الرئيسية / مقالات رأي / الذكاء الاصطناعي القاتل

الذكاء الاصطناعي القاتل

بقلم: محمد كمال – المصري اليوم 

الشرق اليوم – أتذكر حديثًا لأمين عام الجامعة العربية السيد أحمد أبو الغيط، منذ حوالي عامين، عن حوار له مع أنطونيو جوتيريش، سكرتير عام الأمم المتحدة حول أهم التهديدات التي تواجه العالم في السنوات القادمة، وكان منها ما يعرف بـ «الأسلحة المستقلة» أي نظم التسليح القادرة على اتخاذ قرار بشكل مستقل، وباستخدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لتحديد الأهداف البشرية وقتلها، مثل الطائرات بدون طيار وذاتية التحليق والروبوتات القاتلة وغيرها.

وقتها ربما لم يلتفت الكثيرون لخطورة هذا الأمر، ولكن المتابع لوسائل الإعلام الغربية وخاصة الإنجليزية هذه الأيام، يجد أن هذا الموضوع أصبح يحظى باهتمام كبير، وبدأ تنظيم حملة دولية للفت اهتمام الحكومات لأهميته وخطورته.

يذكر أحد الخبراء في هذا المجال أن أسلحة الذكاء الاصطناعي لم تعد خيالًا علميًا، ولكنها تتطور بسرعة، ويشير إلى أنه في عام ٢٠١٧ تم إنتاج فيلم قصير حول طائرة صغيرة رباعية المراوح يبلغ قطرها حوالي ٨ سم، وتحمل عبوة ناسفة، ويمكن أن تقتل الأشخاص عن طريق الاقتراب منها بدرجة كافية لتفجيرها، وذكر أن أحد دبلوماسيي الدول الكبرى سخر من الأمر، وقال «حسنًا، كما تعلمون، هذا مجرد خيال علمي، لا داعي للقلق بشأن هذه الأشياء لمدة ٢٥ أو ٣٠ عامًا» ولكن خلال عدة شهور من عرض هذا الفيلم أعلنت إحدى شركات السلاح عن إنتاج طائرة شبيهة.

ستيوارت راسل، أستاذ الكمبيوتر والهندسة بجامعة كاليفورنيا، بيركلي، بالولايات المتحدة الأمريكية، حذر من أن انتشار أسلحة الذكاء الاصطناعي يشكل تهديدًا وشيكًا ووجوديًا و«يمكن أن تكون الطائرة الرباعية القاتلة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي صغيرة في حجم علبة تلميع الأحذية، وأن حوالي ثلاثة جرامات من المتفجرات تكفي لقتل شخص من مسافة قريبة». ويضيف أن الحاوية العادية للشحن «يمكن أن تحتوي على مليون سلاح فتاك، ويمكن إرسالها جميعًا للقيام بعملها في وقت واحد»؛ «لذا فإن النقطة النهائية التي لا مفر منها هي أن الأسلحة المستقلة تصبح أسلحة دمار شامل انتقائية رخيصة» وأن استخدام «الذكاء الاصطناعي في الأسلحة يمكن أن يقضي على البشرية» وأن هذه الأسلحة أصبحت «صغيرة ورخيصة وسهلة التصنيع» ومع عدم وجود ضوابط، يمكن أن تكون في متناول الجميع مثل البنادق والأسلحة الشخصية.

راسل، الذي يجتمع بانتظام مع الحكومات على المستوى الدولى لإقناعها بحظر إنتاج هذا النوع من الأسلحة أو وضع ضوابط على الإنتاج، ذكر أن الولايات المتحدة، وروسيا، والمملكة المتحدة، وإسرائيل، وأستراليا ما زالت تعارض الحظر.

إحدى الصحف البريطانية التي تبنت الحملة المضادة لأسلحة الذكاء الاصطناعي ذكرت أن الذكاء الاصطناعي يعد بفوائد هائلة، ومع ذلك فهو مثل الطاقة النووية، يمكن استخدامها في الخير والشر. وأشارت إلى أن إدخال الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري يعد أكبر قفزة تكنولوجية منذ ظهور الأسلحة النووية. وبالمقارنة مع الأسلحة النووية، فهي تتمتع بالكثير من المزايا، فهي لا تترك فوهة إشعاعية ضخمة أو تداعيات، ويمكنك انتقاء الأشخاص الذين تريد التخلص منهم فقط.

وأنه إذا كان تطوير الأسلحة النووية أو الحصول عليها أمرًا صعبًا ومكلفًا، فعلى النقيض من ذلك، يمكن للأسلحة المدعومة بالذكاء الاصطناعي أن تجمع بين قوة أسلحة الدمار الشامل وسهولة تطويرها، وإنتاجها بشكل رخيص، ليس فقط من قبل الاقتصادات المتقدمة ولكن- وكما أشارت الصحيفة- بواسطة الدول المارقة والإرهابيين.

ومنذ أيام، نشر أكثر من ٤٠٠ باحث ألماني رسالة مفتوحة إلى الحكومة الألمانية يطالبونها فيها بوقف تطوير هذه الأنظمة من قبل قواتها المسلحة، وكما ذكرت مصادر صحفية، جاء في الرسالة أنه «لا ينبغى أبدًا أن تتم أتمتة قتل البشر على أساس الصيغ الحسابية» وأن «هذا غير إنساني ويجب حظر اتخاذ قرارات الحياة والموت بواسطة أنظمة الأسلحة المستقلة في جميع أنحاء العالم».

القضية أيضًا أصبح لها علاقة بالشرق الأوسط، حيث تشير التقارير الصحفية إلى أن بعض دول المنطقة أنتجت طائرة بدون طيار بحجم كرة القدم، والتي يمكن أن تؤدي ضربات مستهدفة بناءً على الصورة والتعرف على الوجوه، وأنه تم استخدام الطائرة بدون طيار في الصراعات الليبية في عام ٢٠٢٠ لتحديد الأهداف بشكل انتقائي، على الرغم من حظر الأسلحة على مبيعات الأسلحة إلى ليبيا، كما أن إحدى دول المنطقة أعلنت عن استخدام هذه النوعية بسوريا، ودولة أخرى تنتجها وتقوم بتصديرها للخارج.

باختصار، التطورات السابقة سوف يكون لها تداعيات استراتيجية ضخمة على العالم وعلى منطقة الشرق الأوسط، كما أن استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل عام يثير سؤالًا أكبر طرحه أحد الباحثين، وهو «عندما تهتم الآلات بكل شيء، يزول حافز البشر للمعرفة والفهم والتعلم»، وهذه هي المشكلة الكبرى.

شاهد أيضاً

أيهما أخطر؟

بقلم: محمد الرميحي – النهار العربي الشرق اليوم- جاء الزمن الصعب لنسأل أنفسنا: أيهما الأكثر …