الرئيسية / مقالات رأي / الهجرة تهدد أوروبا

الهجرة تهدد أوروبا

بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج

الشرق اليوم– أزمة المهاجرين الناشبة على الحدود البيلاروسية – البولندية تفاقمت على نحو بات يهدد أوروبا المنقسمة بدورها حول كيفية التعامل مع هذه الأزمة، خصوصاً بعدما تحولت هذه القضية من أزمة إنسانية إلى أزمة سياسية خاضعة للمصالح المتشابكة وتصفية الحسابات للعديد من الأطراف المنخرطة فيها مباشرة أو غير مباشرة.

كان يمكن لهذه الأزمة الجديدة على الحدود البيلاروسية – البولندية أن تعالج في اطارها الإنساني على غرار ملايين المهاجرين الذين تدفقوا على أوروبا من شتى أنحاء العالم بحثاً عن حياة أفضل أو هرباً من الأحوال الاقتصادية والمعيشية المتردية التي يعيشونها في بلدانهم، ولكن سرعان ما وجد هؤلاء المهاجرون، وأغلبيتهم الساحقة من العرب والأكراد، أنفسهم مجرد أدوات تستخدم كسلاح في محاربة الدول بعضها بعضاً، وتصفية الحسابات المتراكمة فيما بينها، بدلاً من التعاون لإيجاد الحلول الملائمة للأزمة برمتها.

في الحالة الجديدة الراهنة، لا مجال للإنكار أن سلطات مينسك غضت النظر، على الأقل، حتى لا نقول سهلت تدفق المهاجرين، الذين توجهوا إلى الحدود البولندية، ليس للاستقرار في بولندا، وإنما للوصول إلى قلب أوروبا على أمل الحصول على الإقامة الدائمة والبدء بتأسيس حياة جديدة. لكن السلطات البولندية واجهت هؤلاء بالقمع وأعادت من حاول اجتياز الحدود للجانب البيلاروسي، ليجد هؤلاء أنفسهم عالقين على الحدود في ظل ظروف مناخية قاسية ودرجات حرارة تقارب الصفر.

قد تكون سلطات مينسك تريد الرد على الضغوطات والعقوبات الأوروبية، بإغراق الاتحاد الأوروبي بالمهاجرين، لكن حالة “العداء” المستترة مع بولندا جعلت الأخيرة ترسل آلاف الجنود إلى الحدود، ما جعل المسألة برمتها تخرج عن سياق الهجرة والمهاجرين وتتخذ أبعاداً سياسية خطرة، وتتحول إلى اتهامات متبادلة، دفعت حلفاء كلا الطرفين إلى الانخراط في الأزمة. فروسيا الحليف الوثيق لبيلاروسيا، لجأت إلى استعراض القوة وأرسلت قاذفات ذات قدرات نووية للقيام بدوريات في أجواء بيلاروسيا، كما أرسلت قوات عسكرية لمساعدة حليفتها على التصدي لأي هجوم محتمل على الأرض، بينما أرسلت بريطانيا بعض القوات العسكرية إلى بولندا، وسط تحذيرات أوروبية وأمريكية ومن حلف “الناتو” لموسكو، ما رفع منسوب التوتر بين روسيا والغرب عموماً، ليضفي مزيداً من التوتر الناجم عن تداعيات الأزمة الأوكرانية والتحركات التصعيدية الجارية في البحر الأسود.

الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، إذ سرعان ما هددت بيلاروسيا بقطع خط إمدادات الغاز الروسية المار عبر أراضيها إلى أوروبا رداً على أي عقوبات محتملة، بينما تدخلت ألمانيا للضغط على روسيا بهدف نزع فتيل الأزمة، خاصة وأن هناك من يعتبر أن “افتعال” أزمة اللاجئين على الحدود البولندية البيلاروسية يستهدف دفع الاتحاد الأوروبي، في نهاية المطاف، لاتخاذ قرار بوقف تشغيل خط غاز “السيل الشمال 2” عبر ألمانيا، بعدما أصبح جاهز عملياً، وبعدما عجزت الولايات المتحدة عن دفع ألمانيا للتخلي عنه.

هكذا تحولت أزمة الهجرة إلى أزمة سياسية بامتياز، بينما لا أحد يأبه بضحاياها الذين يتساقطون على الحدود جراء البرد القارس واستغلالهم من الدول المتصارعة.

شاهد أيضاً

سوريا وروسيا.. الفرص الناشئة

بقلم: عبدالحميد توفيق- العينالشرق اليوم– تدرك موسكو أن سوريا تشكل أحد التحديات الاستراتيجية المهمة التي …