الرئيسية / مقالات رأي / الدب الروسي لا يُلدغ مرتين

الدب الروسي لا يُلدغ مرتين

بقلم: إميل أمين – صحيفة “الاتحاد”

الشرق اليوم – في مواجهة المشهد الضبابي بين روسيا وأوكرانيا، يبدو القيصر بوتين كالمؤمن الذي لا يلدغ من جحر مرتين، كيف لا وهو لا يزال يحتفظ بأسوأ ذكريات لما أعتبره أكبر خطأ استراتيجي في القرن العشرين، أي تفكيك الاتحاد السوفييتي على نحو مهين لروسيا تاريخياً.

الذين فخخوا الاتحاد السوفييتي قبل تقطيع أوصاله، هم الذين وعدوا قبل ثلاثة عقود، بعدم التمدد شرقاً، أو الاقتراب من تخوم روسيا. وعود السياسيين كأحلام المساء، تتبخر حين تشرق شمس الصباح، فواشنطن تحاول التسلل إلى أوكرانيا بعد أن جربت مع جورجيا عام 2008 وأخفقت من جراء إقدام سيد الكرملين، في حين اكتفى ساكن البيت الأبيض بوش الابن بالتنديد والعقوبات والقيادة من خلف الكواليس.

ذاكرة بوتين كالأفيال، تحفظ التجربة على ألمها، وعنده أنه إذا سمح اليوم للناتو برأس حربته الأميركية بالتقدم إلى كييف وما نحوها، ففي الغد القريب قد يجد جنود العم سام في الساحة الحمراء. حفظ بوتين درس الأديب الروسي الكبير، المعروف باسم «بندقية تشيكوف»، وفيه أنه إذا قلت في الفصل الأول من كتاب أن هناك بندقية معلقة على الحائط، ففي غالب الأمر ستنفجر في الفصل الثالث.

أحد الذين كشفوا وربما عن عمد النوايا الأميركية لجهة روسيا، جورج فريدمان، صاحب مؤسسة ستراتفور، ذات الملمح والملمس الاستخباري، والذي أشار في قراءة أخيرة له إلى أن واشنطن تسعى للحد من نفوذ روسيا حول محيط حدودها بالكامل.

لا يعرف الأميركيون ماذا يعني «مبدأ مونرو» إلا حين يقترب من حدودهم، وهذا ما جرت به المقادير في ستينات القرن لماضي، حيث كادت الصواريخ السوفييتية في كوبا أن تشعل حرباً نووية، من جراء رفض واشنطن لوجود روسي يهدد نفوذها الجيوسياسي. غير أن الاقتراب على هذا النحو المثير عسكرياً وإنسانياً من مناطق دارت تاريخياً ولا تزال في فلك روسيا، أمر لا علاقة به بمبدأ «مونرو»، ولا بحقوق الدولة الويستفالية.

تبدو الأوراق الأميركية وتحركات «الناتو» مكشوفة أمام القيصر، في حين يبقى ما يدور في رأس بوتين سر ملفوف في لغز داخل أحجية، ولا أحد يعلم أين أو متى سيضرب ضربته وكيف سيكون شكلها أو حجمها، وهو الذي أعتاد العالم على أسلوبه الهجومي، كخير وسيلة للدفاع.

لدغت روسيا في زمن جورباتشوف مرة، فيما مثلت سنوات يلتسين وبالاً على الروس مرات، فقد تلقينا وعوداً شفاهية وصدقناها.

القيصر لا يفعل ذلك، وإنما يطلب ضمانات خطية مكتوبة من واشنطن على اقتراح معاهدة ضمان السلام، تلك التي رفضتها واشنطن طولاً وعرضاً في أول الأمر، غير أن «وليام بيرنز»، الدبلوماسي الذي قادته الأقدار إلى بيت العنكبوت وفخ الجواسيس، الاستخبارات المركزية الأميركية، يعلن وقت كتابة هذه السطور أنه سيقدم رؤية مكتوبة بشكل رسمي لموسكو.

يجيد القيصر تحريك بيادقه على الخارطة الجيوسياسية شرق آسيا، فيما صواريخه فوق الصوتية، عطفاً على التقليدية منها، مثل سارامات، الذي يمكنه حمل 12 رأساً نووية، كفيلة بإنشاء ردع لا يصد ولا يرد. بوتين قابض على كرامة روسيا بأسنانه..لا مزيد من لدغات أميركا و«الناتو» رجاء.

شاهد أيضاً

بأية حال تعود الانتخابات في أمريكا!

بقلم: سمير التقي – النهار العربي الشرق اليوم- كل ثلاثة او أربعة عقود، وفي سياق …