الرئيسية / مقالات رأي / مصر من دون طوارئ!

مصر من دون طوارئ!

بقلم: محمد صلاح – النهار العربي

الشرق اليوم- من المؤكد أن حدثاً بحجم وقف حالة الطوارئ في بلد مرّ عليه الربيع العربي قبل عقد من الزمن يُعد تطوراً نوعياً مهماً، خصوصاً أن ملف حقوق الإنسان لم تتوقف قوى المعارضة والتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها جماعة “الإخوان المسلمين” عن استخدامه للضغط على الأنظمة والحكومات المتعاقبة، بل وتحريض الجهات الخارجية، عن الاستناد اليه لفرض عقوبات على مصر. نعم حرم قرار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بالامتناع عن تمديد حالة الطوارئ في البلاد للمرة الأولى منذ أربعة عقود كاملة، “الإخوان” وباقي التنظيمات الإرهابية والجهات المعادية لمصر، اللعب في ساحة ظلوا جميعاً يرتعون فيها بعدما اخترق “الإخوان”، على مدى عقود، منظمات وجهات حقوفية إقليمية ودولية، زرعوا خلالها عناصر منهم وناشطين حصلوا على ميزات بعلاقاتهم بتلك المنظمات.

كان طبيعياً أن يُستقبل القرار بترحيب من الأوساط الشعبية داخل مصر، على رغم أن المواطن المصري البعيد من الارتباط بـ”الإخوان” مثلاً لم يتأثر أصلاً بموضوع الطوارئ، لكن لأن حالة الطوارئ تمنح الشرطة وأجهزة الأمن سلطات استثنائية في بعض الأحوال، كما أن بعض القضايا الكبرى كانت تُحال على محاكم أمن الدولة أو الجنايات تحت لافتة قانون الطوارئ وأحياناً يحصل المتهمون فيها على البراءة بعدما يكونون قد دفعوا ثمن جريمة لم يرتكبوها بالبقاء رهن الحبس الاحتياطي لفترات طويلة، فإن كل ردود الفعل الشعبية كانت إيجابية. ربما أيضاً لأن القرار عكس تخطي مصر مرحلة الخطر ونجاتها من آثار وتداعيات وشظايا الربيع العربي، بعدما اعتقد بعض المحللين والخبراء والمنظرين أن الأمر يحتاج إلى عقود حتى تعود الأوضاع إلى طبيعتها، وأن الاستقرار والتماسك والتلاحم المجتمعي لن يأتي قبل أن تترسخ خريطة جديدة يجري العمل على رسمها للمنطقة، لكن يبدو أن قناعات هؤلاء بدأت تتغير بعد نجاة مصر من مصير آلت إليه دول أخرى كليبيا وسوريا واليمن. وجاء قرار السيسي ليشير إلى أن مرور الأيام والأسابيع والشهور والسنوات في ظل عمل مستمر للنهوض بالدولة في مختلف المجالات كفيل بإنهاك “قوى الشر” وفقدها ما لديها من آليات تستخدمها في سعيها إلى إحداث إنهيار البلد ونشر الفوضى في المنطقة.

المثير للسخرية أن “الإخوان” هاجموا القرار، تماماً مثلما يفعلون عند القبض على مرتكبي الجرائم الإرهابية، أو مع كل إجراء يخفف المعاناة عن المواطنين، أو بعد افتتاح كل مشروع جديد. من هنا يمكن فهم أسباب التسخين الدائم والدوران في فلك مشاكل تحدث في مجتمعات أخرى وتمر مرور الكرام، لكنها حين تقع في مصر تتحول إلى أزمات أو معضلات حيث يتم تجييش وسائل إعلام ومنظمات حقوقية لتطغى على السطح مشاكل من نوعية اعتداء شرطي على مواطن أو العكس، إذ يعتقد الإرهابيون أن خبراً ولو كاذباً أو معلومةً ولو مفبركةً أو شائعة ولو مفضوحةً تُطلق عبر قناة محرضة أو موقع إلكتروني يدار بواسطة خلايا إلكترونية “إخوانية” أو صحيفة تُدار بواسطة جهة استخباراتية، أمر كفيل بأن يدفع عشرات الآلاف من الناس إلى هذا الميدان أو ذاك لتنفيذ هذا التأثر أو تلك الناشطة ومساندة هؤلاء المناضلين أو مناصرة الحرائر!.

هكذا تبدو مصر أكثر استقراراً من أي وقت مضى بعد الربيع العربي … تغيّر الحال وأصبح الناس أكثر وعياً وقدرة على وزن الأمور والتمييز بين التحريض والتنبيه وبين نشر الأكاذيب وإعلان الحقائق وكشف الناشط الذي يركب موجة الفوضى ويمارس السياسة بعباءة الإعلام مدعياً الحياد وامتلاك الحقيقة. صار الناس حين يطالعون معلومة يبحثون عن مصدرها بمجرد أن تُبث عبر فضائية “إخوانية” أو تنشر بواسطة “ثورجي” حتى لو كان يقول لهم “صباح الخير”، وبتكرار الأكاذيب عرف الناس أسماءً وصحفاً وقنوات ومواقع إلكترونية وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، صفراء ليس فيها إلا كل ما هو كاذب أو معلومات “مؤذية” أو تقارير “مضروبة”.

يمكن القول الآن إن الناس في مصر تعافت من أمراض مرحلة الفوضى وتخطت مرحلة الاستشفاء إلى مرحلة مواجهة المرض والانتصار عليه! أما عبارات من نوع: “أنا مع الجيش وانتخبت السيسي لكن الآن أشعر بالخطأ” فأصبحت لا تفرق كثيراً عن عبارة “أنا مش إخوان بس باحترمهم” وتغريدات بعض الناشطين المقيمين في الخارج وصفحات الكوميكس و”تلميحات جيش المعكرونة” لم تعد مضحكة، أما قصص “الشباب في السجون” و”الاختفاء القسري” و”الاحتجاج اللاإرادي”، فصارت لا تؤتي بنتيجة إلا حملة مضادة ضد كل من يروّجها، وقصص “التعذيب في السجون” والكلام عمن “حبسوا الأطفال” تماماً مثل التطور الطبيعي لقصص “الجيش بيقتل الأطفال” التي لا فرق بينها وبين حكايات: مرسي يذهب ليصلي في القدس ويرجع للزنزانة”.

الخلاصة أن وقف تمديد الطوارئ أثبت أن مصر تجاوزت تأثيرات الربيع العربي التي كانت دمرت الأرض والبنايات والحوائط والشوارع والأحياء والمدن في دول وأثرت بشدة في الاقتصاد في مصر وأضرّت أيضاً بوعي المواطن لفترة اختلطت فيها الأوراق وتداخلت خلالها كل الخيوط واشتبكت أثناءها كل المفردات، فهذا المواطن أدرك أن الثورة مع الجهل لن تفضي إلا إلى فوضى وإخفاق وضياع، فكان أن استعاد المواطن عافيته وقرر مواجهة المرض وتداعياته والانتصار عليه بل وحصاره… ونفيه أو سجنه من دون حالة طوارئ!.

شاهد أيضاً

كيسنجر يطارد بلينكن

بقلم: غسان شربل – صحيفة الشرق الأوسط الشرق اليوم- ذهب أنتوني بلينكن إلى جامعة هارفارد. …