الرئيسية / مقالات رأي / أميركا تضغط على “طالبان” أم على الأفغان؟

أميركا تضغط على “طالبان” أم على الأفغان؟

بقلم: أسعد عبود – النهار العربي

الشرق اليوم – تتحكم إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بأفغانستان من خارج الحدود، على رغم أن آخر جندي انسحب من هذا البلد في 30 آب (أغسطس) الماضي، إذ إن تجميد الأصول الأفغانية في المصارف الأميركية، شلّ قدرة حركة “طالبان” على إدارة المؤسسات التي ورثتها من الحكومة، التي كانت مدعومة من الولايات المتحدة في العشرين عاماً الأخيرة.

وعلى رغم انعقاد سلسلة من اللقاءات بين مسؤولين من “طالبان” ومسؤولين أميركيين في العاصمة القطرية، الدوحة، فإن الموقف الأميركي لم يتغير، ولم يحصل حتى الساعة اعتراف رسمي من واشنطن أو من الاتحاد الأوروبي بالنظام الجديد في كابول. والملاحظ أنه حتى روسيا والصين وباكستان، على رغم إبقائها سفاراتها مفتوحة في أفغانستان عقب الانسحاب الأميركي، فإنها لم تعترف رسمياً بالحكومة التي شكلتها “طالبان”، على رغم انعقاد لقاءات متكررة بين الدول الثلاث ومسؤولين في الحركة. والجميع ينتظر الموقف الأميركي في هذا الشأن، ولن يغامر بخطة قد تتسبب بعقوبات أميركية.

وكانت واشنطن قد جمدت نحو 9.5 مليارات دولار من الأصول التي يملكها البنك المركزي الأفغاني. وتعرّض البلد الذي يعتمد اقتصاده أساساً على المساعدات الأجنبية لحالات متكررة من الانهيار، إذ لم يعد باستطاعة الحكومة الأفغانية الجديدة دفع رواتب الموظفين الرسميين منذ أشهر أو تمويل الواردات.

وتطالب واشنطن الحركة بتشكيل حكومة “جامعة” تمثل مختلف الأطياف العرقية والطائفية، فضلاً عن شخصيات من النظام القديم، كما تطالب باحترام حقوق الإنسان، واعتراف صريح بالحقوق التي اكتسبتها المرأة الأفغانية في الأعوام العشرين الماضية، إلى بذل جهد أكبر في مقاتلة تنظيم “داعش” وقطع الصلات على نحوٍ نهائي مع تنظيم “القاعدة”، وعدم السماح للتنظيمين باتخاذ الأراضي الأفغانية مقراً لهما لشن هجمات على المصالح الأميركية أو مصالح الحلفاء.

مسؤولو “طالبان” يدافعون عن الإجراءات التي اتخذوها حتى الآن، لا سيما في ما يتعلق بمكافحة “داعش”، على رغم أن هجمات التنظيم في تصاعد منذ تولي “طالبان” الحكم. ويؤكد هؤلاء أن الحصار الاقتصادي الغربي عموماً والأميركي خصوصاً، ينعكس على قدرة الحركة في التصدى بفاعلية أكبر لـ”داعش”، فضلاً عن أن المعاناة الاقتصادية تدفع بمزيد من الشباب الأفغاني إلى التطرف أو إلى “هجرة اقتصادية فراراً من البلاد”، وفق ما حذر من ذلك وزير خارجية “طالبان” أمير خان متقي مؤخراً.

وفعلاً، تتخوف الدول الأوروبية على نحوٍ خاص، من أنه في حال الانهيار التام للاقتصاد الأفغاني، سيتجه الكثير من الأفغان نحو الهجرة، لا سيّما إلى أوروبا. وجدير بالذكر أن تركيا تبني جداراً على الحدود مع إيران لوقف تدفق اللاجئين الأفغان إلى أراضيها، ومنها إلى أوروبا.

ويسعى الاتحاد الأوروبي إلى معالجات بطريقة غير مباشرة، من طريق تقديم مساعدات، يخصص قسم منها للاحتياجات الإنسانية الطارئة وللدول المجاورة لأفغانستان التي استقبلت الأفغان الذين فروا من بلادهم.

لكن المشكلة التي تواجه أفغانستان أكبر من أن تحتويها مساعدات على هذا النطاق المحدود. وحذر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في تقرير حول النظام المصرفي والمالي في أفغانستان، الأسبوع الماضي، من أن التكلفة الاقتصادية لانهيار النظام المصرفي، وما يترتب على ذلك من تأثير اجتماعي سلبي، “ستكون جسيمة”.

إن الانعكاسات السلبية للسياسة الأميركية تؤثر على 40 مليون أفغاني، ولا تطاول فقط “طالبان”. وهذا ما وصفته مديرة البرامج في مؤسسة “راند” شيريل بينارد في مقالة نشرتها في مجلة “ذا ناشيونال إنترست” الأميركية في وقت سابق من الشهر الجاري بـ”سياسة الأرض المحروقة” التي تمارسها الولايات المتحدة في أفغانستان.

وكما ارتكبت أميركا خطأً بغزو أفغانستان قبل عشرين عاماً، فإنها اليوم ترتكب خطأً أكبر من طريق عقاب جماعي بحق الشعب الأفغاني، علماً أن الضغوط الاقتصادية يمكن أن تأتي بمردود عكس المتوخى منها.

شاهد أيضاً

سوريا وروسيا.. الفرص الناشئة

بقلم: عبدالحميد توفيق- العينالشرق اليوم– تدرك موسكو أن سوريا تشكل أحد التحديات الاستراتيجية المهمة التي …