الرئيسية / مقالات رأي / …وبوتين أيضاً يتجاهل الأوروبيين

…وبوتين أيضاً يتجاهل الأوروبيين

بقلم: سميح صعب – النهار العربي

الشرق اليوم- لا تظهر مؤشرات حتى الآن الى إمكان نزع فتيل الأزمة الأوكرانية التي لم تجد الأطراف المعنية بعد قاسماً مشتركاً يمكّنها من النزول عن شجرة التصعيد المستمر منذ أسابيع. وتخلو الساحة من جهود دبلوماسية مؤثرة يمكن أن تقود إلى التهدئة أو البحث عن حل مستدام للأزمة.

المقترحات الأمنية التي بعث بها الكرملين إلى الولايات المتحدة، تتضمن حلاً من وجهة النظر الروسية، أي اتفاقاً روسياً – أمريكياً على وقف زحف حلف شمال الأطلسي شرقاً، في مقابل امتناع روسيا عن غزو أوكرانيا. ويتجاهل هذا الاتفاق إلى حد كبير دور الدول الأوروبية الرئيسية مثل فرنسا وألمانيا، وهما عضوان في مجموعة مينسك إلى جانب روسيا وأوكرانيا.

الطرح الروسي يذهب مباشرة إلى مخاطبة الولايات المتحدة، باعتبارها لا تزال القوة المهيمنة التي لها القول الفصل في النظام الأمني الأوروبي منذ انتهاء الحرب الباردة قبل ثلاثين عاماً، وأي ضمانات يريدها الكرملين يطلبها من واشنطن، التي يبقى في يدها قرار قبول انضمام أوكرانيا إلى عضوية حلف شمال الأطلسي، وكذلك بالنسبة إلى قبول عضوية جورجيا.  

ويدرك الكرملين أن الغرب إذا أراد التورط عسكرياً في أوكرانيا، فإن الولايات المتحدة هي الجهة التي ستزوّد كييف بأكبر عدد من الجنود وترسل الأسلحة، بما يفوق قدرات فرنسا وألمانيا وبريطانيا على تحمله. لذلك، يحرص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على التحدث إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن مباشرة، ويبعث بمقترحاته الأمنية إلى واشنطن، ولم يبعث بها إلى بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا.

يختصر بوتين الأزمة على أنها اشتباك بين المصالح الروسية والأمريكية بالدرجة الأولى، قبل أن تكون شأناً أوروبياً. والولايات المتحدة هي بالدرجة الأولى التي تسعى إلى تطويق استراتيجي لروسيا، ومنعها من استعادة نفوذها العالمي الذي كان لها أيام الاتحاد السوفياتي السابق. وتعتبر واشنطن أن روسيا ومعها الصين، هما من يشكل تهديداً استراتيجياً لموقع أمريكا كدولة عظمى. ومن هنا تضع الولايات المتحدة سياسات الاحتواء، ويشكو الحلفاء الأوروبيون كثيراً من تجاهل واشنطن رأيهم في قرارات مصيرية، وآخرها قرار الانسحاب من أفغانستان، الذي اتخذه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ونفذه الرئيس الحالي جو بايدن من دون أن يتشاورا مع الحلفاء.

وقبل نشوب الأزمة الأوكرانية الأخيرة، نشبت أزمة أمريكية – فرنسية غير مسبوقة، عندما قرر بايدن تزويد أستراليا بغواصات أمريكية تعمل بالوقود النووي، ما حمل كانبيرا على إلغاء صفقة غواصات فرنسية بعشرات مليارات الدولارات. وحمل ذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزعماء أوروبيين آخرين على التفكير بإنشاء قوة تدخل سريع أوروبية مستقلة عن حلف شمال الأطلسي، لا تكون مقيدة بالقرار الأمريكي كما هي عليها الحال الآن. فالدرس الأفغاني ودرس الغواصات، جعلا الأوروبيين أكثر حساسية تجاه مصالحهم الخاصة، لا سيما بعدما اعتقدوا أن بايدن سيكون نقيض ترامب في العودة إلى التشاور مع الحلفاء الأوروبيين في القضايا المصيرية.

ويواجه الأوروبيون الكثير من العقبات في وضع “استقلاليتهم” الدفاعية موضع التنفيذ، نظراً إلى ما تحتاجه من موازنات ضخمة لا قبل لهم على تحملها في الوقت الحاضر، إذ تنوء الاقتصادات الأوروبية تحت الانعكاسات السلبية التي خلّفها وباء كورونا.

أخذاً في الاعتبار هذه المعطيات، يعرض بوتين على بايدن إبرام اتفاق أمني يتعلق بأوكرانيا، وخصوصاً مسألة طلب كييف الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.   

ويرى بوتين، لا سيما بعد تقاعد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أن لا شريك أوروبياً موثوقاً يمكن الاعتماد عليه، للخوض في مسألة بأهمية الأزمة الأوكرانية.   

شاهد أيضاً

أميركا هي المنتصر الوحيد في الرد الايراني على اسرائيل

بقلم: جو معكرون- النهار العربيالشرق اليوم– بعد 12 يوماً من استهداف اسرائيل للقنصلية الايرانية في …