الرئيسية / مقالات رأي / بين روسيا وأميركا الهواء غير صحي بمؤشرات جيوسياسية

بين روسيا وأميركا الهواء غير صحي بمؤشرات جيوسياسية

بقلم: د. علي الخشيبان – صحيفة “الرياض”

الشرق اليوم – البعد الأكثر إثارة بين روسيا وأميركا هو تلك الأزمة حول أوكرانيا والتي جعلت من أميركا وحلفائها وعلى رأسهم حلف الناتو لا يبعد سوى خطوات من روسيا، ومهما حدث فلا يبدو أن الأزمة تشبه قضية خليج الخنازير التي جعلت العالم ولمدة ثلاثة عشر يوما من العام 1962 يعيش في حالة رعب كان يمكنها أن تؤدي إلى حرب نووية بين أعتى قوتين في ذلك الزمن أميركا والاتحاد السوفيتي الذي ترثه اليوم روسيا بوتين، ولكنها لم ترث كل شيء من الماضي، اليوم يفاجئ الرئيس الروسي بوتين العالم برصد تدخلات أميركا في العالم من بلغراد وحتى بغداد ليطرح السؤال الأكثر قلقا: من خوّل لهم التصرف هكذا دون حسابات دولية؟

بوتين قال في كلمة له خلال اجتماع موسع لقيادة وزارة الدفاع الروسية في موسكو إن الولايات المتحدة تلتزم بقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة عندما يكون ذلك مفيدا لها؛ لكنها تتناسى ذلك على الفور إذا كان لا يتوافق مع مصالحها، مضيفا أن مثل هذه التلاعبات أصبحت مزعجة، فالرئيس بوتين كما يبدو يرسل رسالة واضحة أن أميركا تتصرف دوليا بسياسات وخبرات مرتبكة في التعامل مع النظام الدولي الذي على واشنطن أن تدرك أنه يتغير ويمر بمرحلة بناء تتطلب أن تتراجع جميع الدول المؤثرة لتقف على ذات الخط السياسي المتوازي دون تفاوت فيما بينها.

فكرة ازدواجية المعايير التي استخدمها الرئيس بوتين ضد أميركا هي كلمة السر في القضية كلها، حيث يحاول بوتين أن يوجد وسيطا جيوسياسيا بينه وبين أميركا يعمل على امتصاص الطاقات والطموحات المتصاعدة لدول مختلفة في العالم ومنها روسيا بالتأكيد، وهذا الهدف ينطوي تحت رغبة روسية أن تجعل فكرة تداول الانتصار والخسارة السياسية محصورة بين الأقوياء، أما الرسالة الأخرى فهي موجهة لليبرالية الأميركية التي تتجاوز خطوطها الحمراء وخاصة في قضايا المثليين التي ترفضها جميع الدول وترفضها الأديان الفاعلة.

تصريحات بوتين من الطبيعي أن تجد لها رواجا هائلا في ظل كثافة الأخطاء السياسية الأميركية التي ارتكبت خلال العقود الثلاثة الماضية بشكل دقيق، ولكن السؤال المهم أيضا حول تصريحات بوتين هو تلك الصبغة الشعبوية التي ارتسمت بالخطاب، وهل سيكون ذلك إيذانا بعودة الشعبوية الكلاسيكية للقيادات السياسية، وكيف ستواجه الليبرالية الأميركية العطش السياسي العالمي للقيادات الكلاسيكية التي أصبحت تخطف الأضواء بسرعة، وخاصة عبر ممارسة طرح الأفكار النقدية التي تفترض جدلا أنه يمكن محاربة الأخطاء السياسية عبر شخصيات سياسية مثل الرئيس بوتين الراغب في تقديم نفسه عبر الافتراض أنه قادر على تصحيح الوضع الدولي بهذا النقد؟

العالم اليوم بلا شك يمر بمرحلة انتقالية سياسيا، كما أن العالم اليوم تجاوز مرحلة المواجهات العسكرية وخاصة بين الدول النووية، لأنه لن يكون هناك أي فرصة للعودة إلى الحياة الطبيعية فيما لو حدثت مواجهة نووية دولية، لهذه الأسباب وغيرها فمن الطبيعي ألا تنقلنا تلك التصريحات المتبادلة بين أميركا وروسيا أو بين الصين وأميركا إلى مرحلة القلق، لأنه لا أحد يمكنه اتخاذ القرار الخطأ لتدمير العالم، مع أنه من الطبيعي استمرار وقوع الأحداث الجانبية ولكن في النهاية سوف تأتي لحظة يلتزم فيها الجميع بالموافقة على أن يبدأ النظام العالمي الجديد بالتشكل تحت معايير مختلفة، وخاصة المعايير التي سوف تسمح لدول من آسيا أن تكون لاعبا جديدا في استراتيجيات العالم بعد أن احتكرت أوروبا وأميركا تسيير العالم لسنوات طويلة.

الهواء السياسي بين أميركا وروسيا غير صحي هذه الأيام إلى درجة كبيرة؛ بل إنه يمتلك مؤشرات تفاوت جيوسياسي دولي، وسوف يكون هذا التفاوت هو النظام المتاح المؤدي إلى نظام عالمي جديد يمكنه أن يلبي متطلبات لدول وكيانات سياسية أصبحت جزءا مهما من التوازن الدولي.

لقد أصبحت القوة بين دول العالم الكبرى تحديا بحيث أصبحت القوة عجزاً لأنها وصلت إلى مرحلة الإفراط في منتجاتها، لذلك لن يكون ممكنا أن تغزو روسيا أوكرانيا ولا أن تغزو أميركا روسيا عن طريق حلف الناتو، السؤال العميق يقول: هل يمكن لأميركا وروسيا بناء الفرصة الجيوسياسية لإبقاء القوة في أوروبا لعقود أخرى أم أن تكاثر القوى الدولية على القمة سوف يسرّع في بناء النظام العالمي الجديد؟

شاهد أيضاً

الأمل المستحيل لإسرائيل

بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج الشرق اليوم- عندما يطرح مركز بحوث أمريكي مؤيد دائماً …