الرئيسية / مقالات رأي / ماذا تعني تصريحات مارين لوبن وإيف لودريان لفرنسا والجزائر؟

ماذا تعني تصريحات مارين لوبن وإيف لودريان لفرنسا والجزائر؟

بقلم: أزراج عمر – النهار العربي 

الشرق اليوم – خلال هذا الأسبوع ظهر إلى العلن ما يشبه استخدام الجزائر وقوداً في الصراع بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وقيادات حزبه” الجمهورية إلى الأمام” وبين مارين لوبن، زعيمة حزب “التجمع الوطني” اليميني الفرنسي المتطرف، على الانتخابات الرئاسية الفرنسية القادمة. ولقد تجلّى هذا الصراع في مضامين تصريحات كلا الطرفين حول علاقة فرنسا بالجزائر. 

وفي هذا الخصوص قام وزير الخارجية الفرنسي إيف لودريان بحركة ناعمة تجاه الجزائر فسّرها مراقبون سياسيون بأنها ذات دلالتين ترميان إلى تلطيف الأجواء بين فرنسا والجزائر من جهة، وإلى تحصين موقع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الانتخابات الرئاسية الفرنسية القادمة من جهة ثانية. ولقد برزت حركة لودريان في قوله: “فرنسا تطمح إلى إقامة علاقة ثقة وشراكة طموحة مع الجزائر”. 

ويفهم من هذا التصريح الدبلوماسي أن لودريان يتكلم لغتي  اثنتين. باللغة الأولى يريد تحقيق غايات انتخابية استباقية عبر توجيه رسائل مشفرة وغير مباشرة إلى الوعاء الانتخابي الذي تمثله الجالية الجزائرية المقيمة في فرنسا. أما اللغة الثانية فتتمثل في  محاولته الظهور بمظهر الساعي إلى تقليص حدّة توتر الأزمة التي عصفت ولا تزال تعصف بين الجزائر وبين فرنسا والتي تختزل فقط على نحو خاطئ، كما سنبين لاحقا، في  التصريحات التي أدلى بها منذ مدة الرئيس إيمانول ماكرون وأنكر فيها وجود كيان الدولة الجزائرية قبل الاحتلال الفرنسي بالشكل الذي يوجد عليه راهناً. 

ولكن هناك من يعتقد أن الهدف الحقيقي من وراء  تلطيف لودريان موقفه من الجزائر هو قطع الطريق على مارين لوبن التي ما فتئت تحاول بطرق متناقضة استقطاب الوعاء الانتخابي للجالية الجزائرية في فرنسا بإدعائها أن المشكلة ليست مع الجالية الجزائرية المقيمة شرعياً والتي لا تعارض القيم الفرنسية وتقبل في الوقت نفسه بإسلام الجمهورية الفرنسية، وإنما مع مواطنين جزائريين دخلوا إلى الأراضي الفرنسية بطرق غير شرعية وأصبحوا في رأيها يهددون الاستقرار الاجتماعي الفرنسي بما في ذلك فرص عمل حتى أبناء الجالية الجزائرية، وفي الوقت نفسه يقدمون صورة سلبية للإنسان الجزائري الذي يعتدي على قوانين الدولة الفرنسية.

في الأسبوع الماضي صرحت مارين لوبان بلهجة ناعمة أيضاً واستخدمت “مفردة” فرنسية لها دلالات مختلفة، ولكنها في ذلك السياق تعني فقط أن الجزائر بلد كبير المساحة وقادر على أن يستوعب أبناءه. ولكن وسائل الإعلام الجزائرية تحمست وفسّرت المفردة الفرنسية خطأ وقوّلت مارين لوبان بأنها تعني  أن الجزائر “دولة عظيمة”. 

ومع ذلك فإن تصريح لوبان لم يقدم أي حل لملف الذاكرة التاريخية للاحتلال الفرنسي للجزائر الذي دام قرناً وثلاثين سنة، بل ركزت بقوة على مسألة رئيسية لخصتها في ضرورة إقناع النظام الجزائري بقبول “القرارات التي اتخذتها السلطات الفرنسية بخصوص المواطنين الجزائريين الذين لا ترغب فرنسا في وجودهم على أراضيها لكونهم غير شرعيين ولارتكابهم مخالفات ترقى إلى مصاف الجريمة في فرنسا”. ثم أكدت في التصريح ذاته أن استمرار رفض الجزائر احترام قرارات فرنسا هو خروج عن تقاليد الاحترام الذي ينبغي أن يكون متبادلاً بين البلدين وسيؤدي ذلك إلى منع حصول الجزائريين على تأشيرات الدخول إلى فرنسا إذا فاز حزبها بالانتخابات الرئاسية القادمة. 

ويبدو أن لودريان ومعه أقطاب حزب الرئيس ماكرون قد انتبهوا إلى إستراتيجية لوبان زعيمة اليمين المتطرف للتهدئة مع الجزائر لكي تكسب الوعاء الانتخابي للجالية الجزائرية خلال الانتخابات الرئاسية. 

والواضح هنا أن جناح ماكرون وأقطاب حزبه “الجمهورية إلى الأمام” وجناح مارين لوبن وصقور حزبها “التجمع الوطني” يتعاركان فعلياً، وعلى نحو غير مباشر، وبواسطة هذه التصريحات على كعكة الانتخابات الرئاسية الفرنسية مسبقاً، اذ يدرك الطرفان المتصارعان أن الوعاء الانتخابي الهائل الذي تمثله الجالية الجزائرية المقيمة في فرنسا سوف يلعب دوراً لا يستهان به في ترجيح كفة من سيفوز بالرئاسيات الفرنسية. 

وفي هذا السياق تنبغي الإشارة إلى أن مراكز الدراسات وسبر الآراء في فرنسا ركزت مراراً وتكراراً على الدور الحاسم الذي سيلعبه تعداد الناخبين من أصل جزائري الذين سيدلون بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية الفرنسية القادمة والمقدر بمليون صوت على الأقل. ولقد أكد سابقاً هذا الرقم المهم جداً مسؤولو البعثة الدبلوماسية الجزائرية العاملة في فرنسا التي أشرفت رسمياً على مراقبة سجلات المنتخبين الجزائريين المقيمين في فرنسا الذين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية الجزائرية التي جرت في  12 حزيران (يونيو) 2021.

واللافت للنظر هو أن المحللين السياسيين يميلون إلى مثل هذا التأويل للأهداف الحقيقية المضمرة لتصريحات كل من الوزير لودريان ولوبن بدلاً من النظر إليها كمحاولات جادة وحقيقية لفتح عهد جديد بين الجزائر وفرنسا لتمكينهما من إنجاز حل راديكالي نهائي يضع حداً للخلافات الكبرى بينهما. 

نظراً لما تقدم يرى المحللون السياسيون أن التناقضات الجزائرية الفرنسية معقدة ويصعب أن تحل عقدها المتشابكة تصريحات صحافية عابرة وذات طابع تلطيفي كما هو حال تصريحات لودريان ولوبن.

فالخلافات الجزائرية – الفرنسية عميقة جداً ومتعددة الذيول وفي مقدمها إصرار الجزائر على ضرورة اعتراف باريس بجرائمها الاستعمارية في الجزائر، وتعويض الجزائريين المتضررين من التجارب النووية في الصحراء الجزائرية مادياً، وتنظيف المنطقة التي أجريت فيها هذه التجارب من بقايا النفايات الخطيرة التي لا تزال تفرز الإشعاعات السامة وتتسبب في الأمراض القاتلة والولادات المشوهة، وعدم التدخل الفرنسي في شؤون الجزائر الداخلية والخارجية فضلاً عن مطالبتها برفع يديها عن العناصر التي تدعو إلى إنفصال منطقة الأمازيغ. كما يطلب النظام الجزائري من فرنسا اتخاذ موقف الحياد على الأقل من القضية الصحراوية وغيرهما من القضايا التي تعمق التناقض والاختلاف بين فرنسا والجزائر.

أما فرنسا فلا تزال تقيس علاقاتها بالجزائر بمعايير الإرث الكولونيالي واتفاقات إفيان التي يصبّ معظمها في مصلحتها، وعلى أساس موقعها في الخريطة الدولية باعتبارها دولة نووية مفصلية في منظمة الحلف الأطلسي وعضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي، وقطباً اقتصادياً سادساً في العالم تمتد أذرعه عبر مؤسسات وتنظيمات ومنظمات سياسية ولغوية وثقافية واقتصادية دولية كبرى لها تأثير عالمي، فضلاً عن كونها قوة ضاربة داخل الاتحاد الأوروبي وتملك حق الفيتو في تقرير جزء أساسي من مصير علاقات دول هذا الاتحاد بدول العالم بما في ذلك الجزائر طبعاً.

شاهد أيضاً

الأمل المستحيل لإسرائيل

بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج الشرق اليوم- عندما يطرح مركز بحوث أمريكي مؤيد دائماً …