الرئيسية / مقالات رأي / هل يدفع جنرالات مالي فرنسا إلى الإنسحاب؟

هل يدفع جنرالات مالي فرنسا إلى الإنسحاب؟

بقلم: سميح صعب – النهار العربي

الشرق اليوم – التوتر يتصاعد بين النظام العسكري في مالي وفرنسا. وما كان يدور سراً في الأشهر الأخيرة ها هو ينفجر علناً. وما أفصح عنه وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان، ليس سوى رأس الجليد من الخلاف الناشب بين الجانبين منذ تسربت أنباء عن موافقة الحكومة المالية على نشر مجموعة “فاغنر” الروسية الأمنية عناصر لها في هذه الدولة التي تشهد قتالاً مع مجموعات جهادية، بعضها ينتمي إلى “القاعدة” والبعض الآخر إلى “داعش”.    

ودخل المجلس العسكري الذي يحكم مالي منذ انقلاب آب (أغسطس) 2020، في صراع خلال الأشهر الماضية مع الأسرة الدولية وشركاء مالي الذين يضغطون من أجل تسليم السلطة إلى المدنيين في البلد الغارق منذ سنوات في أزمات سياسية وأمنية.   

لكن النقطة التي طفح بها كأس العلاقات بين مالي وفرنسا، كان الرفض الصريح الذي أعلنه الجنرالات الحاكمون لنشر قوة دنماركية من مئة رجل في مالي في إطار قوة “تاكوبا” الأوروبية التي تقودها فرنسا.  وتحت ضغط العسكريين، غادرت القوة الدنماركية من حيث أتت. وكان المبرر الذي أعطاه العسكريون لرفض القوة الدنماركية، هو أن دخولها إلى البلد لم يجرِ بموافقة مسبقة من السلطات المالية.

وتجرعت فرنسا الأمر بمرارة واعتبرته بمثابة “إهانة”. وهذا ما دفع لودريان إلى القول: “نباشر الآن مشاورات مع شركائنا لتقويم الوضع وتكييف جهازنا مع المعطيات الجديدة”، مع التشديد في الوقت نفسه على أن أية إعادة ترتيب للجهاز العسكري الفرنسي والأوروبي لمكافحة الجهاديين في مالي، ستكون “قراراً جماعياً” يتخذ بعد “محادثات ومع شركائنا الأفارقة وشركائنا الأوروبيين”، من دون أن يصل إلى استخدام كلمة انسحاب، وإن كان كلامه ينطوي ضمناً على مثل هذا الاحتمال.   

والتقط وزير الخارجية المالي عبدالله ديوب الرسالة الفرنسية، فرد قائلاً: “مالي أيضاً لا تستبعد شيئاً بالنسبة الى هذه المسائل إن لم تكن تأخذ مصالحنا في الاعتبار”. 

وكانت فرنسا بدأت قبل ستة أشهر إعادة إنتشار لقواتها العسكرية في مالي، فغادرت قواعدها الثلاث في شمال البلد، وخفضت قواتها التي كان يبلغ عددها خمسة آلاف عسكري في منطقة الساحل الصيف الماضي، على أن تبقى تحتفظ بما بين 2500 وثلاثة آلاف عنصر بحلول 2023.

وكانت فرنسا أسست مع عدد من حلفائها الأوروبيين والأفارقة في آذار (مارس) 2020، قوة مهام جديدة أطلق عليها اسم “تاكوبا”، تعتمد على قوات أوروبية خاصة، للقتال إلى جانب الجيشين المالي والنيجري في مواجهة الحركات الجهادية. ونشرت هذه القوة 800 جندي في منطقة الساحل. وهي ترمز إلى التعاون الأوروبي مع فرنسا في المهمة العسكرية التي تنفذها منذ عام 2013، لصد الجهاديين في شمال مالي ووسطها.    

واللافت، أن الطابع الأوروبي للقوة، يجعل منها نواة تطمح دول أوروبية إلى تعزيزه وتعميمه في مناطق نزاع أخرى. وكانت فرنسا وألمانيا قد دفعتا في هذا الاتجاه بعد الإنسحاب الأميركي من أفغانستان في آب (أغسطس) الماضي.   

لكن في ما يتعلق بالوضع في مالي، فإن الانقلاب العسكري، شكل ضربة قوية للعلاقات مع فرنسا، لا سيما بعدما أخلّ العسكريون بالموعد الذي حددوه لإجراء انتخابات وعودة الحكم إلى المدنيين.   

ولم تقف المشكلة عند هذا الحد، إذ شجع إنقلاب مالي، العسكريين في التشاد على الاستيلاء على السلطة أيضاً بعد مقتل الرئيس أدريس ديبي عام 2021. والأسبوع الماضي، إستولى الجيش على السلطة في بوركينا فاسو، وهي إحدى دول الساحل الخمس، التي تضم أيضاً مالي والنيجر والتشاد وموريتانيا.   

ونهم الجنرالات في هذه الدول إلى السلطة، جعل الضغوط تتزايد على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للإنسحاب من منطقة الساحل، لا سيما أن عملية “برخان” لم تحقق النجاح المطلوب في القضاء على الجهاديين في المنطقة على رغم أنها أنزلت بهم خسائر كبيرة وقتلت عدداً كبيراً من قادتهم. وأتى الصراع على السلطة في دول منطقة الساحل، ليزيد من قوة الجهاديين وتوسيع نفوذهم في دول أخرى مجاورة.   

وبعد نشر السلطات المالية عناصر من مجموعة “فاغنر” الروسية، بدا أن ذلك بمثابة توطئة لزيادة النفوذ الروسي في دول الساحل، التي تزخر بالثروات الطبيعية. وأجج هذا التطور، الخلاف بين باريس وباماكو، وجعل فرنسا تفكر في الخيارات التي تضمن مصالحها، من دون أن تتورط في نزاع لا تبدو أن نهايته قريبة.

شاهد أيضاً

جامعات أميركا… حقائق وأبعاد

بقلم: إياد أبو شقرا- الشرق الأوسطالشرق اليوم– «الانتفاضة» التي شهدها ويشهدها عدد من الحُرم الجامعية …