الرئيسية / مقالات رأي / عودة الحلم

عودة الحلم

بقلم: أحمد ضيف الله – الوطن السورية

الشرق اليوم- خلال فترة الحصار الاقتصادي المروع على الشعب العراقي الذي سبق وتلا حرب الخليج الأولى عام 1991 من أميركا والدول الغربية الحريصة على «حقوق الإنسان»! الذي دام أكثر من 12 عاماً، تداعت البنى التحتية والأمنية للدولة العراقية، ووظفت العصابات الإجرامية المنظمة في تخريب النسيج الاجتماعي العراقي، وبطبيعة الحال لم يسلم قطاع الآثار في عموم العراق من تداعيات الحصار الكارثي، حيث سُرقت مقتنيات بعض المتاحف، وأُحرِق بعضها، بالترافق مع عمليات نبش وسرقة للكثير من القطع الأثرية التي لا يمكن إحصاء عددها، لأن أغلبها غير مرقم، أو غير مكتشف أو معروف.

وبينما قام أفراد الجيش الأميركي المحتل، بنهب منظم للأوابد التاريخية والثقافية العراقية، لبيعها في أوروبا وأميركا.

دمر تنظيم داعش الإرهابي الكثير من المواقع الأثرية التي تعود للعصر الآشوري ومملكة الحضر العربية القديمة، التي تقع أطلالها في محافظة نينوى، وسرق القطع الصغيرة للاتجار بها.

عمليات نهب الآثار، والتهريب المنظم لها إلى الدول الغربية وأميركا، انكشفت من خلال الدراسات والبحوث المنشورة عن قطعٍ آثارية تبيّن لاحقاً أنها مسروقة من العراق، ومن خلال متابعة ذلك، والمبيعات في دور المزادات الغربية، أمكن معرفة الحجم الهائل لتداولات القطع الأثرية المسروقة والمهربة.

في الـ7 من كانون الأول 2021، وخلال مؤتمر صحفي مشترك، أعلن وزيرا الخارجية فؤاد حسين والثقافة والسياحة والآثار حسن ناظم العراقيان، عودة ثلاث قطع أثرية إلى العراق، الأولى، لوح يرجع تاريخه إلى عام 1595 قبل الميلاد، فيما يعرف بالعصر البابلي القديم، ويمثل «حلم جلجامش». والثانية قطعة آجر تعود إلى قصر الملك نبوخذ نصر الثاني في العصر البابلي الحديث، ويرجع تاريخها لما بين عامي 624 و539 قبل الميلاد، أما القطعة الثالثة فهي تمثال لكبش رابض من حجر الكلس يعود إلى عصر فجر السلالات الثالث في الفترة بين عامي 2900 و2371 قبل الميلاد، استعيد من بريطانيا. وقد أوضح وزير الخارجية أن العراق «تمكن من استعادة نحو 17916 قطعة أثرية من دول عدة هي الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان وهولندا وإيطاليا»، على مدى عام واحد.

أغلبية القطع المستردة من الولايات المتحدة هي من جامعة (كورنيل) الأميركية، حيث يُظهر موقع أرشيفها الإلكتروني، ألواحاً مسمارية تعود لحقب متعددة من حضارات بلاد ما بين النهرين.

أبرز القطع المسروقة التي استعادها العراق ذات القيمة الأثرية الكبيرة، «حلم جلجامش»، وهو لوح صغير طيني خُط بالمسمارية، يُعتبر أقدم وأندر الأعمال الأدبية البشرية التي تروي مغامرات أحد الملوك الأقوياء لبلاد ما بين النهرين في سعيه لمعرفة سِّر الخلود. وقصة سرقته، أن تاجر أعمال فنية أميركي اشترى القطعة عام 2003 من أسرة أردنية تقيم في لندن ونقله إلى الولايات المتحدة الأميركية، حيث بيع لتجار آخرين عام 2007 مقابل 50 ألف دولار. وفي العام 2014 اشترته أسرة الملياردير أميركي ديفيد غرين، وهي من متعصبي الطائفة الإنجيلية، التي تملك سلسلة متاجر (هوبي لوبي) بمبلغ 1.67 مليون دولار، ولدى عرضه في افتتاح متحف الكتاب المقدس عام 2017، تفجرت فضيحة سرقة القطع الأثرية العراقية التي مثلت جزءاً أساسياً من مقتنيات المتحف، حين أبدى أحد أمناء المتحف، وقيل إنه أميركي من أصول عراقية آشورية، عن قلقه بشأن مصدر اللوح. وبعد نزاع قانوني طويل من الشد والجذب، صادرت الشرطة الأميركية القطعة الأثرية في أيلول 2019، وسلم باحتفالية أُقيمت في متحف سميثسونيان في العاصمة واشنطن في الـ23 من أيلول 2021 لإعادته إلى المتحف العراقي، بحضور وزير الثقافة والسياحة والآثار العراقي، وممثل عن منظمة اليونسكو.

الدول التي تدعي وتدافع عن حقوق الإنسان، تحمي بتشريعاتها القانونية حقوق الملكية الفكرية للباحث الذي يشتغل على ترجمة نص أو تحليله، وتقاضي من يفكر بالاستنساخ أو الاقتباس منه من دون الحصول على موافقة رسمية خطية منه أو من الجهة الناشرة. إلا أنها في سرقة الأوابد التاريخية من العراق، تغافلت مرتين عن عمد، مرة حين وصلت تلك الأوابد المسروقة إليها، لتخزن في جامعاتها!، وثانية حين تغافلت عن اشتغال باحثيها على المسروق من الأوابد، من دون أي مراعاة لحقوق البلد الأمّ في ملكية تراثه الثقافي المادية والفكرية.

إن ما يحق للعراق، ووفقاً لقوانين تلك الدول، تجريم ومعاقبة، وسحب حقوق أي ملكية فكرية لمن تعامل مع التراث العراقي الثقافي بطرق غير مشروعة.

عشرات الملايين من صفحات الأرشيف العراقي المسروق، مازالت موجودة الآن لدى وزارة الدفاع الأميركية، والجامعات والمراكز الأميركية الأخرى، ولا أحد يعرف متى سيتم إعادتها إلى العراق!

ليبقى السؤال هل يمكن لحلم جلجامش العائد إلى موطنه أن يرمّم بعض الخراب الذي أحدثته جريمة الحصار الاقتصادي البشعة والاحتلال الأميركي للعراق؟

شاهد أيضاً

أحلام مقتدى الصّدر وأوهام مناصريه

بقلم: فاروق يوسف- النهار العربيالشرق اليوم– عندما يُشفى العراقيون من عقدة اسمها مقتدى الصدر يكون …