الرئيسية / مقالات رأي / أمريكا وروسيا.. وحدود التوتر

أمريكا وروسيا.. وحدود التوتر

بقلم: د.وحيد عبدالمجيد – صحيفة الاتحاد

الشرق اليوم- اعتراض أمريكي على تجربة صاروخية روسية في الفضاء. ورفض موسكو تدريبات عسكرية يقوم بها حلف شمال الأطلسي “الناتو” في البحر الأسود، وتحذير من مغبتها. وحشد قوات روسية على الحدود مع أوكرانيا فيما يبدو أنه رد على تلك التدريبات، لكن بأعداد أقل مما حُشد في الربيع الماضي. واتهام أميركي لروسيا بتشجيع حليفتها بيلاروسيا على ما يُعده الاتحاد الأوروبي افتعالاً لأزمة لاجئين جديدة على حدوده عند بولندا، ونفي من جانب موسكو، وتأكيد أن لا علاقة لها بهذه الأزمة.

عندما نضع هذه التطورات التي تسارعت في الأسبوعين الماضيين جنباً إلى جنب، قد يبدو للوهلة الأولى أن العلاقات الأميركية الروسية دخلت في حالة توتر متصاعد. غير أنه عندما نُمعن النظر في محتوى خطاب كل من الطرفين ولغته، وفي الطريقة التي يتصرفان بها، نلاحظ وجود سقف لا يتجاوزه أي منهما.

وما يمكن أن نلاحظه في ثنايا هذه التطورات عدم جديد نوعي في المُحدّدات التي جعلت موسكو تُفضل ضبط النفس إزاء اتجاه إدارة جو بايدن إلى التصعيد في بداية عهدها، مما دفعها إلى مراجعة موقفها بسرعة. وأتاح ذلك شيئاً من الهدوء النسبي في العلاقات بينهما في الأشهر الأخيرة، على النحو الذي ظهر مثلاً في محادثات أجرتها وكيلة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند في موسكو الشهر الماضي. فقد تحدث نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف عن إحراز تقدم طفيف خلالها (فيما يتعلق بأجزاء جوهرية من المشاكل بين الدولتين). وقد حدث هذا الهدوء النسبي خلافاً لما كان متوقعاً في أوائل العام، حين شن بايدن عقب تنصيبه هجوماً لفظياً حاداً وغير مسبوق ضد بوتين.

غير أنه لم تمض أسابيع حتى تجاوز الطرفان تداعيات ذلك التصعيد، واتجها إلى البحث عن سبل للتعاون نتيجة عاملين، أولهما رد فعل بوتين الهادئ على هجوم بايدن، فقد اكتفى بإجراء رمزي هو سحب السفير الروسي من واشنطن للتشاور، مع تحذير من أن بلاده سترد بقوة على أي محاولات للمساس بها. أما العامل الثاني فكان لقاء بايدن وبوتين في منتصف يونيو، وأثره في احتواء تصعيد كان قد بدا وشيكاً مع زيادة الحشود العسكرية الروسية على الحدود مع أوكرانيا.

ويرتبط ميل موسكو إلى خفض منسوب التوتر مع واشنطن بسعيها إلى تجنب عرقلة واشنطن مساعيها لتحسين علاقاتها مع دول أوروبية في مقدمتها ألمانيا. وعلى الجانب الآخر، يبدو تنامي اهتمام أميركا بمنطقة المحيطين الهادئ والهندي لمواجهة الصين دافعاً مهماً لتفضيلها خفض منسوب التوتر مع روسيا.

وليس مُستبعداً أن يكون هذا الاتجاه مرتبطاً بحاجة واشنطن إلى دور تقوم به موسكو لإقناع بكين بقبول إجراء محادثات شاملة بين الدول الثلاث في مجال الأسلحة النووية الاستراتيجية، بعد أن لم يعد خافياً قلق الأمريكيين من التطور السريع التي تُحققه الصين في هذا المجال.

وبغض النظر عن مدى واقعية إقناع الصين بإجراء مثل هذه المحادثات قبل أن تصل بقوتها النووية إلى مستوى مماثل لما بلغته أمريكا وروسيا، فالقدر المُتيقن أن ما يحدث في بكين صار مؤثراً في العلاقات بين واشنطن وموسكو. ورغم أن العلاقات الروسية الصينية تنامت في السنوات الأخيرة، تبقى موسكو قلقةً من قوة بكين المتزايدة. لكنه قلق مخفي بعكس القلق الأميركي السافر المصحوب بسياسات تهدف إلى محاصرة هذه القوة.

وفي هذا السياق، قد لا يكون صعباً ضبط منسوب التوتر بين أمريكا وروسيا، بمقدار ما يمكن تجنب انفجار الوضع في أوكرانيا، أو حدوث صدام غير مقصود بين سفنهما الحربية في البحر الأسود.

شاهد أيضاً

إيران وإسرائيل… الحرب والحديث المرجّم

بقلم عبد الله العتيبي – صحيفة الشرق الأوسط الشرق اليوم- ضعف أميركا – سياسياً لا …