الرئيسية / مقالات رأي / تحدي خلق البيئة الاستثمارية الآمنة في تونس

تحدي خلق البيئة الاستثمارية الآمنة في تونس

بقلم: مختار الدبابي – العرب اللندنية

الشرق اليوم- بات السباق على استقطاب الاستثمارات ورعاية المستثمرين هو عنوان المرحلة الحالية في الشرق الأوسط، سواء ما تعلق بالدول الثرية مثل السعودية والإمارات أو بلدان أخرى متوسطة الثراء مثل تونس. وتمكن الإشارة إلى الحراك الأخير في الخليج من ذلك تبريد الخلافات مع تركيا ضمن مسار أوسع لتصفير المشاكل بالنسبة إلى الإمارات، وبالنسبة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فالأمر يدخل ضمن مسار بناء الثقة مع الخليجيين كونهم القوة المالية والاستثمارية القادرة على إنقاذ اقتصاده بعد أن تكسرت استراتيجية استعادة النفوذ العثماني على صخور الواقع.

وشهد الخليج جولة مماثلة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي بحث في زيارته إلى أبوظبي والدوحة والرياض عن عقد صفقات كبرى لدعم تنافسية الاقتصاد الفرنسي، وفي نفس الوقت تدعيم حظوظه في ولاية رئاسية جديدة. وكان قبيل ذلك حصل خلال زيارته إلى بغداد على صفقة كبرى لفائدة الشركات الفرنسية وكذلك صفقة أخرى مع اليونان ضمن مسار التعويض عن خسارة صفقة الغواصات مع أستراليا التي غيرت الولايات المتحدة اتجاهها لفائدتها.

كما يشهد الخليج تغييرا واسعا ضمن استراتيجية بلدانه، إذ نجد تنافسا سعوديا – إماراتيا على استقطاب الشركات الدولية الكبرى وذلك من خلال ضخ المليارات من الدولارات كاستثمارات في التكنولوجيا المتطورة والطاقة النظيفة وبناء مدن بمواصفات جديدة بالكامل. وهناك إغراءات وتسهيلات لتجنيس المواهب والكفاءات في هذه المجالات. كما تم الاشتغال على مواءمة القوانين المحلية لهذه التطورات من خلال تطوير القوانين لتكون في مستوى ما يتطلبه الانفتاح على العالم الاقتصادي الجديد.

وبالتوازي هناك تطور لافت في العلاقات الخليجية – الخليجية ترك وراءه الخلافات والحساسيات والأجندات الخاصة بكل بلد، ونشطت الزيارات المتبادلة بين قادة السعودية والإمارات وقطر وسلطنة عمان تحت عنوان رئيسي تمتين العلاقات الاقتصادية البينية خاصة مع سلطنة عمان ومساعدتها على الخروج من حالة الانكماش الاقتصادي التي فرضتها تطورات الجائحة وتراجع أسعار النفط.

وفي ظل هذا المناخ الإقليمي الذي يعطي الأولوية للملف الاقتصادي وجذب الاستثمارات، تحتاج تونس إلى أن تغير استراتيجيتها لتخرج من عالم الصراعات السياسية الداخلية والجدل الذي لا ينتهي حول البرلمان والأحزاب والفساد. وهو ما بدأ الرئيس قيس سعيد يدرك أهميته من خلال استقباله رئيس المعهد العربي لرؤساء المؤسسات الطيب البياحي وإرساله رسالة طمأنة لرجال الأعمال والمستثمرين.

وأكّد سعيد على حرصه الراسخ على ضمان الحرية الاقتصادية وتشجيعه الدائم للمبادرة الفردية وطمأنة رجال الأعمال والمستثمرين. كما شدّد على إدراكه لمدى أهمية توفير الظروف المناسبة حتى يواصل رجال الأعمال الوطنيون الاضطلاع بدورهم المركزي في خلق الثروة في تونس.

وأشار وفق ما نقلت صفحة الرئاسة التونسية على فيسبوك إلى أنه لا بدّ من “تنقية المناخ السياسي من أجل إيجاد الإطار السليم القادر على توفير كل التشجيعات لرجال الأعمال لمزيد تحفيزهم على الاستثمار والمساهمة الفاعلة في تنمية الاقتصاد الوطني”.

وتعتقد أوساط سياسية تونسية أن لا بد أن تعمل تونس على تحرير الجانب الاقتصادي في علاقاتها الداخلية والخارجية من الملف السياسي، فخلال أربعة أشهر من الإجراءات الاستثنائية، التي أعلن عنها سعيد في الخامس والعشرين من يوليو، لم يتوقف الجدل السياسي، ولا يبدو أنه سيتوقف.

لأجل ذلك يفترض أن يتم فصل المسارين، وأن يعمل الرئيس سعيد وفريقه الحكومي على وضع خطة لمعالجة مخاوف المستثمرين المحليين من جهة، وطمأنة رجال الأعمال الأجانب، وخاصة الدول العربية الخليجية التي أرسلت إشارات سابقة عن عزمها مساعدة تونس على الخروج من أزمتها، من جهة أخرى.

لا بد أن تغادر حكومة نجلاء بودن مربع التردد، فهي الآن حكومة رسمية وأمامها مهام كثيرة، لعل أهمها بناء الثقة مع الفاعلين الاجتماعيين، وخاصة رجال الأعمال الذين ظلوا خلال السنوات العشر الماضية على الهامش، وتحت ضغط الأجندات المتناقضة للحكومة السابقة. وظل موضوع المصالحة ورقة تؤرقهم خاصة أنه تم التعامل معه دائما كورقة سياسية وليس كحاجة وطنية ضرورية يجب حسمها نهائيا وطمأنة المستثمرين الذين بادر الكثير منهم إلى إغلاق مؤسساته أو العمل بالحد الأدنى، وهناك من غادر خارج البلاد وبحث عن مكان آمن لاستثماراته.

وبالإضافة إلى غلق ورقة المصالحة التي تحولت إلى غول، والتي يفترض أن تتم وفق وثيقة تفصيلية واضحة، وأن تتم إدارتها بعيدا عن معارك الابتزاز والتشويه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما حصل منذ 2013، لا بد أن تعمل حكومة بودن على مراجعة القوانين التقليدية واختصار الإجراءات البيروقراطية المعطلة، وإقرار إجراءات أخرى لتحفيز المستثمرين المحليين، وهي الصورة التي تعطي للمستثمر الأجنبي إشارات مشجعة عن مناخ الاستثمار الجديد.

مع الإشارة إلى أن تنقية المناخ السياسي، كما أشار إلى ذلك الرئيس سعيد خلال لقاءاته في الأيام الماضية مع شخصيات مختلفة، عنصر ضروري ضمن شروط مناخ الاستثمار، وهو ما يعني أن تغادر تونس مربع الارتباك، وأن تحسم موضوع البرلمان وأن تفعّل مخرجات تقرير محكمة المحاسبات وتحوله إلى أحكام إما بإدانة الأحزاب المتهمة بالتمويل الخارجي أو تبرئتها، وفي الحالتين هناك خطوات قضائية لا بد أن تختصر وتعلن وتنفذ في وقت مقبول، فالأزمة الاقتصادية لم تعد تحتمل التأخير. كما أن المستثمرين الأجانب ينتظرون حسم هذا الغموض السياسي ووضع عناوين ومحطات واضحة للمرحلة القادمة، وخاصة ما تعلق بالانتخابات المبكرة، لأجل أن يقرروا نوعية تدخلهم وحجم استثماراتهم.

وقد كشف الرئيس سعيد في كلماته الأخيرة أن المرحلة القادمة بالنسبة إليه هي طمأنة القوى الفاعلة ذات المصلحة في الاستقرار وتحييدها في معركة تفكيك المنظومة السياسية الفاسدة، وهو ما يعني أن هناك توجها لحسم الغموض السياسي عبر المؤسسات القضائية في القريب العاجل، ويمكن أن يعلن عن ذلك خلال خطابه في ذكرى عيد الثورة الذي يتزامن مع الجمعة القادمة.

ومن المهم أن تضع تونس كأولوية لها مهمة خلق بيئة استثمارية آمنة بعيدة عن التقلبات السياسية والأمنية، من أجل جلب استثمارات ذات قيمة خاصة من الخليج الذي تنتظر دوله بدورها اتضاح المشهد التونسي لتقرر شكل تدخلها لمساعدة تونس مثلما ساعدت وتساعد دولا أخرى.

ولا يمكن أن يكتفي التونسيون بإلقاء المسؤولية على الآخرين، فدول الخليج لم تتأخر عنهم، وإنما المناخ السياسي في البلاد هو الذي يعيق أي خطوة، والدول مهما كانت صداقتها لتونس لا يمكن أن تلقي بأموالها هكذا دون ضمانات واقعية بشأن أفق الاستقرار في البلاد.

شاهد أيضاً

روسيا التي لا تساند أحداً… علاقة غير عادلة مع إيران

بقلم: يوسف بدر – النهار العربي الشرق اليوم– في مقالته في صحيفة “وول ستريت جورنال” …