الرئيسية / مقالات رأي / “الدبلوماسية الاقتصادية”… رهان إيران على تجاوز أزماتها الإقليمية!

“الدبلوماسية الاقتصادية”… رهان إيران على تجاوز أزماتها الإقليمية!

بقلم: يوسف بدر – النهار العربي

الشرق اليوم- منذ بداية ولاية الرئيس الإيراني المحافظ إبراهيم رئيسي، وإيران تنتهج سياسة “الدبلوماسية الاقتصادية”، وهي سياسة تعتمد على استخدام القدرات الاقتصادية للتأثير في الدول الأخرى؛ بهدف توجيه سلوكها السياسي في الإطار الذي يخدم المصالح القومية أو يحقق المصلحة المشتركة.

وقد اعتمد رئيسي هذه السياسة تحت شعار “تحدي العقوبات الأمريكية”، وذلك من خلال إغراء دول الجوار المحيطة بإيران وتشجيعها على التقارب معها، من أجل تحقيق شراكة قادرة على مساعدتها في إنقاذ خططها التنموية.

لكن طبيعة إدارة النظام الاقتصادي في إيران الذي يخضع لـ”الريعية”، ولمصالح فئوية تتعلق برجال الدين و”الحرس الثوري”، تعوّق ذلك، وهم الذين رفضوا سياسة الرئيس الاصلاحي السابق حسن روحاني، لإطلاق يد القطاع الخاص والتوجه نحو المزيد من الشفافية والنيوليبرالية. وأيضاً، رفض معسكر المحافظين انضمام إيران إلى معاهدة مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب (فاتف) خشية على مصالحهم.

فيما تستمر حكومة “رئيسي” بالاعتماد على الخطاب الشعبوي وتسكين الأزمات الطبقية والفئوية بمسكنات الإعانات المالية والعينية.

كل ذلك يؤكد أن سياسة “الدبلوماسية الاقتصادية” لا تستند إلى برنامج واضح، مثلما هي سياسة رئيسي الاقتصادية في الداخل.

والواضح أن هذه السياسة الجديدة التي تنتهجها إيران تأتي في إطار علاقة تنافسية مع جارتها الشمالية الغربية، تركيا التي نجحت في ذروة أزماتها مع دولة مثل روسيا، أن تحافظ على علاقات اقتصادية دافئة ساعدتها في تخطي أزماتها السياسية.

بدلاً من دبلوماسية “الميدان”

لقد أصيبت طهران بصدمة حينما كشفَ نائب رئيس غرفة التجارة الإيرانية، محمد أمير زاده، أن السوق الإيرانية تمثل 3 في المئة فقط من التجارة السورية؛ بينما تمثل تركيا 30 في المئة؛ وذلك على الرغم من أنها الدولة الأكثر حضوراً وارتباطاً بالنظام السوري، وهو ما يدل على حاجتها لتفعيل سياسة “الدبلوماسية الاقتصادية” في مواجهة “دبلوماسية الميدان” التي فشلت في منح إيران مكاسب اقتصادية مستقرة أو متقدمة على الدول المتنافسة معها.

ويبدو أن وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبداللهيان، الذي أعلن شعار “الأولوية لدول الجوار” منذ توليه منصبه؛ قد اتخذ اجراءات عملية لتوجيه جهاز الدبلوماسية الإيرانية لدعم هذه السياسة من طريق الجانب الاقتصادي، إذ وضع برنامجاً تدريبياً لمدة 5 أيام، للتنفيذ من السبت 11 كانون الأول (ديسمبر) الجاري في مكتب الدراسات السياسية والدولية بوزارة الخارجية، في حضور سفراء ورؤساء بعثات إيران في الخارج. ويشارك في البرنامج الوزراء والمسؤولين في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والنقدية والمصرفية والسياسية والثقافية والأمنية والعسكرية.

ويوحي هذا البرنامج أن إيران تستعد لمرحلة ما بعد رفع العقوبات الغربية، وأن هناك خطوات جادة للتعاون مع العالم الخارجي في سبيل تجاوز إيران لأزماتها الاقتصادية.

الحقيقة أن هذه السياسة تأتي لأسباب عدة، لعل أبرزها:

تدهور الأوضاع الاقتصادية في إيران، والتي تزامنت مع استمرار العقوبات الأمريكية التي أضرتْ بقطاع الاستثمارات الأجنبية وتوفير موارد النقد الأجنبي والتجارة الخارجية. وكذلك مع أزمة كورونا التي فرضت حالة من الإغلاق والركود في القطاع الاقتصادي الداخلي وقطاع حركة التجارة والملاحة الخارجية.

وقد توقف النمو الاقتصادي في البلاد؛ ما أدى إلى ارتفاع معدل الاستهلاك والبطالة أمام معدل الاستثمار والتنمية. كما ارتفع مستوى التضخم في قيمة العملة الوطنية؛ ما أدى إلى ارتفاع الأسعار واتساع الهوة بين الطبقات الاجتماعية. وعجز الموازنة عن دعم قطاعات الدولة ومشاريعها التنموية. فضلاً عن أزمات نقص المياه والجفاف، وهي أزمات لا تهدد حكومة “رئيسي” فحسب، بل تهدد النظام الإيراني ككل.

كذلك، تمثل هذه السياسية الجديدة فرصة لحكومة رئيسي لتجاوز الصراع بين “دبلوماسية الميدان” التي يساندها المحافظون و”الحرس الثوري”، و”الدبلوماسية السياسية” التي يساندها الإصلاحيون والمعتدلون، والتي كانت سبباً لتعرض الرئيس السابق، حسن روحاني، لحصار من جانب “معسكر الميدان”.

أيضاً، إنضمام إيران إلى منظمات اقتصادية إقليمية واعدة مثل، “شنغهاي” و”ايكو” و”الاتحاد الاقتصادي الأوراسي”، يتطلب منها القيام بدور إيجابي داخل هذه المنظمات إذا ما أرادت تحقيق المكاسب الاقتصادية المرجوة. وإذا ما أرادت أيضاً النجاح في تجاوز الرهان على المكاسب الاقتصادية مع الغرب.

هناك حاجة لدى إيران أيضاً لتنويع علاقاتها مع أقطاب إقليمية أخرى في السياسة والاقتصاد مثل تركيا والإمارات؛ إذ أدركت أن قصر علاقاتها على روسيا والصين، جعلها ضحية لسياسة هاتين الدولتين، وهو أمر تكشّفَ بوضوح خلال المحادثات النووية، حيث استخدمت الدولتان، إيران كورقة سياسية في المناورة مع الغرب. ولن تسعد دولة مثل روسيا بوجود دولة قوية على حدودها الجنوبية تنافسها في احتياطي الغاز العالمي، الذي تستخدمه موسكو في إدارة سياستها الخارجية، بخاصة مع الغرب.

سياسة مثمرة

إذا ما نظرنا إلى التوترات الأخيرة بين إيران وأذربيجان، التي وصلتْ إلى حد التلويح بالخيار العسكري؛ بسبب عواقب الحرب الأخيرة التي تمكنت فيها أذربيجان من تحرير جزء من أراضيها في إقليم “ناغورنو كراباخ” المتنازع عليه مع أرمينيا، وانبعاث مخاوف إيران من خطط تركيا مع أذربيجان في ربط الحدود التركية من خلال إنشاء ممر يربط إقليم “ناخيتشيفان” الأذربيجاني ذاتي الحكم، والمجاور لتركيا، مع أذربيجان الدولة الأم، ومن ثم وصول تركيا إلى بحر قزوين وآسيا الوسطى متجاوزة بذلك العبور عبر الأراضي الإيرانية، فإن ذلك يهدد مشروع إيران الاستراتيجي عبر ممر “شمال- جنوب” الذي تهدف من ورائه إلى تحويل أراضيها ممراً تجارياً للعبور من وإلى ما وراء البحر الأسود وأوروبا ومنطقة الخليج والمحيط الهندي.

نجد أن إيران قد استفادت من “الدبلوماسية الاقتصادية” في التهدئة والحفاظ على مصالحها مع أذربيجان، إذ نجحت خلال قمة منظمة التعاون الاقتصادي (ايكو)، في تشرین الثانی (نوفمبر) 2021، أن توقع على إتفاق غاز ثلاثي على أساس نظام المقايضة بين إيران وتركمانستان وأذربيجان، تقوم إيران من خلاله بتسلم 1.5 مليار متر مكعب من الغاز من تركمانستان، وتمرير كمية غاز موازية إلى أذربيجان عبر منطقة “آستارا” الحدودیة. يضاف ذلك إلى مباحثات أجرتها مع أذربيجان لاستثمار شركة “سوكار” الأذريية الحكومية في حقول إيران في منطقة بحر قزوين.

كما شاركت إيران في اجتماع التعاون بين دول القوقاز بصيغة “3+3” الذي انعقد في موسكو الجمعة 10 كانون الأول (ديسمبر) 2021؛ من أجل التأكيد على تجنب أي تغييرات جيوسياسية في دول القوقاز؛ وذلك للحفاظ على التعاون الإقليمي في مجالات تجارة الترانزيت. حيث أرادت طهران أن تقول إن أي تغيير في الحدود الجيوسياسية لن يأتي بالخسارة على إيران فحسب بل على الجميع.

ولذلك، كانت خطوة التقارب بين إيران ودولة الإمارات المطلة على مياه الخليج خطوة مهمة في إطار “الدبلوماسية الاقتصادية”، إذ هدفت من ورائها إلى تحقيق مكاسب مركبة من خلال خفض التوتر مع منطقة الخليج وإغراء تركيا بالتجارة مع هذه المنطقة وغرب آسيا من طريق إيران. وتمثل الزيارة الوشيكة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى إيران، من أجل التوقيع النهائي على “الوثيقة الشاملة للتعاون بين البلدين”، ثمرة لنجاح هذه السياسة التي تقودها إيران. فضلاً عن دفع روسيا للاستفادة من هذا الممر وعدم ترك تركيا لإدارة منطقة القوقاز وحدها لخدمة مصالحها الخاصة.

المحصلة

لجأت إيران إلى الدبلوماسية الاقتصادية؛ رهاناً منها على تجاوز تأثير العقوبات الغربية من خلال تفعيل علاقاتها الاقتصادية مع دول الجوار.

إن إطلاق الدبلوماسية الاقتصادية من دون تصحيح إيران لسياستها الخارجية، سيجعل رهاناتها الاقتصادية غير مستقرة.

إن تحقيق المكاسب الاقتصادية من السياسة الإيرانية الجديدة، إما سيعزز من مكانة المحافظين، فتُبقي إيران على سياستها الخارجية، أو ستغريهم هذه المكاسب، وتدفعهم إلى تعديل سلوكهم بما يحافظ عليها!

شاهد أيضاً

إنصاف «الأونروا»

بقلم: وليد عثمان – صحيفة الخليج الشرق اليوم- لم تكن براءة وكالة الأمم المتحدة لغوث …