الرئيسية / مقالات رأي / الفوضى الأمريكية القادمة

الفوضى الأمريكية القادمة

بقلم: د. مصطفى جودة – المصري اليوم


الشرق اليوم – حتى يومنا هذا، وبعد مضي سنة على انتهاء الانتخابات الأمريكية السابقة عام 2020، وطبقًا لاستطلاعات الرأي، يوجد حاليًا أكثر من 35% من الشعب الأمريكي يؤمنون بأنها قد سُرقت من ترامب وأن نتائجها التي أدت إلى فوز جوزيف بايدن لابد أن تعكس وتعيد تنصيب ترامب رئيسًا لأمريكا.
أصبحت الأمور في أمريكا منذ انتهاء تلك الانتخابات واقعًا جديدًا. كانت تلك الانتخابات قبلها نموذجًا يُحتذى به أمام الدنيا كلها، والسلطة التي كانت تنتقل إلى الرئيس المنتخب بيسر وسهولة تعقبها عودة الحياة السياسية الأمريكية إلى سابق عهدها لم تعد تتم بهذا التقليد.
كان العرف أن الحزب الخاسر يقوم بدراسة أسباب خسارته ويُجري دراسات يعالج بها القصور الذي أدى إلى خسارته، ويبحث عن وجوه جديدة تحظى بقبول الشعب الأمريكي. تغيرت الأمور ولم يقبل ترامب الخسارة ولم يعترف بفوز خصمه، وأصر على أنه هو الرئيس الشرعي المنتخب ورفع شعار: «أوقفوا السرقة». نتج عن ذلك أنه في الفترة التي تلت يوم الانتخابات مباشرة وحتى السادس من يناير كادت أمريكا تتعرض لانقلاب حقيقي يلغي ديمقراطيتها ويهدد مستقبلها تهديدًا خطيرًا وقد يؤدي إلى حدوث حرب أهلية بين القطبين اللذين خلقهما ترامب. قطب أنصاره الذين لا يصدقون فيه قولًا ولا عَزولًا والآخر بقية أمريكا التي تنتظر فوضى متصاعدة نتيجة ذلك.
كثير من الأحداث شبه اليومية تؤيد ذلك وتدعمه، أولها الحادث الأشهر، وهو اقتحام مبنى الكابيتول في السادس من يناير 2021، وآخرها حادثان في أكتوبر 2021، وبينهما آلاف الحوادث المشابهة. الأول خطاب من ترامب إلى محرر صحيفة وول ستريت جورنال المحافظة، التي نشرته بتاريخ 27 أكتوبر، قال فيه: «تمت سرقة الانتخابات وتزويرها، وللأسف أنتم وبقية وسائل الإعلام الزائفة لا تستطيعون إقراره وتوضيحه للناس». كان ترامب مُكرِّرًا لادعاءاته التي يؤمن بها هو والذين اتّبعوه إيمانًا يقينيًا رغم أن كل الدعاوى القانونية الكثيرة التي رُفعت بسببها وثبت بطلانها قبل الإعلان النهائي عن تنصيب الرئيس جوزيف بايدن الفائز بها. شمل خطابه أيضًا ذكر 20 نقطة حاول فيها برهنة ادعاءاته عن سرقة الانتخابات والمؤامرات التي حيكت حوله. تلقت الصحيفة نقدًا لاذعًا من الكثيرين لأنها نشرت الخطاب ولم تُجْرِ عمليات التحقُّق المعهودة لما ورد فيه من أكاذيب على حد هؤلاء النقاد والمُتَّبَعة في عرف الصحافة الأمريكية والعالمية، ورغم ثبوت عدم وجود المؤامرات التي ذكرها ترامب في خطابه، والتي تُعرف الآن بالكذبة الكبرى في ثقافة الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020، لدرجة أن صحيفة الواشنطن بوست نشرت نقدًا خارجًا عن العرف السائد بين الصحف الأمريكية، التي عادة لا تنقد أفعال الصحف الأخرى. كتبت الصحيفة مستغربة ما قامت به الوول ستريت: لماذا نشر أمور تم التأكد من كذبها وعدم صحتها وزيفها دون تحليل؟
قبلها بيومين، وبتاريخ 25 أكتوبر، أثناء بث مباشر على الراديو لداعية سياسي متطرف، له برنامج راديو أصبح يستقطب الكثيرين من الشباب الجمهوري المحافظ من أتباع ترامب. أمام حشد له في جامعة بولاية أيدهو الأمريكية، وأثناء فترة الأسئلة قام شاب وسأله: كم من الانتخابات ستسرق قبل أن نستخدم البنادق؟ كان السائل يعني بسؤاله: متى يمكننا قتل الديمقراطيين نتيجة سرقتهم الانتخابات من ترامب الذي ربحها؟
الأخطر من ذلك كله أن أجندة كثير من المرشحين الجمهوريين لمجلس النواب ومجلس الشيوخ ومناصب حكام الولايات لعام 2022 باتت تعتمد على دعم الرئيس السابق ترامب واسترضائه وتبني أفكاره لأنه يستطيع بتصريح واحد إنزال الخسارة بأي واحد منهم لو نقد مخالفًا.
هؤلاء هم رجال ترامب الذين ينتظرون إشارته لفعل أي شيء، وهذه هي حالة الاستقطاب التي خلقها، والتي تترتب عليها فوضى تتزايد يومًا بعد يوم، ولن تعكس أبدًا طبقًا للقانون العلمي والتاريخي، الذي ينص على أن الفوضى دائمًا في ازدياد وفي اتجاه واحد. تلك الفوضى تعني أيضًا، وفي المقام الأول، أن أمريكا تضمحل مثلما اضمحلت كل الإمبراطوريات قبلها. من المتوقع أن العالم سيشهد حدوث العجب في أمريكا مع مطلع العام الجديد.

شاهد أيضاً

لبنان- إسرائيل: لا عودة الى ما قبل “طوفان الأقصى”

بقلم: علي حمادة- النهار العربيالشرق اليوم– تسربت معلومات دبلوماسية غربية الى مسؤولين لبنانيين كبار تشير …