الرئيسية / مقالات رأي / لعبة جر الحبل تشتد

لعبة جر الحبل تشتد

بقلم: عماد الدين الجبوري – اندبندنت عربية

الشرق اليوم- في الوقت الذي تحرك فيه مقتدى الصدر للمحادثات في بغداد مع غرمائه السياسيين لتشكيل الكتلة الأكبر واختيار رئيس للحكومة الجديدة، خرجت تظاهرات لمناصري الفصائل الموالية إيران احتجاجاً على نتائج الانتخابات العامة، سرعان ما تحولت إلى اشتباك مسلح عنيف مع حراسات المنطقة الخضراء الجمعة الماضية، نتج منه سقوط ثلاثة قتلى وأكثر من 100 جريح، مما دفع بالصدر إلى أن يقطع زيارته ويعود إلى محافظة النجف رفضاً لهذا التصعيد الذي وصفه بغير المبرر، ودعا أتباعه في التيار الصدري إلى ضبط النفس وعدم الانجرار إلى مواجهة الخاسرين في الانتخابات من تحالف “الفتح” الذي يتزعمه هادي العامري.

تجاه هذا التصعيد، اجتمع رئيس الحكومة المنتهية ولايتها مصطفى الكاظمي بالقيادة العسكرية والأمنية، وشدد على حماية المنطقة الخضراء بأي ثمن، ويبدو أن الدعم الذي قدمه قيس الخزعلي وأبو آلاء الولائي لعناصر الفصائل حقق خطوة ميدانية تجاه مقتربات المنطقة الخضراء من جهة الجسر المعلق، لكن فشلوا في غلق المداخل الأربعة الرئيسة للمنطقة.

ومع تجدد الاشتباك وهتافات أنصار الخزعلي تطالبه بالإذن لاقتحام المنطقة الخضراء بالكامل، لكن لم يتحقق شيء على الميدان غير مسبات وشتائم تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي، يطلقها العناصر الموالية إيران ضد القوات الحكومية، وفي المقابل يرد عليهم الجنود بشتم خامنئي وإيران.

ومع ذلك، فإن تعليمات الخزعلي لأتباعه بأن المهمة حققت الهدف الأول في طرد مقتدى الصدر من بغداد، كما تناقلت وسائل إعلامية قول الخزعلي “سنحاسب المعتدين على المتظاهرين السلميين قانونياً”، كما حمل الخزعلي مصطفى الكاظمي مسؤولية إطلاق النار الحي وقتل وجرح العشرات من أنصاره متوعداً بالرد.

وبعد يوم واحد من تهديد الخزعلي للكاظمي، تعرض الأخير إلى محاولة اغتيال فاشلة، إذ شنت ثلاث طائرات مسيّرة هجوماً على مقر إقامة الكاظمي في المنطقة الخضراء، فجر يوم الأحد المصادف 7 نوفمبر (تشرين الأول) 2021، لكن الكاظمي نجا من هذا الهجوم، وتعرض أربعة من حراسه الخاصين إلى إصابات طفيفة.

وعلى الرغم من عدم تبني أي جهة لهذا الهجوم، بيد أن تغريدة المسؤول الأمني لكتائب “حزب الله” العراقي أبو علي العسكري تثير الريبة والاستهتار أيضاً بقوله، “لا أحد لديه الرغبة في خسارة طائرة مسيّرة على منزل رئيس وزراء سابق”. وأضاف، “إذا كان هناك من يريد الإضرار بهذا المخلوق الفيسبوكي، فتوجد طرق كثيرة أقل كلفة وأكثر ضماناً لتحقيق ذلك”.

وبما أن الكاظمي أتى إلى منصب رئاسة الوزراء عبر التوافق بين الكتل الشيعية المتنازعة، ومع أنه يمتلك صلاحيات واسعة سياسياً وعسكرياً وأمنياً، فإنه لا يجرؤ على مجابهة الفصائل المسلحة الموالية إيران، بل يكتفي بإطلاق تصريحات فضفاضة لا تغير شيئاً على أرض الواقع، وهذا ما فعله بعد محاولة الاغتيال الفاشلة، إذ خرج على التلفاز بكلمة مقتضبة، واصفاً الهجوم بـ “عدوان جبان”، ودعا الجميع إلى “الحوار الهادئ والبناء من أجل العراق ومستقبله”.

ولم يحاسب أبو علي العسكري على تغريدته التي فيها تصغير وإساءة وشتيمة إلى شخص مصطفى الكاظمي نفسه، ولم يسأل قيس الخزعلي عن المجموعة المسلحة التي بثت شريطاً مصوراً باسم العصائب تهدد فيه الكاظمي علناً.

كما أن الانتشار المكثف للفرقة التاسعة المدرعة في بعض مناطق بغداد، لا سيما المحيطة بالمنطقة الخضراء لم تجابه عنصراً واحداً من عناصر الفصائل الولائية، في الوقت الذي يؤكد فيه الكاظمي برسالة بعثها إلى هادي العامري عبر حيدر العبادي، أنه يمتلك “معلومات عن الجهات المتورطة بإحداث الفوضى الأمنية التي حصلت أخيراً”.

ومع أن أول رد فعل دولي على الهجوم جاء من الولايات المتحدة الأميركية في بيان لوزارة الخارجية تدين فيه “بشدة استهداف صميم الدولة العراقية”، وعرضت المساعدة على السلطات العراقية في التحقيق لهذا الهجوم، لكن سماء العراق بالكامل، خصوصاً المنطقة الخضراء، تحت السيطرة العسكرية الأميركية، فكيف لم ترصد فوراً هجوم تلك الطائرات المسيرة؟ ولماذا بعد 48 ساعة يأتي تصرح المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جون كيري؟ الذي قال إن “الميليشيات المدعومة من إيران تقف وراء محاولة الاغتيال”.

واللافت للنظر أيضاً الموقف الإيراني، إذ نددت وزارتها الخارجية بهذا الهجوم الذي لم يحدث من عام 2003 على حد بيانها، إضافة إلى قول أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني إن “محاولة اغتيال الكاظمي فتنة جديدة نفذتها جماعات إرهابية”. كأن إيران لا صلة لها بأطراف النزاع، ولا تعلم شيئاً عن تلك “الجماعات الإرهابية”، وهي الراعي والداعم الرئيس للإرهاب في العراق والمنطقة.

وعلى نمط شمخاني، صرح نوري المالكي وعمار الحكيم ومحمد الحلبوسي ومن لف لفيفهم، ليبقى هادي العامري وقيس الخزعلي وعبدالعزيز المحمداوي (أبو فدك) وشبل الزيدي وباقي الجوقة الولائية المسلحة في المرمى وحدهم.

وكالعادة ظهر فجأة في بغداد قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني واجتمع مع أتباع إيران، فتحرك على الفور عمار الحكيم وتمكن من عقد لقاء عاجل بين الرئاسات الثلاث وقيادات الإطار التنسيقي الشيعي، فاتفقوا على رفض إشراك الولايات المتحدة في التحقيق بعملية الاغتيال الفاشلة للكاظمي، لكنهم فشلوا في الخروج من الأزمة ضمن حل عراقي عام وفق ما أراد قاآني، وأصدروا بياناً خالي الأفق، بل الخزعلي طالب بإعادة الانتخابات وشكك في رواية الحكومة بمحاولة اغتيال الكاظمي، متهماً فيها إسرائيل عبر تنسيق أميركي.

وهكذا يزداد شد الحبل بين هذه الأطراف ضمن المساحة المتاحة لهم، مع أن ملامح الموقف في واشنطن وطهران تميل إلى قبول نتائج الانتخابات، مما يعني التحجيم السياسي لتلك الفصائل المسلحة الولائية التي لا رصيد شعبي لها جراء إجرامها وقتلها لعموم العراقيين، كما أنها لا تريد التراجع عما حصلت عليه من امتيازات فذة تنعم فيها منذ سنوات، فهل الوضع مقبل على تصعيد خطر أم أن لعبة جر الحبل ليست أكثر من مشهد مسرحي متطور، خصوصاً أنه لم يشهد أحد تشييع جثمان أي قتيل بالتظاهرات من الأحزاب الخاسرة بالانتخابات!

شاهد أيضاً

لبنان- إسرائيل: لا عودة الى ما قبل “طوفان الأقصى”

بقلم: علي حمادة- النهار العربيالشرق اليوم– تسربت معلومات دبلوماسية غربية الى مسؤولين لبنانيين كبار تشير …