الرئيسية / مقالات رأي / جوائح رفض اللقاح

جوائح رفض اللقاح

بقلم: مفتاح شعيب – صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – عندما تتوقع منظمة الصحة العالمية تسجيل 700 ألف وفاة من جرّاء «كورونا» في أوروبا بحلول الربيع المقبل، فذلك تحذير يجب أن يؤخذ على محمل الجد بالنظر إلى التفشي الكبير للوباء في تلك القارة التي دفعت ثمناً بشرياً واقتصادياً باهظاً منذ بدء الجائحة، وتشهد جدلاً حول اللقاحات بعدما ارتأت أطراف تسييسها وتنظيم تظاهرات واحتجاجات صاخبة ضدها كما حدث في هولندا.
منظمة الصحة العالمية، التي تواجه بعض الانتقادات بسبب أسلوب رؤيتها للوضع الوبائي، كررت في أكثر من مناسبة أن التطعيم هو السبيل الوحيد للوقاية من «كورونا»، والسلاح الأنجع للتغلب عليها، وتتقاسم هذه القناعة مع كل المؤسسات البحثية وكبار الأطباء والخبراء، لكن البعض لا يريد أن يعترف بهذه الحقيقة، ويفضل المزايدة من دون أن يعلم أن هذا التصرف هو ما يجعل هذه الجائحة حية وشرسة تستنزف موارد الدول والشعوب. كل الدراسات وأبحاث التقصي، تؤكد أن الأغلبية الساحقة من المصابين من جرّاء الموجات الجديدة هم من غير المطعمين، الذين باتوا مصدر قلق وخطر، ويهددون ما أنجزته استراتيجيات التلقيح من حصانة وتحفيز على التعافي. وقد يتذرع البعض بأن قبول التطعيم أو رفضه هو خيار شخصي للفرد، ولا يمكن أن يُفرض عليه، لكن عندما تؤكد التجربة أن الإقبال على اللقاح خير من العزوف عنه، يصبح فرض الأمر على جميع المؤهلين ضرورة وطنية، وأحد مقومات أمن المجتمع التي لا يجب التراخي في تحقيقها.
قبل عامين عندما ظهر فيروس «كورونا» وبدأ زحفه من الصين، كان العالم أعزل من أي لقاح أو عقار لمواجهة الخطر الداهم، فلجأت الدول إلى الأساليب البدائية التي عرفها الناس منذ فجر التاريخ للتعامل مع الأوبئة، فتم إغلاق الحدود، ومنع السفر، وحظر الاحتفالات والاجتماعات والأعراس والمآتم، وأنتج ذلك كله أمراضاً نفسية واقتصادية واجتماعية، لم تكن قبل ذلك تخطر في الحسبان، ولكن بالنظر إلى تقدم الطب والبحث العلمي أمكن التوصل إلى إنتاج لقاحات مضادة للفيروس، وما تزال المختبرات تعد بالمزيد. وفي ظل المنافسة بين دول شركات مختلفة، تم تسييس قضية اللقاحات التي لم تخل من الذم والتفاخر، تماماً كما حدث عند ظهور الوباء، وبالنتيجة ليس هناك من خيار آخر لاستعادة الحياة كما كانت إلا بتطعيم كل فئات المجتمع إلا من تعذر لسبب يشخصه الطب.
قبل أيام قليلة خيّرت البحرية الأمريكية من لم يتلقوا اللقاح من منتسبيها بين التسريع بالتطعيم أو التسريح من الخدمة، وهذا الأمر العسكري هو قرار حرب وليس «إجراء ديمقراطياً» يمكن طرحه للنقاش والتصويت. وبالقياس على ذلك، فإن كل رفض للتطعيم هو تعطيل لتسريع التعافي و«تآمر» لإبقاء الوضع الوبائي سارياً يهدد بجوائح جديدة. ومن يريد أن يتاجر سياسياً في هذه القضية، فهو يقامر بصحة المجتمع الإنساني التي يفترض ألا تقبل النقاش، خصوصاً في ظل الوضع الضبابي لحالة انتشار «كورونا» والتهديدات المحتملة، لا سيما أن مراكز بحث تحذر من جوائح جديدة يمكن أن تتحور عن هذه الجائحة التي توشك البشرية أن تطيحها بنصر حاسم.

شاهد أيضاً

هل تنجح طهران خارج محور المقاومة؟

بقلم: عادل بن حمزة- النهار العربيالشرق اليوم– دخلت منطقة الشرق الأوسط فصلاً جديداً من التصعيد …