الرئيسية / مقالات رأي / أين العراق من اليوم العالمي للتسامح؟

أين العراق من اليوم العالمي للتسامح؟

بقلم: د. أحمد عبد الرزاق شكارة – المدى العراقية

الشرق اليوم– يحتفل العالم في السادس عشر من نوفمبر باليوم العالمي للتسامح بناء على قرار تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1996 رقم 95/51 . قرار سبق لمنظمة اليونسكو في عام 1995 أن أصدرت حوله تصريح مبادئ عرف التسامح بعبارة مركزة جميلة :

“التسامح يعني الاحترام، القبول والتقدير لغنى التنوع الحضاري العالمي متخذا أشكالا وأساليب إنسانية في التعبير عنه”. منظور يعترف بالحقوق العالمية للإنسان مقترنة باحترام الحريات الاساسية للآخرين. إن شعوب العالم والعراق من ضمنها هي في الاصل منبتها متنوع ولذا يأتي التسامح ضرورة حتمية لضمان بقائها وعيشها المشترك كونها مجتمعات تعددية Multilateral Communities. فهل حقق العراق مستوى مقبول من ثقافة التسامح يدعونا للتفاؤل؟ أم أن مسار الصراع السياسي، خطاب الكراهية والعنف الذي نشهده بشكل متواتر مازال مهيمنا على تفاصيل حياتنا السياسية – الاجتماعية -الاقتصادية والثقافية بصورة لا رجعة فيها؟

عام 1995الذكرى ال125 عاما لميلاد زعيم الهند القائد العالمي لثقافة السلم واللاعنف المهاتما غاندي Mahatma Ghandiعد مناسبة قيمة خصصتها اليونسكو لتنمية روح التسامح واللاعنف بشكل مكافاة مدانجيت سنغ The UNESCO Madanjeet Singh Prizeتقدم للمؤسسات، المنظمات والافراد الذين بذلوا جهودا وإنجازات إنسانية مبدعة في تنمية ثقافة التسامح ونبذ العنف تنعكس في الفعاليات العلمية ، الادبية ، الثقافية وفي ميدان الاتصالات. جائزة تقر حقيقة سامية مفادها أن عدم التوصل للسلم لابد أن يؤسس لروح تضامنية– معنوية جماعية توجه مسار سفينة يتولى قيادتها مثقفي العالم ومنهم مثقفي العراق. لعل من المناسب الاشارة إلى أن مكتب اليونسكو في العراق قد احتفل باليوم العالمي للتسامح منظما احتفالية مناسبة “ثقافية – فنية ترفيهية” في اربيل بمشاركة المفوضية العليا لإنعاش او إعادة الحياة لقلعة أربيل التاريخية مشروع رصد الاتحاد الاوروبي نفقات تشيده تحت شعار: “دعم معيشة السكان من خلال تنمية التراث الثقافي”. علما بإن الحفل قد حضره السيد محافظ اربيل وشخصيات وطنية ودولية أخرى. مناسبات كهذه جديرة بإعادة اللحمة الوطنية للعراق ويجدر الاهتمام بها كنموذج وتصور استراتيجي مهم يؤكد ايضا أن أحد الركائز الاساسية التي يمكن للعراق ان يكون له باع في التحلي والالتزام بها “مبدأ الوحدة في التنوع ” Unity in Diversity كونه يشكل ، اثراءا وتمتينا وقوة لثقافة التسامح التي تؤسس وتنمي لعلاقات إنسانية سامية بعيدة عن كل سمات : التعصب ، خطاب الكراهية وأنواع الفكر المتطرف، أو نشر المعتقدات التي لا تحترم العقل الإنساني بل وإتباع سلوك العنف من خلال خلق ظروف مواتية لحالات الصراع الذي قد تصل لمديات خطيرة تهدد السلم الاهلي. إن توصلنا لثقافة التسامح تنتج مرحلة ” السلام الاجتماعي بين الافراد من أجل العيش حياة اجتماعية خالية من مشاكل الحروب والنزاعات والصراعات التي تحدث بين الأفراد ، والمجتمع فهي الطريق إلى الشعور بالسلام الداخلي والسعادة ..”(د. رجاء الجبوري) . آمال مثالية جميلة بحق ولكن هل تعبد فقط بنوايا طيبة Paved with good intentionsأم أن الامر بحاجة لجهود جليلة جمة من صناع القرار السيادي – السياسي بالإضافة لإسهامات إيجابية من قبل منظمات المجتمع المدني ومن القيادات الفكرية المثقفة الراغبة بإحداث تغييرات جذرية إيجابية في مجرى الحياة الانسانية للأجيال القادمة ايضا؟؟ تساؤلات جدية بحاجة لإجابة واضحة. دولة مثل سنغافورة وصلت عقب مرحلة من الصدام والعنف العنصري في عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي إلى قناعة واضحة تفيد أن ثقافة التسامح هي السبيل السليم بل والهدف المرجو وطنيا وصولا للسلم الاهلي – السياسي. تطورات مهمة أدت بذات الوقت إلى صناعة سياسة وطنية تهدف لإعطاء حقوق متساوية لسكان سنغافورة من أطياف متنوعة وبصورة تمكن الجميع من العيش المشترك دون أي تأثيرات – ناجمة عن إجراءات إدارية بيروقراطية مشددة – تؤثر سلبا وحدة القرار السياسي. صحيح أن دول العالم حتى المتقدمة منها عانت بل وتعاني من استمرار بعض سياسات التمييز العنصري والعرقي لكنها تعمل جاهدة – من خلال الدور المؤسسي الدستوري – للتخفيف من حدتها ضمن إطار إقرار وتطبيق قوانين ولوائح إدارية تنسج بعناية متوازنة مجتمعيا “نسبيا” لحماية شعوبها من احتمالية ظهور مؤشرات تصادم او صراع مجتمعي – سياسي مستقبلي قد ينتهي إلى ما لا يحمد عقباه من حالات عنف او تمزيق للنسيج الاجتماعي – الثقافي الجميل. دولة أخرى مثل جنوب جنوب افريقيا مضت قدما في إتباع سياسات ناجحة فحواها مجابهة التميز أو الفصل العنصري ما يعرف بالابارثايد Apartheid.

أما في العراق فنحن بأمس الحاجة لإجراءات وسياسات تترجم حقوق الانسان وحرياته السياسية عملا وليس قولا. من أمثلة المواقف المرحب بها ما أعلنه السيد مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء من أن يكون السادس من مارس يوما وطنيا للتسامح وللتعايش وذلك بمناسبة لقاء البابا فرانسيس (رئيس الكنيسة الكاثوليكية) التاريخي بالمرجع الاعلى للطائفة الشيعية آية الله السيد علي السيستاني. علما بإن زيارة البابا وبعد مضي عدة أشهر لم تنعكس بصورة نتائج واضحة ملموسة على الارض يمكن للمواطنين وللوافدين الافادة منها من خلال أنعاش القطاع السياحي مثلا او حتى على مدى التزام المسؤولين وصناع القرار أيا كان موقعهم متابعة استقطاب الكفاءات العراقية (أيا كانت انتماءاتهم وجذورهم الاجتماعية) من الخارج. ضمن سياق مماثل نسبيا نحن جميعا بانتظار اللقاء التاريخي المرتقب لشيخ الازهر الشريف السيد أحمد الطيب مع المرجع الاعلى آية الله السيد علي السيستاني ومع القيادات الدينية والسياسية العراقية الاخرى في منتصف شهر ديسمبر 2021. سيمثل اللقاء المرتقب صورة اخرى مهمة تعزز ثقافة التسامح والاحترام المتبادل بين الطوائف الاسلامية معززة للثقة وللعلاقات السلمية – التعاونية المتبادلة بين الدولتين والشعبين المصري والعراقي. من منظور آخر مكمل فإن روح أو مضمون ثقافة التسامح تعني بشكل عام تصفية كل الضغائن او أشكال الكراهية بين كل ابناء العراق مهما اختلفت اديانهم او طوائفهم، اعراقهم، قومياتهم، عشائرهم او مناطق سكناهم. الأمر الذي يجعل ثقافة التسامح ليست ترفا فكريا او خطابا أجوفا بل سياسات وإجراءات وخطط تترجم عمليا تعكس درجة الانتماء اولا لميثاق الامم المتحدة لحقوق الانسان وكذلك للميثاق العالمي للأمم المتحدة لمنع التمييز العنصري ولغيرها من المواثيق الدولية ذات العلاقة. الأمر الذي يستدعي من “أهل الحل والعقد” في العراق توحيد الرؤى والمواقف تجاه أنجاز متطلبات المصالحة الوطنية الحقة النابعة عن روح وثقافة التسامح (باستثناء ما ارتبط بالدم العراقي) بعيدا عن توزيع المغانم الناجمة عن المحاصصة المقيتة بكل صورها وأشكالها او تلك التي تأتي بنتيجة حكومات تؤسس بصورة توافقية- سبق وان فشلت – بعيدة في مواقفها السياسية عن المضمون الحقيقي للوحدة الوطنية.. انطلاقا مما تقدم تأتي أهمية وأولوية أذكاء التواصل السياسي والحوار المستدام مع كل أطياف الشعب العراقي بضمنها الاقليات الدينية والعرقية التي تشكل بمجموعها ما اشار اليه المغفور له مام (الاستاذ) جلال الطالباني رئيس الجمهورية العراقية “شدة الورد” التي علينا جميعا الاهتمام بها. إن أطلاق الحوار السياسي المثمر بغض النظر عن الانتماءات العقدية والايدولوجية – الحزبية مسألة أساسية لبناء عراق حضاري جديد يتحمل مسؤولية بناءه – تطوره وإنمائه الجميع حكاما ومحكومين دون تمييز او تمايز. ضمن هذا المنظور لابد لصناع القرار في العراق النظر في إمكانية تخفيف معاناة شعبنا الحبيب بغية رفع الحيف والظلم الاجتماعي – السياسي والاقتصادي والثقافي عنه ، مع إمكانية تعزيز و تمكين دور الكفاءات العراقية – من مختلف الانتماءات – بحكم تخصصاتها الدقيقة في مختلف مجالات التنمية الانسانية المستدامة من مجابهة ما يتعرض له العالم ومن ضمنه العراق من مآسي أنسانية مشتركة ناجمة عن تداعيات كوفيد -19 ومن التغيير المناخي القاسي الذي وصل لحدود التطرف بصورة تؤثر سلبا على تنمية قطاعات الزراعة – المياه والبيئة في العراق بل وفي عموم منطقة الشرق الاوسط .

إن تنمية العراق بكافة قطاعاته الاقتصادية أمر اساسي لإنعاش مستويات ونوع معيشة العراقيين جميعا مسألة تستوجب أن تكون ثقافة التسامح جزءا من نسيج الاستراتيجية الوطنية لإعمار وبناء العراق. أخيرا ، لابد لنا كمراقبين موضوعيين للأحداث أن نعترف بأننا لازلنا بعيدين كثيرا عن تبني ثقافة التسامح في حل اشكاليات الشأن السياسي والذي تجسده يوميا سلسلة مطولة من المناكفات ، الصراعات والتنافسات الحزبية – الايدولوجية التي وصلت لحدود التشكيك المبالغ فيه بنتائج الانتخابات البرلمانية الاخيرة بل وحتى المطالبة بإلغائها ما يعكس صورة جد سلبية للواقع السياسي العراقي في وقت نحن في أمس الحاجة فيه للوحدة وللسيادة الوطنية الحقة التي يجب أن تجسد قانونيا – دستوريا وديمقراطيا- سياسيا من خلال مؤسسات ديمقراطية حقيقية تسهم ببناء العراق وتنميته الانسانية المستدامة . فهل نحن على قدر المسؤولية الوطنية الكبرى لترجمة ثقافة التسامح باعتبارها عنصر قوة وليس ضعفا إلى حياتنا ومجتمعاتنا لنعيد ألق ورقي العراق الحضاري ؟؟سؤال بانتظار الاجابة..

شاهد أيضاً

الأردن ليس ساحة لتصفية الحسابات

بقلم: فيصل الشبول- الشرق الأوسطالشرق اليوم– لأسباب وطنية وقومية، تاريخية وجغرافية وديموغرافية واستراتيجية، يعد الأردن …