صناديق الاقتراع باعتبارها قد تأتي بشخصيات لا تنتمي لمؤسسة النظام.

إذن، نتيجة الاختلاف الجوهري في طبيعة القوتين المتواجهتين في أوروبا (الناتو وروسيا) تصبح مطالب روسيا التعجيزية من الناتو ورد الأخير عليها دون أدنى مراعاة لهواجسها، تأتي ضمن سياق التصعيد الذي عطل إيجاد مخرج ملائم للطرفين اللذين يدافع فيه كل طرف عن جوهر طبيعته التي يراها مهددة من الطرف الآخر، لذلك تسلك موسكو مسارا تصعيديا، حتى لو أنها تلوح بالحرب، ولكن تحاول تجنبها، لكنها تظهر أنها على استعداد لخوضها مهما كانت تداعياتها.

في المقابل تقف أوروبا بشقيها الغربي والشرقي ومعها الولايات المتحدة أمام اختبار الثقة، أولا ثقة الأوروبيين ببعضهم خصوصا دول أوروبا الفاعلة أو ما يسمى بـ “كبار أوروبا” (فرنسا وألمانيا ) ودفاعهما عن مصالحهما مع روسيا بوجه دول أوروبا الشرقية المتخوفة من ان تكون هذه المصالح على حساب استقرارها، أما الثانية فهي الثقة ما بين الولايات المتحدة والأوروبيين، والتي تفتح الان السؤال واسعا حول مستقبل الشراكة ما بين ضفتي الأطلسي وخصوصا دور حلف الناتو ومستقبله، والذي يواجه الان الامتحان الأوكراني الذي سيحدد طبيعته الجديدة بعد نهاية مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وبتفسير أدق الناتو ما بعد الرد على المطالب الروسية أي ما يمكن وصفه بنهاية مرحلة 1991 وبداية مرحلة 2022.

من هنا فإن إصرار الناتو على توسيع عمله في أوروبا يكشف عن تغيير جديد في طبيعته خصوصا انه هذه المرة يتموضع في محاذاة الحدود الروسية الأمر الذي يشكل تهديدا أمنيا لروسيا، ما دفع موسكو إلى تهديد الاستقرار الأوروبي، أي اللجوء إلى الهجوم من أجل الدفاع، وبات خيار غزو أوكرانيا قائما فعليا وامكانياته متاحة، كما أن بعض صناع القرار الروسي يعتبرون أن نتائج الغزو واضحة هي إبعاد التهديد عن حدودنا ونقله إلى قلب أوروبا.

وبناء عليه فإن انفجار الصراع المسلح لم يعد بحاجة إلى خديعة من أي طرف ليس كما ذكرت مصادر أمريكية عن خديعة روسيا تؤدي إلى قرار الغزو ولا استدراج أوكرانيا إلى احتكاكات عنيفة مع إقليم دونباس كما جرى في جورجيا من أجل تبرير التدخل الروسي لحماية الجماعات الروسية من مليشيات أوكرانية يمينية، فالأزمة تبدو أبعد من جغرافيا وأمن، وأصبحت تمثل جوهر العلاقات بين أعضاء الناتو حول مستقبل تحالفهم من جهة، ومن جهة روسيا واختبار القوة ومحاولاتها انتزاع احترامها.

شاهد أيضاً

الأردن: معركة محور التّطرف!

بقلم: محمد صلاح – النهار العربي الشرق اليوم- ليس سراً أن مصر والأردن خسرا كثيراً …