الرئيسية / مقالات رأي / مجنون كـ صانع قبعات

مجنون كـ صانع قبعات

بقلم: آلى حميدي – موقع الحرة

الشرق اليوم- في أحد العراكات اللامنتهية، وصفني أحدهم شاتما بأني “Mad as a hatter” بترجمة أدركتها لاحقا إلى العربية: (مجنونة كـ صانع قبعات). لم افهم المعنى على الإطلاق لكن انقلب العراك من جهتي حينها إلى عملية بحث افتراضية عن أصل نحت الجملة، متجاهلة تماما وجوده، سادة أذناي عن سيل الشتائم الخارج من شفتيه الممتلئتين. 

كما توقعت، كان يستخدمها لغوا دون الإلمام التام عن ماهية نحتها، جذرها أو مصدرها، بعيدا عن إدراك غرابتها على مسامع متحدثين اللغة الإنجليزية كلغة ثانية أو ثالثة. تستخدم هذه الجملة العامية في الإنجليزية لوصف شخص مُصاب بالجنون ولكن بشكل فكاهي، بحسب قوله. 

في الفصل السابع المعنون تحت اسم “حفل الشاي المجنون” من رواية “مغامرات أليس في بلاد العجائب” للكاتب “لويس كارول” تظهر شخصية تدعى هاتر “hatter”، يكتسي رأسها شعر برتقاليا، عين خضراء، الأخرى صفراء، قبعة ضخمة، وجه مغبر بطبقات من المسحوق الأبيض. يتفقد الساعة دون توقف بارتباك مزمن. شخصية غير متزنة وفقا للمعايير السائدة، تقول الشعر والجمل القصيرة على شكل مانفيستو ثوري وخلاصات فكرية غير متسقة. يتحرك بين كراسي المائدة لهوا، شاربا الفراغ، اللاشيء من أكواب الشاي المحطمة إلا من مسكتها وما تبقى من حوافها. تتخلل الجلسة ضحكات قصيرة على تعليقات “هاتر” من قبل أرنب آذار/مارس المختل. 

بعد دعوة هاتر أليس إلى حفل الشاي الأبدي الممتد على مائدة أنيقة مشاركةً مع الأرنب والفأر “الحكيم” مقارنة معهم، تعترف أليس لـ “هاتر” لدى جلوسها على الكرسي بأن “الشعور بالزمن في الأحلام غريب جداً”  إشارة غير مباشرة إلى خديعة مفهوم حفل الشاي الذي هو ضمنياً عقوبة من الملكة المتسلطة في السردية أنزلته بهم بعد أن فشل في تقديم عرض أداء غنائي متهمة إياهما بـ “قتل الوقت” الأمر الذي حال بهم إلى تجميدهم بحفل شاي أبدي متكرر الأحداث والعناصر متحولا من حلم إلى كابوس. 

المثير للاهتمام الاستلهام الذي قاد “كارول” في خلق شخصية “هاتر”.

يقال بأن الجملة خرجت للمرة الأولى من إنجلترا في القرن التاسع عشر، تحديدا من المعامل المسؤولة عن تصنيع القبعات، للدقة من هستيريا وهلوسات والجمل المتقطعة البادية على أسلوب وتصرفات العاملين في هذه المصانع والرعشات المرافقة لأجسادهم واختلال عقولهم بعد فترة زمنية من الاستنشاق اليومي لمادة الزئبق، المادة المستخدمة حينها في تصنيع القبعات والمساعدة في فصل فراء وجلود الحيوانات عن أجسادها وتحويلها لاحقا إلى قبعات بشرية. 

الفن المميت 

تتشارك شخصية “ماد هاتر” في بعض أجزائها مع شخصية الفنان الإيطالي “فيتوريو كارباتشيو”، الفارق بينهما، امتصاص الأول جنونه وعبثه من ارتداء القبعات والثاني من اللون القرمزي المشع على أصابعه المنتهية أخيراً في لوحاته ورئتيه وجلده. 

وفقا للكثير من تكهنات مؤرخي الفن حول الأسلوب غير الشائع في تصرفات العديد من فناني عصر النهضة وما بعده كذلك من بينهم “كارباتشيو” وتصرفاته البعيدة عن الاتزان مقارنة بالمعايير السائدة حينها، يرجح  مؤرخ الفن أندرو غراهام ديكسون، بأن  “كارباتشيو” استنشق كميات كبيرة من المذيبات وأكاسيد الحديد،  وتعامل مع أنواع معينة من الأصباغ و ألوان الطلاء المصنوعة من الزئبق والرصاص والكبريتيدات كلها مجتمعة بشكل يومي، مسببا تلفا وخللا ملحوظا في وظائف الدماغ، وبالتالي سلوكه العنيف سيئ السمعة آنذاك. 

ترجح ذات النظرية على الفنان الهولندي “فينسنت فان كوخ” والقلق المزمن تجاه الأشياء من حوله التي ظهرت بشكل مبطن بإحدى مراسلاته ضمن جملة مكتوبة من قبل أخيه عندما نصحه بالابتعاد عن ألوانه وأدوات الطلاء إذا كان يشعر بالتهديد والخطر منهم على صحته العقلية واستبدالهم لفترة قصيرة بالرسم مستخدمة المواد الجافة. 

شاهد أيضاً

وجوه جديدة لأزمة اللاجئين

بقلم: وليد عثمان – صحيفة  الخليج الشرق اليوم- على ضفاف الأزمات التي تتفاقم في المنطقة، …