الرئيسية / مقالات رأي / أوكرانيا.. الرأس الضائع بين القبائل الأوروبية

أوكرانيا.. الرأس الضائع بين القبائل الأوروبية

بقلم: مصطفى فحص – موقع الحرة

الشرق اليوم- ينسب إلى الزعيم المؤسس للاتحاد السوفييتي فلاديمير لينين قوله إن “أوكرانيا هي الرأس وإذا فقدنا الرأس تعطل الجسد”،  إذا ما نسب إلى لينين كان صحيحا، فمعناه أن روسيا الاتحادية لا تستطيع أن تستعيد نفوذها من دون رأسها، ولذلك هي تستخدم كافة ما تملكه من أدوات وإمكانات من أجل إعادة إلصاق الرأس بالجسد الإمبراطوري الذي يحاول فلاديمير بوتين إعادة إحيائه.

إلا انه يواجه استدارة أوكرانيا كاملة نحو الجسد الأوروبي، الأكثر ملاءة للأوكرانيين الطامحين نحو الاندماج الكامل مع التجربة الأوروبية الغربية، الأمر الذي تفسره موسكو بأن كييف اتخذت قرارها بالانفصال النهائي عنها، وهذا في استراتيجية الأمن القومي الروسي يعتبر تخطِيا أوكرانيا لخطوط موسكو الحمراء.

الصراع ما بين الروس والغربيين على موقع أوكرانيا الجيوسياسي يتصاعد، وذلك نتيجة لقلق روسي من مخططات توسع حلف الناتو وضم أوكرانيا إليه، الأمر الذي يشكل لموسكو خللا في التوازنات الاستراتيجية يسمح لجيوش الحلف الأطلسي التموضع مباشرة على حدودها، وهذا ما أثار حفيظة وزير خارجيتها سيرغي لافروف ودفعه إلى تحذير نظيره الأميركي أنتوني بلينكن من “أن جر أوكرانيا وإقحامها باللعب الجيوسياسية الأميركية ستترتب عليه عواقب وخيمة”.

 بالنسبة للافروف فإن مخاوف موسكو من طموحات الناتو التوسعية مشروعة، وستجبر موسكو على إعادة تقييم التوازنات العسكرية والاستراتيجية.

القلق الروسي من توسع الناتو دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمطالبة بضمانة ملزمة قانونيا بأن الناتو لن يتوسع شرقا بما في ذلك أوكرانيا، وهو يسعى إلى طرح هذا الموضوع في لقائه يوم الثلاثاء المقبل مع نظيره الأميركي جو بايدن، إضافة إلى فرض حظر على نشر أنظمة الأسلحة التي من شأنها أن تهدد أراضي الدول المجاورة.

ولكن في رأي الخبير العسكري الروسي ميخائيل ألكسندروف “إن مثل هذه المفاوضات كان يجب أن تبدأ قبل توحيد ألمانيا وإلغاء حلف وارسو. فحينها كانت قواتنا موجودة في وسط أوروبا، وكان الغرب مضطرا لأن يحسب حسابنا. لنفترض أننا أجرينا مثل هذه المفاوضات. فما قيمة الضمانات، حتى لو تمت صياغتها بشكل قانوني؟ كان بين هتلر وستالين اتفاق رسمي تماما. فماذا جرى؟”

عمليا فتح الصراع على موقع أوكرانيا الجيوسياسي احتمالية اندلاع نزاع عسكري بين كييف وموسكو، حيث لوحت الأخيرة باتخاذ إجراءات استراتيجية للرد على تحركات الناتو في أوكرانيا بولندا والبحر الأسود وبحر البلطيق، فما وصفته موسكو بالتحركات الاستفزازية ، اعتبرها الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبيرغ “أنها تهدف لردع روسيا عن أي اعتداء ضد أوكرانيا”.

الموقف التصعيدي لحلف الناتو دفع الرئيس البيلاروسي ألكساندر لوكاشينكو للعرض على موسكو نشر أسلحة نووية في بلاده إذا ظهرت أسلحة مماثلة في بولندا.
  
فتيل الصراع يمكن أن يشعله أحد الطرفين (الروس والأوكران) لكنهما حتى الآن يتجنبان أن يقوم أحدهما باتخاذ خطوة أولى تؤدي إلى صراع مسلح، وأكثر ما يقلق الأوروبيين أن تضطر كييف للرد على استفزازات الميليشيات الروسية في إقليم دونباس، مما يضطرها إلى القيام بعملية عسكرية محدودة على حدودها الشرقية، تتحول إلى طعم رمته موسكو كما فعلت مع جورجيا حين استدرجت تبليسي إلى الرد على الاستفزازات العسكرية للانفصاليين في أسيتيا الجنوبية، حيث اندفع الرئيس الجورجي السابق شكاسفيلي في حرب خاطفة كانت ذريعة لموسكو للقيام برد عسكري عنيف والتوغل داخل الأراضي الجورجية.

 لذلك جاء التحذير الصارم من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي قال بعد انتهاء اجتماعات الناتو في ريغا أن هناك “أدلة” تُثبت أن روسيا تعتزم القيام بـ”أفعال عدائية كبيرة ضد أوكرانيا”، متوعّدا بجعلها تدفع “ثمنًا غاليًا” في حال نفّذت نواياها.

تدفع أوكرانيا ثمن استدارتين، الأولى أطلسية نحو شرق أوروبا، والثانية روسية نحو الفضاء السوفييتي، وفي كلا الجانبين طموحات توسعية وقدرات قد تشعل حربا مدمرة قد لا تقف عند الحدود الأوكرانية،  فبالنسبة للأوروبيين سقوط أوكرانيا بيد الكرملين سيفتح شهية موسكو نحو استعادة أجزاء من مساحاتها السوفييتية، ومن الجهة الأخرى فإن تموضع كييف الغربي سيشجع دولا كثيرة على التمرد الجيوسياسي ضد روسيا.

شاهد أيضاً

بأية حال تعود الانتخابات في أمريكا!

بقلم: سمير التقي – النهار العربي الشرق اليوم- كل ثلاثة او أربعة عقود، وفي سياق …