الرئيسية / مقالات رأي / في زمن التهديدات.. وفاة بطل أميركي

في زمن التهديدات.. وفاة بطل أميركي

بقلم: جيفري كمب – صحيفة “الاتحاد”


الشرق اليوم – في يوم الأحد الماضي (5 ديسمبر)، توفي السيناتور الأميركي السابق بوب دول عن ثمانية وتسعين عاماً. وخلال الأيام القليلة التي تلت وفاته، عبّر الآلاف من المعجبين به عن إشادتهم بنجم «جمهوري» كبير وعن حبهم له. الكثير من الذكريات الجيدة صدرت عن زملاء «ديمقراطيين» عملوا معه على مدى سنوات طويلة في الكونجرس. وكان «دول» قد انتُخب لعضوية الكونجرس في عام 1960 ممثلاً للدائرة السادسة لكنساس في مجلس النواب، وفي عام 1968 انتُخب لعضوية مجلس الشيوخ حيث خدم فيه حتى عام 1996.
نشأ «دول» في منزل لأسرة من الطبقة المتوسطة في راسل، بولاية كنساس، وكان نجماً رياضياً في المدرسة الثانوية. انخرط في الجيش الأميركي إبان الحرب العالمية الثانية، وخلال الأسابيع الأخيرة من تلك الحرب، أصيب إصابة بالغة في إيطاليا. ومع مرور السنوات، خضع لعدة عمليات جراحية ثم فقد بشكل دائم الشعور في ذراعه اليمنى. وخلال سنوات استشفائه الطويلة، عالجه جرّاحٌ عظام أرميني شاب يدعى هامبر كيليكيان، كان قد هاجر إلى الولايات المتحدة في عام 1920 فراراً من الإبادة الجماعية الأرمينية خلال الحرب العالمية الأولى. كيليكيان أنقذ ذراع «دول» من البتر، وأصبح الرجلان صديقين مقربين، ولاحقاً أضحى «دول» من أشد المدافعين عن أرمينيا طوال مشواره السياسي. كما كان واحداً من أبرز المدافعين عن تشريع للكونجرس أُقر في عام 1990 وأصبح يعرف بـ«قانون الأميركيين ذوي الإعاقة». هذا القانون الذي كان راديكالياً وذا تداعيات واسعة في وقته، أتاح لملايين المواطنين الأميركيين الذين كانوا يواجهون في السابق تحديات جمة جراء العيش في مجتمع لا يأخذ بعين الاعتبار حاجة المقعدين الذين يستخدمون الكراسي المتحركة إمكانيةَ الاستفادة من تجهيزات تتيح لهم فرصة الوصول إلى القطارات والحافلات والمسارح وقاعات السينما والفنادق والملاعب الرياضية وغيرها. وكذلك فعلت أيضاً بلدان أخرى كثيرة من خلال إصلاحات ما فتئت تُحسَّن وتجوَّد بعد ثلاثين عاماً على صدور ذلك القانون.
كان «دول» محافظاً يدافع عن معتقداته بقوة وكان منتقداً شرساً للكثير من السياسات الليبرالية. كما كان طموحاً جداً، إذ أعلن عن ترشحه للانتخابات الرئاسية ثلاث مرات، في أعوام 1980 و1988 و1996، ونجح في نيل ترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية في عام 1996، لكنه خسر أمام بيل كلينتون الذي فاز بولاية ثانية كرئيس بأغلبية كبيرة. غير أنه خلال سنواته الطويلة في الكونجرس، وخاصةً حينما أصبح زعيماً للجمهوريين في مجلس الشيوخ، اضطر للعمل مع الديمقراطيين عن قرب خلال المرات التي كان فيها زعيماً للأغلبية وزعيماً للأقلية.
وإذا كانت هناك كلمة يمكن أن تصف نبرة وسردية الأفكار العديدة الأخيرة لحياة «دول»، فإن «الحنين» قد تكون الكلمة الأنسب. إذ في الوقت الذي غدا فيه التعصب الحزبي الشديد في واشنطن، وعبر كل أرجاء البلاد، أكثر سمّية من أي وقت مضى في التاريخ الحديث للبلاد، فإن ذكريات علاقات عمل «دول» الوثيقة مع شخصيات ديمقراطية وازنة من أمثال إدوارد كينيدي ودانييل باتريك موينيهان وجورج ميتشل.. تمثلُ تذكيراً بأيام أجمل عندما كان بالإمكان حل الخلافات حول مواضيع مهمة شريطة اعتبار فكرة «التوافق» مؤشراً على القوة وليس الضعف.
هذا الحنين إلى الماضي يزداد في بيئة باتت تتعرض فيها المعتقدات الأساسية في حرمة المؤسسات السياسية الأميركية لهجوم غير مسبوق، وفي وقت ما زال يمثّل فيه شبح تمرد 6 يناير 2021 ضد مقر الكونجرس الأميركي أزمةً بدون حل ومشكلة مثيرة للانقسام الشديد. ذلك أن فشل الرئيس السابق ترامب ورفضه المتعمَّد الاعترافَ بهزيمته في الانتخابات الرئاسية لعام 2020 ما زالا يغذّيان غضب وإحباط أنصاره المخلصين الذين يعتقد الكثير منهم اليوم أن الانتخابات «سُرقت» من قبل جو بايدن، وأن استخدام القوة من أجل استعادة السيطرة على البيت الأبيض هدفٌ مشروع في وجه تهديد وجودي يطرحه اليسار الليبرالي الذي يعج، في نظرهم، بـ«اشتراكيين» عاقدين العزم على السماح للمهاجرين غير الشرعيين بدخول البلاد، وبالتالي ضمان أن يصبح الأميركيون «غير البيض» المجموعةَ السكانيةَ المهيمنةَ في البلاد!
هذه المخاوف ليست جديدة ولها تاريخ طويل في أميركا، غير أن التهديدات المحدقة بمؤسسات البلاد الأساسية لم تكن يوماً بهذا القدر من الوضوح والخطورة منذ الحرب الأهلية الأميركية.

شاهد أيضاً

عند الأفق المسدود في غزة

بقلم: عبدالله السناوي – صحيفة الخليج الشرق اليوم- استغلقت حرب غزة على أي أفق سياسي …