الرئيسية / مقالات رأي / حكومة “أغلبية وطنية” أم “توافقية”؟

حكومة “أغلبية وطنية” أم “توافقية”؟

بقلم: أحمد ضيف الله – الوطن السورية

الشرق اليوم- حاولت المفوضيات العليا المستقلة للانتخابات في العراق والمشكلة من قضاة مستقلين بعكس المفوضيات السابقة التي كانت تُشكل من شخصيات محسوبة على قوى سياسية وفقاً لمبدأ المحاصصة السائد، أن تكون انتخابات الـ10 من تشرين الأول 2021 النيابية، نزيهة بالمعايير الدولية للنزاهة، لكن تخبطها في تبرير التباين في النتائج ما بين الأشرطة الورقية التي بحوزة المرشحين، وتلك التي أعلنتها في الـ12 من تشرين الأول 2021، الواردة من مخدم الانتخابات الرئيس (السيرفر) الفتنة في دولة الإمارات، وضعها في حرج شديد، وشكك بمصداقية ونزاهة عملها. وقد تعزز ذلك عندما أعلنت في الـ23 من تشرين الثاني الماضي، إلغاء نتائج محطات عدة من قبل الهيئة القضائية، بسبب التصويت المتكرر للناخبين، ومؤخراً وفي الإعلان النهائي للنتائج الانتخابية النيابية المبكرة في الـ30 من تشرين الثاني 2021، عاد 5 من الخاسرين إلى صفوف الفائزين في مناطق عراقية عدة، رغم أنها لم تتوقف قبلاً في بياناتها على ذكر أن نسبة المطابقة كانت 100 بالمئة في معرض معالجتها للطعون المقدمة!

الانتخابات النيابية المبكرة أنتجت تداعيات وانقسامات سياسية، تُعد الأخطر على مسيرة العملية السياسية العراقية برمتها، إضافة إلى ما هو سائد من الانقسامات المذهبية والقومية، فمع قيام قوة وازنة كالتيار الصدري بعرض اجتهادات سياسية، تحمل طابعاً آمراً توجيهياً، وتملي شروطاً ملزمة على الآخرين، محملة إياهم مسؤولية ما جرى في السنوات الماضية من إخفاقات وفساد، في محاولة لإبعادهم عن ممارسة أي دور في المرحلة المقبلة، توسعت الهوة بين المتنافسين، وتعقد المشهد السياسي أكثر مما هو عليه أساساً، رغم عدم دقة التصريحات الصدرية، فالكل كان مشاركاً بما جرى بمن فيهم التيار الصدري الذي كان مشاركاً رئيسياً ومسؤولاً في تسمية آخر ثلاثة رؤساء وزراء، وشارك في حكوماتها.

القوى السياسية العراقية ما زالت منشغلة في إيجاد مخرج قانوني أو سياسي للأزمة التي خلّفتها النتائج الانتخابية، فعملية التوافق بشأن شكل الحكومة متعثر، لغياب التفاهمات داخل البيت الشيعي، حيث يقف مقتدى الصدر والإطار التنسيقي كل منهما في اتجاهين متعاكسين، يخوضان صراعاً صعباً، للاستفادة من مخرجات الاقتراع، أو في الحد الأدنى التقليل من الخسائر لدى كل منهما. وفي هذا الصراع تطرح حكومتان، حكومة «أغلبية وطنية» يدعو إليها مقتدى الصدر تدفع بالآخرين نحو المعارضة، وحكومة «توافق» يدعو إليها الإطار التنسيقي تجمع كل الفائزين معاً، في الوقت الذي ترفض التفاهمات داخل البيتين السنّي والكردي، الانضمام إلى أي ائتلاف سياسي لا يقوم على «توافق شيعي» في اختيار رئيس الوزراء المكلف تشكيل الحكومة، لقناعتهم أن مثل هذه الحكومة غير قابلة للاستمرار والحياة.

إن تمسك القوى السياسية العراقية بمبدأ التوافق السياسي وتقاسم المغانم على مدار كل الحكومات السابقة منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، الذي يعني أن الجميع موجودون في الحكم والمعارضة معاً!، كان على الدوام خياراً سيئاً، تسبب بضعف القرار السياسي وفشل الحكومات المتعاقبة في تلبية الحاجات الأساسية للمواطنين، وتفشي الفساد، إذ إن الاعتقاد السائد لدى من لم يحقق نتائج جيدة في الانتخابات، بأهمية المشاركة بالحكم، وبعكسه، سيخسر المكاسب المادية التي يجنيها من المشاركة، وسيدفع بعيداً عن الشارع السياسي، ما يهدد وجوده وبقاءه واستمرار مصالحه! وبالتالي ضمن هذا المناخ من الصعوبة بمكان التوصل إلى حكومة أغلبية، في ظل وجود قوى سياسية بهذا الفهم.

التيار الصدري هو صاحب الحق في تشكيل الحكومة وفقاً لعدد مقاعده، وتوجهه نحو تشكيل حكومة «أغلبية وطنية» خطوة مشروعة لمن يحقق ما يسمى بالكتلة الكبرى، لكنها قد لا تتحقق على الأرض، لخلو توجهاته من أي نية تجاه المرونة أو التصالح مع بعض القوى السياسية الشيعية، التي قد تدفع بالإطار التنسيقي إلى تجميع قوى سياسية يفوق عدد نوابها، عدد نواب التيار الصدري لتشكيل حكومة «أغلبية سياسية»، دافعاً بالتيار الصدري باتجاه المعارضة.

إن العودة إلى التوافق مرة أخرى يعني استمرار الوضع السياسي الحالي على ما هو عليه، وعدم إحداث الإصلاح التي يتطلع إليه الشارع العراقي، وبالتالي تشكيل حكومة ضعيفة غير قادرة على تقديم الخدمات الأساسية المطلوبة.

إن الوصول إلى تفاهم حقيقي بشأن شكل الحكومة، ما زال بعيداً، خاصة أن النتائج النهائية التي أرسلت إلى المحكمة الاتحادية للتصديق عليها، سبقها شكاوى واعتراضات تتطلب من المحكمة الاتحادية إصدار قرارات بشأنها قبل التصديق على النتائج، وبالتالي الوضع في العراق الآن أمام انسداد سياسي حقيقي، إلا أن التأخير في إعلان التصديق على النتائج قد يكون في مصلحة بعض القوى السياسية المؤثرة للتوصل إلى تفاهمات بشأن شكل الحكومة المستقبلية.


شاهد أيضاً

سوريا وروسيا.. الفرص الناشئة

بقلم: عبدالحميد توفيق- العينالشرق اليوم– تدرك موسكو أن سوريا تشكل أحد التحديات الاستراتيجية المهمة التي …