الرئيسية / مقالات رأي / انتخابات فرنسا.. عزوف الشباب وانتفاضتهم

انتخابات فرنسا.. عزوف الشباب وانتفاضتهم

بقلم: الهاشمي نويرة – صحيفة “البيان”

الشرق اليوم – دخل سباق الانتخابات الرئاسية في فرنسا مرحلة حاسمة مع اقتراب اكتمال القائمة النهائية لأبرزالمرشّحين لمنصب الرئيس في واحدة من أعرق الديمقراطيات الغربية، ومن المنتظر أن يُعلن الرئيس الحالي ايمانويل ماكرون عن ترشّحه قريباً لخلافة نفسه، حيث يمكّنه الدستور الفرنسي من ولايتين متتاليتين، علماً بأنّه يتصدّر نوايا التصويت بـ25 في المائة متقدّماً على اثنين من مرشّحي اليمين المتطرّف (مارين لوبان وإريك زيمور) وعلى مرشّحة اليمين الجمهوري فاليري بيكراس، فيما يقف على مسافة بعيدة جلّ مرشّحي اليسار باستثناء جون لوك ميلونشون الذي تعطيه جلّ استطلاعات الرأي نسبة تراوح بين الـ10 و 12 في المائة.

ولعلّ أهمّ ما يثير الانتباه في هذه الانتخابات كما في سابقاتها في فرنسا، كما في عديد الدول الأخرى، هو نِسب المقاطعة المرتفعة، وخصوصاً بين صفوف الشباب، وهي حقيقة تؤرّق المشهد الحزبي والسياسي في فرنسا كما في عديد دول العالم ولا يجدون لها حلولاً رغم أنّ ذات الاستطلاعات تؤكّد أنّ نسبة 70 في المائة من الفرنسيين مهتمّون بالانتخابات الرئاسية، لكنّ الاهتمام لا يترجم في العادة إلى نسب مشاركة.

وقد يكون من المهمّ والضروري تفسير ظاهرة الانقطاع عن المشاركة في الشّأن العام، ويُرجع أغلب الملاحظين هذه الظاهرة إلى عوامل عديدة منها أوّلاً، فقدان الثقة في طبقة السياسيين على اختلاف مشاربهم الفكرية والسياسية، وثانياً، يعد أغلب المقاطعين للانتخابات وللمشاركة في الشأن العامّ أنّ نظام الديمقراطية التمثيلية لم يعد يستجيب لطموحات أغلب مكوّنات المجتمع الفرنسي وخصوصاً فئة الشباب منه، وثالثاً، بسبب غياب الشخصيات التي تتمتّع بالكاريزما والجاذبية الضرورية لتكون مثالاً يُقتدى، ورابعاً، نقدّر أنّ تطوّر السلوك الانعزالي لدى الشباب بخاصّة، والذي عمّقته التطوّرات التكنولوجية الحديثة ونزوع هذه الفئة إلى العيش في عالمها الخاصّ مع روابطها الافتراضية وفي انقطاع تامّ عن المجتمع والعائلة، ساهم بقوّة في تفكّك النسق القيمي التقليدي السائد ودفع بشرائح واسعة من المجتمع الشبابي إلى ثقافة الاستهلاك بشتّى أنواعه بعيداً عن كلّ ضوابط وقواسم مجتمعية مشتركة، كما دفع بأجزاء أخرى منه إلى اعتناق مذاهب التطرّف السياسي من اليمين واليسار.

وإذْ وجد الشباب في الدول الغربية في وفرة الاستهلاك وفي حرية العمل السياسي والحزبي مجالاً للتعبير عن رفضهم للمنظومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية السائدة، فإنّ ضعف إمكانات مجتمعاتنا ودولنا والفقر المتنامي لمواطنينا وقلّة ذات اليد مع التشبّه المتزايد بسلوكيات الشباب في المجتمعات الاستهلاكية الغربية رغم ندرة الإمكانيات وغيابها في أغلب الأحيان هي من العوامل التي دفعت شبابنا إلى تعويض المشاركة في الشأن العام بسلوكيات انحرافية وصلت إلى حدّ تبنّي مذاهب متطرّفة أو التماهي مع سياسات شعبوية ومدمّرة للدول والمجتمعات، وهو أمر تتحمّل فيه النخب السياسية والحزبية والفكرية عموماً المسؤولية الكاملة.

ومن المؤسف حقّاً أنّ أغلب فئة الشباب التي اختارت المشاركة في العمل السياسي عندنا دخلته من باب معانقة المتطرّف من الأفكار والسياسات، وبدل أن يكون سلوكها مؤسِّساً لتقاليد جديدة في العمل السياسي وفي المشاركة في الشأن العام تاهت بها المعاني ودخل بعضها القليل – لحسن الحظّ – دهاليز الفكر الظلامي الذي وظّفته جماعات الإخوان والإسلام السياسي لمحاولة القضاء على الدول والمجتمعات.

وبالعودة للانتخابات الرئاسية الفرنسية وجب لفت النظر إلى أنّ في فئة الشباب ما يمكن أن نعتبره حالة وعي يُمكن أن تؤسّس لسلوكيات سياسية جديدة.

شابّة وشابّ فرنسيان هما، أنّا أغاب بورتوري (25 سنة) ومارتان روكا (22 سنة) قرّرا الترشّح إلى انتخابات تمهيدية لرئاسة الجمهورية الفرنسية بلا حزب ولا برنامج ولا نية لهما في الوصول إلى منصب الرئيس، هي فقط نقطة وحيدة في برنامجهما: فرض فكرة تجديد المنظومة الديمقراطية على باقي المرشحين.

وقد تكون هذه انتفاضة شبابية ضدّ تسلّط النخبة السياسية السائدة، ولكنّها انتفاضة قد تحمل جنين مجتمع جديد يقطع مع السائد العليل، ولا يكون في قطيعة تامّة مع المجتمع والدولة.

شاهد أيضاً

أحلام مقتدى الصّدر وأوهام مناصريه

بقلم: فاروق يوسف- النهار العربيالشرق اليوم– عندما يُشفى العراقيون من عقدة اسمها مقتدى الصدر يكون …