الرئيسية / مقالات رأي / دروس من الفشل الأمريكي

دروس من الفشل الأمريكي

بقلم: د. عبدالرزاق الدليمي – صحيفة “الدستور” الأردنية

الشرق اليوم – رغم استمرار التراشق (الدعائي) حول مبررات ودواعي الانسحاب الأمريكي من أفغانستان إلا أن الحقيقة تؤكد أن القرار جاء باتفاق الحزبين الجمهوري والديمقراطي، مع استمرار ممارسة عملية الاتهامات والمواقف السياسية حول من يقع اللوم، إلا أن السؤال الذي لا يناقشه أحد هو لماذا استمرت الإدارات المتعاقبة لكلا الحزبين على مدى سبعون عاماً في شن حروب لا تنتصر أمريكا فيها فحسب، بل إنهم يواصلون عدوانهم لسنوات حتى عندما يعلمون أنهم لا يستطيعون الفوز فيها، رغم أن من وضع الأهداف في تلك الحروب جعلها مربكة ومرنة، إذا نظرنا إلى الوراء في تاريخ العدوان على أفغانستان منذ عام 2002، يبدو واضحاً أن المسؤولين لم ولن يدركوا تماماً ما كانوا يفعلوه هناك أو كيف فعلوا ذلك، ومع ذلك، فقد بقوا 20 عاماً دموية كلفتهم آلاف من القتلى وكذا ترليون دولار كان ممكن أن تنفق لتحسين وضع المجتمعات الأمريكية المتهاوية.
أمريكا وسلوكها العدواني معروف للجميع أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة تدخل في هذه الحروب بناء على توصيات الرؤساء المتأثرين بموظفيهم، ومعظمهم يتم اختيارهم من قبل الرئيس ويستشيرهم بكل صغيرة وكبيرة بل وأنهم يوجّهون بوصلة آرائه وثم قراراته، لاسيما العسكرية منها، ومن الأمثلة على ذلك قرار خليج تونكين، كان جرين بيريتس مكلف أمريكياً بتقديم المشورة للقوات المسلحة الفيتنامية الجنوبية، وكانت القوات الجوية الأمريكية تقصف طرق الإمداد الفيتنامية الشمالية في لاوس، وكانت القوات البحرية تدعم الغارات الفيتنامية الجنوبية على الساحل الفيتنامي الشمالي.
وقبل تفويض أكتوبر 2002 باستخدام القوة ضد العراق، كانت أمريكا وحلفائها يديرون ما أسموه «منطقة حظر طيران»، ولديهم قواعد عسكرية في عدة دول مجاورة، وهي إشارة واضحة إلى أنهم كانوا مستعدين لاستخدام القوة العسكرية بصرف النظر عن المبررات الواهية، كثير منا يتذكر كيف كانت وكالة المخابرات المركزية تساعد طالبان في محاربة السوفييت وزودتهم بالأسلحة المتطورة، وبعد مسرحية أحداث سبتمبر 2001، كان الرئيس بوش يتحدث علانية عن «الحرب على الإرهاب». كانت المناقشات التي دارت حول هذه الحرب مليئة إلى حد كبير بالشوفينية والأكاذيب ولغة تحقير الآخر. الملفت أن معظم الأمريكيين وبسبب الضجيج والتضليل لماكنات الدعاية الأمريكية لا يهتمون كثيراً بأي من هذه الأحداث حتى بعد سلسلة من التصعيد، حيث يتجاوز الألم القومي بعض الصعوبات في تحديد الاتجاه ودفعوا الشعب الأمريكي للمطالبة بالخروج من هذه الأزمات والكوارث المفتعلة، مع ملاحظة أن صناع السياسة (مطبخ مستشاروا الرئيس) عادة لا يريدون الخروج، وتتراوح مبرراتهم من الإيمان الحقيقي بأهداف شنهم الحرب إلى خوف الذات من إلقاء اللوم عليهم بالفشل وما يترتب على ذلك من ضرر لحياتهم السياسية ومصالحهم أو البيروقراطية.
وحول أكذوبة المصالح الأمريكية، كثيراً ما نسمع عن شن العدوان على الآخرين للدفاع عن «المصالح الأمريكية»، هناك مجموعة من المصالح الأمريكية تتراوح من حماية المواطنين الأمريكيين في الخارج إلى حماية التجارة والأسواق الأمريكية، وإذا كانوا دعاة الحروب صادقين، فإن معظم السياسة الخارجية للولايات المتحدة تركز على الجانب الأخير، نعم، لا يختلف اثنان وجود حاجة للدفاع عن المصالح الأمريكية، ولكن يمكن تحقيق ذلك بالأدوات القوية لوزارات الخارجية والعدل والتجارة والخزانة وأجهزة المخابرات، وليس بالقوة العسكرية المفرطة، نعم، الجميع يرى حاجة لمطاردة الإرهابيين، لكن الملفت أن الإرهابيين لا يحاولون تدمير أسس الديمقراطية الأمريكية، إنهم يستخدمون ما يسمى بالإرهاب عموماً لمحاولة تغيير السياسة الخارجية الأمريكية الكارثية التي تستهدف قتل الأبرياء بهجمات ترمز للغاية أنهم يهاجمون من فجروا البرجين التوأمين والبنتاغون والصحيفة الساخرة تشارلي إبدو، أو أنهم يحاولون تخويف الناس من استخدام الطائرات، لا نختلف في تحديد كون هذه الأعمال إجرامية، وهذه المحاولات لا تستهدف الإطاحة بنظام الولايات المتحدة الأمريكية، ولا تهدد القيم التي طالما أغرقوا أسماعنا بها؛ ولا يهددون حياة الأمريكيين والنعيم الذي يعيشون به، وحقيقة الأمر أن السياسات الحمقاء الطائشة لصناع القرار في البيت الأبيض منحوا ما يسموهم الإرهابيين، مكانة «المحاربين»، مما يساعدهم في جهود التجنيد والدعاية وبناء معنوياتهم. علاوة على ذلك، كما إن احتجاز من اتهموا لسنوات «كأسرى حرب» بدون محاكمة هو انتهاك مباشر للقيم التي تدعي بها كذباً ونفاقاً الإدارات الأمريكية كان وسيبقى يساعد في تأجيج تجنيد كل المتضررين في العالم من السياسات العدوانية الأمريكية.

شاهد أيضاً

أمريكا تتوسط لفرنسا عند إسرائيل!

العربية- عبداللطيف المناوي الشرق اليوم– يقترب لبنان وإسرائيل من التوصل إلى هدنة، بجهود أمريكية وفرنسية، …