الرئيسية / مقالات رأي / كازاخستان والموقف الروسي

كازاخستان والموقف الروسي

بقلم: نبيل سالم – صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – من بعيد وحسب ما تتناقله وكالات الأنباء من أخبار، يبدو أن ارتفاع سعر الغاز هو السبب في اندلاع موجة الاحتجاجات العنيفة التي تشهدها كازاخستان، ولا سيما في مدينة الماتا أكبر المدن الكازاخية والعاصمة القديمة للبلاد، لكن من يقرأ الأحداث بتمعن يرى أن قضية الغاز ليست سوى عنوان هذه الأزمة المفتعلة التي لا تختلف كثيراً عن الأزمات التي تشهدها العديد من الدول التي كانت منضوية تحت راية الاتحاد السوفييتي السابق، بين حين وآخر.

فالتظاهرات بدأت عملياً بعد ما أقدمت السلطات في كازاخستان، الغنية بالنفط، على رفع أسعار الغاز المسال الذي يستخدمه كثيرون لسياراتهم، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، ثم إلى اشتعال الاحتجاجات في منطقة واحدة في البداية قبل أن تمتد إلى عدد من المناطق، مصحوبة بصدامات مع الشرطة، وهو ما دفع إلى إعلان حالة الطوارئ، فيما حل الرئيس الكازاخي قاسم جومارت توكاييف الحكومة، ووعد بعودة أسعار الوقود إلى ما كانت عليه من انخفاض «حفاظاً على استقرار البلاد»، إلا أن ذلك لم يسهم في تخفيف حدة الاحتجاجات التي يبدو أنه خطط لها منذ زمن بعيد، حيث عمد خلالها المحتجون إلى تخريب الممتلكات العامة ونهب المحال التجارية، وإضرام النار في الكثير من السيارات، ما أدى إلى سقوط العشرات بين قتلى وجرحى وخاصة في صفوف قوات الأمن.

وعلى الرغم من حل الحكومة وإعادة أسعار الوقود إلى ما كانت عليه، لم يُبد المتظاهرون نية لمغادرة الشوارع.

هذا الواقع الخطر دفع بالرئيس الكازاخي قاسم جومارت توكاييف إلى مناشدة قادة الدول الأعضاء في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، مساعدة كازاخستان في مواجهة أحداث العنف و«العصابات الإرهابية» التي تعيث فساداً في بلاده، حيث سارعت موسكو إلى إرسال وحدة روسية من قوات حفظ السلام إلى كازاخستان، لحماية المنشآت الحكومية والعسكرية ومساعدة قوات الأمن الكازاخية في تحقيق الاستقرار.

وعلى الرغم من عدم وجود قيادات واضحة للمحتجين، فإن ما يجري في هذا البلد لا يمكن فصله عن الواقع الجيوسياسي للمنطقة، ولا سيما في إطار مساعي الولايات المتحدة والغرب خلق المزيد من المشكلات والأزمات في وجه كل من روسيا والصين، خاصة أن الاحتجاجات العنيفة هذه تتزامن مع تصعيد غربي واضح ضد روسيا في أوكرانيا، ما يعني زيادة الضغط على روسيا والصين معاً، إذا ما علمنا بأن كازاخستان ترتبط بعلاقات ثقافية وتاريخية واقتصادية وأمنية مع روسيا، في الوقت الذي تعتبر فيه شريكاً اقتصادياً مهماً للصين، ونقطة أساسية في المشاريع الصينية كطريق الحرير، زد على ذلك أن نحو عشرين في المئة من الشعب الكازاخي من أصول روسية، وكأننا أمام سيناريو جديد شبيه بالأزمة الأوكرانية التي افتعلها الغرب في وجه موسكو الحليف المفترض للصين، في أي مواجهة محتملة بينها وبين الولايات المتحدة والغرب، وبالتالي يكون المعسكر الغربي كمن يضرب عصفورين بحجر، فهو يزرع المزيد من الألغام في وجه موسكو والصين معاً، ما يعيد إلى الأذهان ما يسمى بالثورات الملونة التي شهدتها بعض دول الاتحاد السوفييتي السابق والتي تمت هندستها على يد أجهزة الاستخبارات الغربية، ما يفتح الباب أمام تحولات كبرى في آسيا الوسطى، ستنعكس آثارها بالتأكيد على روسيا والصين معاً.

ويظهر من الاستجابة السريعة لمساعدة كازاخستان من قبل منظمة معاهدة الأمن الجماعي، مدى الأهمية التي توليها هذه الدول وعلى رأسها روسيا، للأمن في كازاخستان، حيث ظلت منظمة معاهدة الأمن الجماعي بعيدة عن اضطرابات الأعوام 2005 و2010 و2020 في قرغيزستان، وصراع ناغورني كراباخ بين أرمينيا وأذربيجان في خريف 2020، أضف إلى ذلك أنه وفقاً للمادة الرابعة من ميثاق منظمة معاهدة الأمن الجماعي، لا ترسل المنظمة القوات إلا لمساعدة دولة عضو تتعرض أراضيها أو سيادتها للتهديد من قبل قوة خارجية.

ويبدو واضحاً مما يجري أن روسيا لا يمكن أن تسمح بانهيار كازاخستان، لأسباب سياسية وأمنية، أهمها التخوف الروسي من محاولات الغرب التوغل في دول قريبة منها، وهو ما يبرر الاتهامات الروسية للأمريكيين بأنهم وراء الاحتجاجات الأخيرة، فضلاً عن أهمية الموقع الاستراتيجي لكازاخستان التي تعد الحديقة الخلفية لروسيا، والشريك التجاري القوي للصين، على الرغم من وجود استثمارات لشركات أمريكية في مجال الطاقة.

شاهد أيضاً

الأمل المستحيل لإسرائيل

بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج الشرق اليوم- عندما يطرح مركز بحوث أمريكي مؤيد دائماً …