الرئيسية / مقالات رأي / السودان.. تدويل الأزمة والنفق المسدود

السودان.. تدويل الأزمة والنفق المسدود

بقلم: حسام ميرو – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- لم تكن عودة عبد الله حمدوك رئيس وزراء الحكومة الانتقالية السودانية إلى منصبه حلّاً للأزمة الوطنية، فقد استقال الرجل بعد بضعة أسابيع، في إقرار واضح من قبله بأن الأزمة ليست أزمة شخصية، بل هي أزمة نظام حكم، وأزمة دولة، وأن وجوده في منصبه لن يغير أي شيء في ظل المعطيات الموجودة، وأن الصيغة التي جمعت بين القوى المدنية، ممثلة بقوى “إعلان الحرية والتغيير” وبين المؤسسة العسكرية، قد أصبحت بحدّ ذاتها المشكلة الأكبر، فقد غدا التعايش بين القوتين مستحيلاً، وبالتالي كان من الطبيعي بمكان، وفق وجهة نظره، أن يستقيل، في خطوة وصفت في غير مكان من الإعلام بأنها تنمّ عن “رؤية رومانسية إلى السياسة”، و”لا ترتكز إلى موازين القوى”.

 مهّدت خطوة الاستقالة إلى بداية تدويل الأزمة السودانية، ودخول الأمم المتحدة على الخط بشكل أكبر من السابق، فقد أعلن فولكر بيرتس، مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان، أنه سيقوم بجولة مشاورات بين مختلف الأطراف، وأن بعثته “لا تمتلك مشروعاً مسبقاً أو مسوّدة لحلّ الأزمة، وأنها ستجري مشاورات أولية لتحديد الأجندة والقضايا التي ستوضع على الطاولة”، وبهذا المعنى فإن البعثة الأممية إلى السودان، التي كانت تعمل في فترات سابقة لدعم الانتقال السياسي، أصبحت اليوم أمام مهمة إقناع مكوّنات الحكم العمل معاً من جديد، وتجاوز الإشكالات والمشكلات القائمة بين الطرفين.

 في خطاب استقالته، الذي جاء متزامناً مع عيد الاستقلال، اعترف رئيس الوزراء أنه “فشل في إحداث إجماع وطني وسياسي للإيفاء بالوعود التي تمّ قطعها للمواطن من أمن وسلام وعدالة وحقن للدماء”، وهو ما يعني في التصريف السياسي أن موعد انتهاء المرحلة الانتقالية، وإجراء انتخابات عامّة، في يوليو/ تموز 2023، قد أصبح في حكم المؤجل حتى إشعار آخر، والأهم من ذلك أن المشهد السياسي السوداني يظهر حالات انقسام شديدة في المعسكرين المدني والعسكري على حدّ سواء، وهو ما يجعل الاستقطاب في كلا المعسكرين على أشدّه، في الوقت الذي يشعر فيه السودانيون أن الوعود والآمال التي كانوا يحلمون بأن تحقّقها الثورة لهم أصبحت سراباً، بل ربما إن السودان كلّه قادم على مرحلة خطرة.

 الواقع السوداني وأرقامه مرعبة، فديون البلاد تجاوزت حاجز 60 مليار دولار، كما أنهكت العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليه لعقود مؤسساته، والتأخر الكبير في البنى التحتية، نتيجة الفساد والهدر، وسوء الحوكمة، بالإضافة إلى عدد من القضايا التاريخية التي لم تجد لها حلّاً، مثل قضية دارفور، وقد أمل السودانيون أن يكون “اتفاق الإطار” الذي وقّعه المدنيون والعسكر في 20 نوفمبر/ تشرين الماضي بداية جديدة لعدم تدخّل مجلس السيادة الانتقالي في عمل الجهاز التنفيذي للدولة، خصوصاً في عمليات التعيينات والتوظيف والإعفاءات، إلا أن المكوّن العسكري فعلياً أصرّ لاحقاً على أن يكون طرفاً في تلك العمليات.

 الخلاف على دور الجهاز التنفيذي ليس إلا رأس جبل الجليد، فالمؤسسة العسكرية كانت منذ الاستقلال عن بريطانيا هي الفاعل الرئيسي في توجيه دفّة الحكم، وكانت تمتلك المكانة والفرصة لعقود طويلة كي تُحدث نقلات مهمة في مناحي الحياة كافة، وأن تقود السودان إلى الازدهار، بما يمتلكه من مقومات وثروات، لكنها بدلاً من ذلك، لم تتمكّن من الحفاظ على وحدة السودان، أو حلّ مشكلات الأقاليم، أو تطوير الاقتصاد، أو تنمية الثروات، التي تبخّر معظمها في دورات من الحروب والفساد.

 لكن أن يمضي السودان خطوة متقدّمة نحو التدويل، فهذه مسألة أخرى، فكل قضايا المنطقة التي ذهبت نحو التدويل في السنوات الماضية، ذهبت إلى أوضاع أكثر كارثية مما كانت عليه، ودخلت أزماتها في نفق مسدود، وهي تمضي من فشل إلى آخر.

 وإذا كان التدويل قد أصبح أمراً واقعاً، فإن القوى الرئيسية في السودان، من دون استثناء، مطالبة بأن تعيد الأزمة إلى الداخل، فالمؤسسة الأممية بواقعها الراهن تعاني مشكلات بنيوية، ولن يختلف عمل البعثة الأممية إلى السودان عن عمل سابقاتها في الدول العربية المضطربة.

شاهد أيضاً

الأمل المستحيل لإسرائيل

بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج الشرق اليوم- عندما يطرح مركز بحوث أمريكي مؤيد دائماً …