مجرد هدنة

صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – الاشتباكات التي وقعت يوم أمس الأول بين أرمينيا وأذربيجان، لم تكن مفاجئة، وتجددها في أي وقت لن يكون مفاجئاً أيضاً، ذلك أن الحرب التي دارت رحاها على مدى عشرين يوماً بين البلدين في مثل هذه الأيام من العام الماضي، وانتهت باتفاق لوقف النار بوساطة روسية، وبخسارة أرمينيا لأجزاء واسعة من إقليم ناجورنو كاراباخ، ووقوع أكثر من ستة الآف قتيل، وعملية تهجير واسعة للأرمن من الإقليم، كانت واحدة من الحروب الممتدة بين البلدين التي بدأت العام 1918، ثم توقفت  لمدة، واستؤنفت ما بين عامي 1920 و1922، ثم في العام 1988 وحتى العام 1994، حيث تمكنت أرمينيا من كسب تلك الحرب والسيطرة على إقليم كاراباخ.

بعد حرب العام الماضي وخسارة أرمينيا لها، والتوقيع على وقف لإطلاق النار بين الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، ورئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونشر حوالى 2000 جندي روسي للإشراف على وقف النار، كان واضحاً أن هذا الاتفاق هو مجرد هدنة فرضتها نتيجة الحرب، وجراء التدخل الروسي لمنع اتساعها بما يهدد أمنها وأمن دول وسط آسيا الذي تعتبره مجالاً حيوياً لها، ويحول دون تدخل قوى خارجية قد تتخذ من هذه الحرب ذريعة للانخراط فيها، بما يهدد الأمن القومي الروسي، خصوصاً في ذروة صراع محتدم بين موسكو وحلف الأطلسي على طول مساحة دول أوروبا الشرقية على التخوم الشرقية الروسية.

لذلك سارعت روسيا إثر الاشتباكات الأخيرة إلى التدخل من خلال وزير الدفاع سيرجي شويجو الذي دعا نظيريه الأذربيجاني زاكير غسانوف، والأرمني سورين بابكيان، للوقف الفوري للأعمال الحربية  التي أدت إلى مصرع 15 جندياً أرمنياً وأسر 12 آخرين، وفق يريفان.

قبيل اشتباك الثلاثاء الماضي، وقعت اشتباكات متفرقة بين الجيشين، لكنها ظلت محدودة، إلا أنها كانت بمثابة ضوء أحمر لما يمكن أن يحصل.

ولأن الصراع بين أرمينيا وأذربيجان له جذور تاريخية وجغرافية وإثنية ودينية، فهو صراع صعب ومعقّد، ووقف إطلاق النار أو الهدنة قد يكونا مرحلة للتهدئة بانتظار تغير موازين القوة بين البلدين، كما حصل في حرب العام الماضي عندما وجدت أذربيجان نفسها أنها قادرة على استعادة إقليم ناجورنو كاراباخ.

إن اتفاقيات الهدنة أو وقف القتال لا تنهي الحروب، إنما تؤجلها، والأمثلة على ذلك كثيرة، هنا في منطقتنا وفي مناطق أخرى من العالم. فالحرب الكورية مثلاً انتهت بتوقيع هدنة في 27 يوليو (تموز) 1953 بين كوريا الشمالية والصين والولايات المتحدة، لكنها أبقت على الجمر تحت الرماد، كما هو الحال الآن بعد 76 عاماً.

إن مثل هذه الحروب تحتاج إلى جهد إقليمي ودولي للانتقال من حالة الحرب إلى السلام الدائم من خلال اتفاقيات سلام واضحة وعادلة، وإلاّ فإن الحرب قد تحضر في أية لحظة.

شاهد أيضاً

إيران وإسرائيل… الحرب والحديث المرجّم

بقلم عبد الله العتيبي – صحيفة الشرق الأوسط الشرق اليوم- ضعف أميركا – سياسياً لا …