الرئيسية / مقالات رأي / بريطانيا: هل ينجو جونسون من العاصفة؟

بريطانيا: هل ينجو جونسون من العاصفة؟

بقلم: جمعة بوكليب – صحيفة الشرق الأوسط

الشرق اليوم- لو حدثَ ونجحتْ فضيحة “بارتي غيت – Party Gate” في وضع نهاية لرئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون، فإنه – استناداً إلى مقالة نشرها مؤخراً اللورد ويليام هيغ – سيكون أول رئيس وزراء بريطاني، خلال 200 عام يسقط لأسباب لا تتعلق بفشل ناجم عن تطبيق سياسات غير مقبولة، مثلما وقعت السيدة مارغريت ثاتشر ضحية لتطبيق سياسة ضريبة الرقبة – Poll Tax، أو فشل في حرب، كما سقط أنتوني إيدن على إخفاقه في إدارة حرب السويس عام 1956، بل وفقاً لمعايير النزاهة والسـلوك.

في حالة سقوطه، يرى اللورد هيغ، أن السيد جونسون، المتخصص في دراسة التاريخ، سيجد نفسه وحيداً في فئة، أو خانة لرؤساء الوزراء السابقين لم توجد من قبل. الرهانُ، الآن، على سقوطه ازداد ثقلاً بتزايد عدد المطالبين باستقالته من داخل كوادر حزبه. لكن ذلك لا يعني أن السيد جونسون سيلقي بسيفه، ويرفع راية الاستسلام، ثم يغادر المسرح، وتُطفأ الأضواء خلفه. والسبب؛ لأن من يعتلي ذروة حزب عتيد كحزب المحافظين، ويفوز بعمادة مدينة لندن، وبزعامة الحزب، وباستفتاء “بريكست”، وبالانتخابات النيابية، ويعيد للحزب قوته البرلمانية، لا بد أن يكون مقاتلاً شرساً، يتقن خوض غمار الحروب، ومواجهة رياح العواصف. المشكلة الصغيرة التي يواجهها، الآن، هي أن العاصفة الحالية بلا سوابق، وقد تقتلعه. لأن هامش المناورة صغير، وأبواب المراوغة شبه موصدة. والحل؟ اختلف المحللون والمعلقون والمستشارون في نوعية ما قدموه من اقتراحات بحلول، وليس بينها حل يمكن تنفيذه بلا خسائر، كما لا تتم حجامة من دون إسالة دم. الإجابة عن السؤال: دمُ من؟ هي من سيحدد نوعية الحل المختار. أكثرية أنصاره في الحكومة والحزب يشيرون بأصابعهم نحو أطقم المستشارين المحيطين به، ويطالبون بطردهم، واستبدال أطقم جديدة بهم. وبمعنى نزع ثوب اللوم عنه وتعليقه على مشاجبهم. لكن في حالة حدوث ذلك، يقول البعض من المعلقين، من أين سيأتي بأطقم كفؤة ومخلصة وشديدة الولاء له شخصياً؟ بل وحتى إن توفروا، مَن منهم سيقبل بالعمل معه، بعد أن رأوا الجزاء الذي ناله السابقون لهم؟

الحقيقة التي لا يحاول أنصاره التعامل معها بموضوعية هي أن ما حدث يُعدّ فضيحة. في رواية “ظلال على النافذة” يقول الروائي العراقي الراحل غائب طعمة فرمان “الفضيحة تنتشر مثل رائحة كريهة، مثل دخان حريق في بيت مكشوف”. وهي فضيحة أخلاقية بالدرجة الأولى. وتتعلق بالعلاقة بين واضعي القوانين والنظم وتنفيذها. فمن يضع قانوناً أولى به الحرص على تنفيذه ليكون قدوة لغيره، ولا يسعى إلى خرقه. ومن جهة أخرى، هناك أهالي وأقارب الضحايا الذين وقعوا بين براثن الوباء الفيروسي وحرموا، بقوة القانون، حتى من إلقاء نظرة وداع أخيرة عليهم. هناك أيضاً الذين وقعوا تحت طائلة القانون ودفعوا مخالفات مالية كبيرة. الملكة إليزابيث الثانية ذهبت لوداع زوجها المتوفى في الكنيسة وحدها، احتراماً للقانون. في اليوم السابق، أقام موظفو 10 داوننغ ستريت احتفالاً صاخباً داخل المبنى. فمن أين سيأتي الصفح والغفران؟ 10 داوننغ ستريت، لدى انكشاف الأمر، وفي سابقة تسجل للمرّة الأولى، سارع بتقديم اعتذار للملكة إليزابيث الثانية. وقبل ذلك، وقف رئيس الحكومة في البرلمان معتذراً، ومبرراً حضوره لحفل في حديقة مقر مكتبه، بظنّه أن له علاقة بالعمل، رغم أن قوارير الشراب وأطباق الطعام كانت مطروحة فوق الموائد أمام عينيه، كما كشفت عنها الصور المنشورة في وسائل الإعلام! هناك مزاعم، نُشرت في وسائل الإعلام، تقول إن بعض مستشاريه حذّروه من مغبة إقامة الحفل في شهر مايو (أيار) 2020؛ لأنه انتهاك صريح للقانون. إلا أن السيد جونسون شخصياً أنكر مؤخراً حدوث ذلك.

الانتظارُ، حالياً، سيدُ الموقف، حتى تتمكن السيدة سُو غراي من تقديم تقرير يتضمن نتائج التحقيق في الاختراقات التي تمت. التقارير الإعلامية تشير إلى أن التقرير قد يتأخر حتى بداية الأسبوع المقبل. ومن جهة أخرى نشرت وسائل الإعلام تقارير تتحدث عن خطة أُطلق عليها اسم “عملية إنقاذ الكلب الكبير – Operation Save Big Dog” المقصود بها إنقاذ رأس السيد جونسون. ملخصها يقوم على تحرّك الوزراء سريعاً بالإعلان عن تنفيذ سياسات جديدة، تنجح في إثارة الاهتمام، وتخفف من ثقل الضغوط على رئيس الحكومة. وما صدر منها كان واضحاً أنّه تمّ على عجل، ومن دون رويّة وتفكير، ولم ينجح إلا في زيادة إثارة السخط ضد الحكومة.

لسوء حظ السيد جونسون، فإن الفضيحة التي ألقت بشباكها عليه شخصياً، تزامنت مع واحدة من أخطر الأزمات المهددة للسلم العالمي، ونعني بذلك تحفز الدّب الروسي لابتلاع أوكرانيا.

شاهد أيضاً

لبنان- إسرائيل: لا عودة الى ما قبل “طوفان الأقصى”

بقلم: علي حمادة- النهار العربيالشرق اليوم– تسربت معلومات دبلوماسية غربية الى مسؤولين لبنانيين كبار تشير …