الرئيسية / مقالات رأي / مفتاح السلام الضائع في اليمن

مفتاح السلام الضائع في اليمن

بقلم: صالح البيضاني – العرب اللندنية

الشرق اليوم- مع وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض وتقارب وجهات نظر العالم حول الملف اليمني، بدا للوهلة الأولى أن المجتمع الدولي بات مقتنعا بعدم جدوى الحلول العسكرية في الأزمة اليمنية وأن السلام -حتى ذلك الذي يرضي غرور الحوثيين ويلبي مطالبهم- هو المخرج الوحيد لإغلاق ملف الحرب اليمنية.

اتسمت الرؤية الأميركية التي تطابقت مع المقترحات الغربية والأممية بالرومانسية لدى من عرفوا طريقة تفكير الميليشيات الحوثية، غير أن الضغوط الدولية أخذت وقتا لا بأس به في وضع مبادرة هشة لإخراج اليمن من مستنقع الحرب وإدخالها في مرحلة سبات طويلة لا تشبه الحرب ولا تنتمي إلى السلام.

ولم يمر الكثير من الوقت كما كان متوقعا قبل أن يصل العالم إلى طريق مسدود في محاولاته اليائسة لإنعاش روح السلام المعدومة لدى الحوثيين ومن خلفهم النظام الإيراني، حيث رفض الحوثيون مبادرة السلام التي طالما تذرعوا بها والتي اشتملت على ثلاثة من أبرز مطالبهم التي مثلت مجمل خطابهم السياسي طوال السنوات الماضية وهي فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة ووقف عمليات التحالف.

وافق التحالف العربي والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا على مبادرة المبعوث الأممي السابق مارتن غريفيث وطار المبعوثان الأميركي والأممي إلى مسقط وصنعاء حاملين ما يعتقدون أنه مفتاح السلام الضائع في اليمن، لكنهم اصطدموا بجبل جديد من المطالب الحوثية التي يبدو أنها لن تنتهي يوما.

لم يتسرب الإحباط حتى ذلك الوقت إلى نفوس المبعوثين الأميركي والأممي ومن خلفهما الإدارة الأميركية والمنظمة الدولية، وتم طلب تدخل عماني هو الأول من نوعه، اعتقادا بأن دور مسقط التي تربطها علاقات جيدة مع الحوثيين وإيران سيكون حاسما في إقناع زعيم الجماعة الحوثية بجدوى السلام وبأن صبر العالم بدأ ينفد وأن المزاج الدولي بعد رفض هذا الاتفاق لن يكون هو ذاته الذي كان قبله. غير أن كل هذه الجهود تبددت مع تعنت الحوثيين واتجاههم نحو المزيد من التصعيد العسكري وصولا إلى إحراج إدارة الرئيس الأميركي ذاتها من خلال اقتحام مبنى السفارة الأميركية في صنعاء واحتجاز العشرات من العاملين فيها.

في الواقع لقد قرأ الحوثيون رسائل العالم الناعمة بلغة مختلفة، حيث فسروا التنازلات الأميركية وآخرها شطبهم من قائمة المنظمات الإرهابية بأنه انعكاس لصبرهم وقوتهم أو ربما التمكين الإلهي الذي يستمدون منه قدرتهم المزعومة على هزيمة العالم وإخضاعه وتنفيذ مشروعهم الممول من إيران.

ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يفوت فيها الحوثيون سلاما كان سيمنحهم انتصارا جزئيا، فقد كانت المرة الأولى عندما اجتاحوا صنعاء في سبتمبر 2014 ووقعوا اتفاق السلم والشراكة الذي كان سيصنع منهم نسخة شبيهة بحزب الله في لبنان، الذي يهيمن على القرار السياسي تحت عباءة مهترئة من الشراكة مع الأحزاب والطوائف الأخرى.

أما المرة الثانية التي كان يمكن أن توفر مخرجا آمنا للحوثيين فهي اتفاق الكويت الذي جعلهم شريكا في إدارة البلاد مع أن الواقع كان يقول إنهم لو وقعوا على هذا الاتفاق فستكون لهم اليد الطولى بسبب سيطرتهم على مفاصل الدولة اليمنية في أعقاب الانقلاب، أما آخر فرصهم المهدورة ربما فقد تكون رفضهم التوقيع على مبادرة غريفيث في هذا التوقيت الحرج والمرتبك الذي يمنحهم الأفضلية على بقية الأطراف الأخرى.

ومن يتأمل جيدا في مراحل الحرب اليمنية يجد أن المسار الحوثي يسير في اتجاه واحد نحو تحقيق أهداف أيديولوجية عنيفة لا يمكن تنفيذها إلا بقدر هائل من القوة والتمكين، وهو ما يفسر إصرارهم اليوم على إكمال حربهم والسيطرة على مأرب وتجاهل كل دعوات السلام والاستهزاء بدعوات وقف الحرب.

وبين تطلعات الحوثيين واندفاعهم الأيديولوجي القاتل وأحلام العالم بالبحث الشاق عن اتفاق سلام في اليمن، تستمر دوامة الحرب لتبدأ من حيث انتهت وتنتهي من حيث بدأت، في الوقت الذي يظل مفتاح السلام ضائعا في غياهب الجب الذي ألقى فيه الحوثيون مستقبل اليمن بعيدا في القعر وزعموا بأن التحالف العربي أكله!

شاهد أيضاً

سوريا وروسيا.. الفرص الناشئة

بقلم: عبدالحميد توفيق- العينالشرق اليوم– تدرك موسكو أن سوريا تشكل أحد التحديات الاستراتيجية المهمة التي …