الرئيسية / مقالات رأي / سلطة الجغرافيا تُنصف ليبيا

سلطة الجغرافيا تُنصف ليبيا

بقلم: جمال الكشكي – الشرق الأوسط

الشرق اليوم– ماذا لو توقف التاريخ لحظات ليسأل البطل عمر المختار، عن الأوضاع في ليبيا الآن؟ تُرى ماذا ستكون إجابته؟

سؤال افتراضي… لكن قطعاً قبل أن يجيب، فمن المؤكد أنه سيبدي استياءه وغضبه وحزنه، على ما آلت إليه أحوال البلاد والعباد في ليبيا، وإجابته ستصبّ في الأهداف المنشودة الآن بشأن استعادة ليبيا، ومقدرات شعبها؛ فهذا البطل لن يرضيه ما حدث خلال السنوات العشر الماضية، من محاولات لتمزيق النسيج الاجتماعي والسياسي والجغرافي لبلاده، التي أفنى عمره فيها حتى استطاع تحريرها من قبضة الاحتلال الإيطالي عام 1951.

الآن، تعيش ليبيا محاولات استلهام روح وإرادة وكفاح بطلها مرة ثانية، للخلاص من استعمار من نوع آخر، استعمار يتعلق بمحاولات اختطاف السيادة، وتمزيق الخرائط، وتشويه الهوية.

التاريخ به دروس مستفادة كثيرة، من استطاع طرد الاحتلال، فإنه قادر، ويستطيع، ويملك القدرة والأدوات على استعادة استقرار بلاده. كل الشواهد الحالية تقول، بأن هناك إرادة ليست ليبية فقط، إنما إرادة دولية لإنقاذ ليبيا من الانحدار إلى الهاوية.

سلطة الجغرافيا تُنصف التاريخ الليبي، الجميع له مصالح في الاستقرار الليبي، الولايات المتحدة الأميركية تراه وسيلة لقطع الطريق أمام أي قوى منافسة، القارة العجوز لم تحتمل الزحف المتواصل لموجات الهجرة غير الشرعية، أفريقيا في حالة طوارئ دائمة؛ خشية تمدد وتسرب العناصر الإرهابية من ليبيا إلى دول الجوار الأفريقي.

الأحداث تسابق الزمن، أسابيع قليلة تفصلنا عن يوم 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، الموعد المقرر لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية الليبية، أختام الجدية تطبع بصماتها على أوراق الجهات المسؤولة، مجلس النواب أصدر قانون الانتخابات، والمفوضية العليا لشؤون الانتخابات، تتخذ كل ما يلزم من أجل الوفاء بتنفيذ هذه الاستحقاقات، عقارب الساعة الليبية تسير إلى الأمام، الليبيون يحبسون أنفاسهم، وآمالهم تراهن على الإقامة في أجواء سياسية غير ملوثة، سيما أن هناك أفكاراً مسمومة، وآراء مغلوطة، وجماعات ذات أهداف خاصة، لا تروق لها عودة ليبيا إلى استقرارها، لكن النتائج لم تأت في صالح هذه الأفكار والجماعات.

من يقرأ شواهد المشهد الليبي، يتأكد له أن هناك أشواطاً كثيرة تم قطعها، وأن الطريق إلى الاستقرار مليئة بالجدية والإرادة الدولية الحقيقية، القاهرة شهدت الأيام الماضية اجتماعاً للجنة 5+5 مع المبعوث الدولي للأمم المتحدة يان كوتبش، وممثلي الدول التي تجاور الجنوب الليبي؛ وذلك بهدف تنفيذ مخرجات برلين1، وبرلين2، والقرار الأممي 2570، الذي يؤكد ضرورة إخراج الإرهابيين والمرتزقة، والقوات الأجنبية، سيما أن التقديرات الدولية تؤكد وجود نحو 26 ألف عنصر أجنبي، في الجنوب الليبي، ينتمون إلى المعارضة في تشاد، والنيجر ونيجيريا.

ما جرى بالقاهرة ليس بعيداً عما شهدته العاصمة الإيطالية روما، في قمة مجموعة دول العشرين، من دعم فرنسي وأميركي كامل، لاستكمال مراحل خريطة الطريق، وإجراء الاستحقاقات الانتخابية، يتزامن هذا مع الاستعدادات الفرنسية المكثفة لعقد مؤتمر دولي في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، يضم الدول والمؤسسات الدولية والإقليمية التي شاركت في برلين الأولى والثانية، فضلاً عن مشاركة دول الجوار الليبي للمرة الأولى في هذا المؤتمر.

تتجلَّى الإرادة الدولية أيضاً في إصرار الأمم المتحدة على وقف إطلاق النار، الذي بدأ في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2020، وذلك بإرسال بعثات المراقبين الدوليين للإشراف ومتابعة ذلك.

اللافت هنا، أن كل الخطوات السابقة تتزامن مع اجتماعات دول الجوار الليبي، التي تم استئنافها في الجزائر الشهر الماضي، بعد أن توقفت منذ ما يقرب من سبعة أشهر كاملة، وهذه الاجتماعات تضمنت دعماً مباشراً لوحدة واستقرار الدولة الوطنية الليبية.

هذا فضلاً عن ضرورة التوقف وقراءة رسائل مؤتمر دعم استقرار ليبيا، الذي عُقد في العاصمة طرابلس، وشهد مشاركة عربية ودولية واسعة، وجاء هذا المؤتمر بمثابة رافعة سياسية في الوقت المناسب، للضغط على الأطراف التي تحاول عرقلة مسيرة الشعب الليبي.

إذن، نحن أمام تحركات تعكس إرادة دولية وإقليمية وعربية، تهدف إلى إنقاذ الدولة الليبية من عثراتها، وتسعى إلى الخلاص من بؤر التأزيم، وعدم الاستقرار في كل ربوع البلاد؛ الأمر الذي يضع الشعب والمكونات الليبية أمام مسؤولياتهم التاريخية، وهنا أرى مسارات عدة يجب العمل عليها حتى تصل إلى موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

يأتي في مقدمة هذه المسارات، ضرورة إلزام جميع الأطراف الليبية بالاعتراف بنتيجة الانتخابات، حتى لا تصبح ليبيا أسيرة لسيناريو عام 2014، عندما رفض تنظيم جماعة الإخوان الإرهابي نتائج الانتخابات آنذاك؛ الأمر الذي تدفع ثمنه البلاد إلى الآن.

أما المسار الثاني، فيتعلق برفع الغطاء السياسي عن الدول التي لا تزال ترسل مجموعات إرهابية ومرتزقة تحت مسميات مختلفة، وهذا يتطلب تحركات تتسم بالشفافية والوضوح من المجتمع الدولي، لقطع الطريق أمام أي محاولات إفشال المسار السياسي الذي رسمه الليبيون بأنفسهم.

يأتي المسار الثالث ليضعنا أمام مسؤولية العمل على إجهاض محاولات دمج أو إبقاء أو منح الجنسية لبعض المرتزقة تحت مسميات خفية، وهذا ما يدار في الخفاء، في محاولة للالتفاف على الخطوات التي تعمل على إخراج المرتزقة، بكل مسمياتهم وجنسياتهم ومصادر استقدامهم.

بينما يتمثل المسار الرابع في البناء على ما تحقق في اجتماعات 5+5، وتوحيد المؤسسة العسكرية، وباقي المؤسسات المتنازع عليها بين الشرق والغرب، وفي مقدمتها البنك المركزي، لما يمثله من رافد قوي للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، والبدء الفوري وعدم الانتظار فيما يتعلق بمشروعات إعادة إعمار وبناء الدولة، لما له من تأثير إيجابي سريع يضفى حالة الاستقرار والاطمئنان، وتوحيد النسيج الاجتماعي والقبلي بين أبناء الشعب الليبي.

أخيراً، أرى أن المسار الخامس يتطلب تحركاً فورياً يتزامن مع المسارات السابقة، لمساعدة الشعب الليبي في استعادة أمواله المجمدة في الخارج، بما يسهم في تعافي الاقتصاد الليبي والإسراع بخطوات إعادة الإعمار.

شاهد أيضاً

سوريا وروسيا.. الفرص الناشئة

بقلم: عبدالحميد توفيق- العينالشرق اليوم– تدرك موسكو أن سوريا تشكل أحد التحديات الاستراتيجية المهمة التي …