الرئيسية / مقالات رأي / دولة الحزب الواحد في.. أمريكا!

دولة الحزب الواحد في.. أمريكا!

بقلم: د. منار الشوربجي – المصري اليوم 

الشرق اليوم – «جيش من الوطنيين» و«قوات الصدمة». تلك هي نوعية المفردات التي يستخدمها تيار تفوق البيض بأمريكا للإشارة لطبيعة الاستعدادات الواجبة حال ترشح ترامب للرئاسة عام 2024. وهي مفردات تُنبئ بعنف لا محدود، وتستخدمها، بالمناسبة، نخبة التيار بمن في ذلك أعضاء حاليون بالكونجرس. وهدفها بالطبع تعبئة جمهور ذلك التيار، المقتنع أصلًا بأن مؤامرة واسعة قد نجحت في سرقة البيت الأبيض من ترامب عام 2020.

والقصة لا تتوقف عند حد التعبئة وإنما دخلت حيز التنفيذ. فالحزب الجمهوري، الذي صار حزب ترامب، نجح على مستوى الولايات في إصدار أكثر من 33 قانونًا لضمان أغلبية الكونجرس عبر الحرمان من التصويت باستخدام الحيل المعروفة تاريخيًا، والتي تستهدف الأقليات التي تعطي أصواتها للديمقراطيين للرئاسة والكونجرس. والمجالس التشريعية المحلية التي يهيمن عليها الجمهوريون قامت برسم دوائر ولايات مهمة تضمن فوز المرشحين الجمهوريين، دون الديمقراطيين، في انتخابات الكونجرس.

ومن يقرأ ما تقدم يتصور أن الديمقراطيين، الذين لابد أنهم يعرفون ما يُحاك لهم، يتحركون بسرعة لوقف تلك الممارسات، خصوصًا أنهم يهيمنون اليوم على الرئاسة والكونجرس. إلا أن الواقع أكثر تعقيدًا بكثير. صحيح أن تلك الممارسات المحلية لا يوقفها سوى تشريع فيدرالي، أي من الكونجرس، وصحيح أن الديمقراطيين يتقلدون مواقع الأغلبية في مجلسي الكونجرس إلا أن أغلبيتهم ضئيلة للغاية تسمح للجمهوريين بقتل مشروعات القوانين، خصوصًا بمجلس الشيوخ. فقواعد مجلس الشيوخ تستلهم كلها روح الدستور الذي أنشأ ذلك المجلس أصلًا لحماية مصالح الولايات الصغيرة سكانيًا من تغول الولايات الكبيرة.

ومن هنا، صارت قواعد المجلس تحمي الأقلية العددية، بمعنى أن تلك الأقلية العددية بإمكانها تعطيل ما تريده الأغلبية البسيطة. وتتجلى تلك الحالة في قاعدة فريدة تُعرف بـ«الفليبستر»، وهي كلمة مستمدة من الإسبانية، تعني القرصان. وما يحدث بموجبها بمجلس الشيوخ أقرب بالفعل إلى «اختطاف» المجلس لصالح القلة العددية ما لم تكن الأغلبية تملك ستين صوتًا من أصل مائة! ولأن كل تشريع يصدر عن الكونجرس لابد أن يوافق عليه المجلسان، تحول مجلس الشيوخ لمقبرة للتشريعات التي يوافق عليها مجلس النواب بالأغلبية البسيطة. وهو بالضبط ما حدث للتشريعات الخاصة بوضع حد لممارسات الجمهوريين بخصوص الانتخابات، فهي حظيت بموافقة مجلس النواب ثم عطلها الجمهوريون بمجلس الشيوخ.

أكثر من ذلك، فإن تشريعات بايدن الاقتصادية، التي تحظى مفرداتها بشعبية كبيرة وتستفيد منها قطاعات واسعة من الناخبين، تصدر من مجلس النواب لتلقى حتفها هي الأخرى في مجلس الشيوخ. والحزب الديمقراطي نفسه ليس بريئًا. فالنزاع داخل الحزب بمجلس النواب بين النخبة الوسطية والجناح التقدمي يفاقم الأزمة. وفي تلك الأجواء تعطلت أجندة بايدن وتراجعت شعبيته لأدنى مستوياتها.

ورغم أهمية تشريعات بايدن الاقتصادية بالنسبة لمقدرات الحزب الديمقراطي، إلا أن الأكثر إلحاحًا وحاجة لتناول عاجل هو بالقطع التشريعات التي تعالج افتئات الجمهوريين على الديمقراطية الأمريكية ذاتها. لذلك، يطالب الكثيرون داخل الكونجرس وخارجه بضرورة إلغاء قاعدة «الفليبستر» لتمرير تلك التشريعات بالأغلبية البسيطة. فعجز الديمقراطيين عن إصدار تلك التشريعات قد يكون المسمار الأخير الذي يقضي على أي فرصة لهم في الوصول للبيت الأبيض والأغلبية بمجلسي الكونجرس، ومن ثم تحويل الولايات المتحدة إلى دولة الحزب الواحد.. في القرن الحادي والعشرين!

شاهد أيضاً

الأمل المستحيل لإسرائيل

بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج الشرق اليوم- عندما يطرح مركز بحوث أمريكي مؤيد دائماً …