الرئيسية / مقالات رأي / The New York Times: ما بعد زوكربيرغ

The New York Times: ما بعد زوكربيرغ

By: Kara Swisher 

الشرق اليوم – فلنتحدث في صلب المسألة مباشرةً ونتساءل عمّن سيحل محل مارك زوكربيرغ الرئيس التنفيذي لشركة «فيسبوك»؟ قبل أن تقول «رويدك يا كارا»، دعني أخبرك أنه لا يمكن العودة إلى الوراء، سواء أكان رائد الأعمال الشهير يعلم بذلك أم لا. إنه لن يرحل بالطريقة التي اعتدنا أن نرى القادة يرحلون بها عن الساحة، لأن زوكربيرغ سوف يواصل تحكمه في كل القوة الفعلية في «فيسبوك» للمدة التي يريدها بسبب ما يمتلكه من نفوذ وتحكم في الأسهم. مع ذلك، لقد مضى وانقضى زمن كونه قائداً محبوباً ونموذجاً ومعياراً ثقافياً في الشركة.

لطالما تم اعتبار العاملين في شركة «فيسبوك» الموظفين الأكثر إذعاناً في منطقة وادي السيليكون؛ حيث لم يقم أي منهم بتسريب أي معلومات، لكن السيل المستمر من اتصالات العاملين الداخلية المتضمنة في آلاف الوثائق، التي كشفت عنها فرانسيس هوغان، يوضح أن عدداً من موظفي «فيسبوك» باتوا يفعلون ذلك؛ حيث كتب أحدهم: «ليس من الطبيعي بالنسبة لعدد كبير من الناس في فريق (حماية الموقع) المغادرة، والقول؛ للعلم نحن نجعل العالم أسوأ».

قد أدارت هوغان عملية عرض المعلومات التي كشفتها، كما لو أنها غزو نورماندي؛ حيث اتسمت المحاولة بالتنسيق، بداية بالكشف الكبير في مجلة «وول ستريت جورنال»، ومروراً بمقابلتها التي تحدثت خلالها بصراحة في برنامج «60 دقيقة»، ووصولاً إلى إنشاء مجموعة من المؤسسات الإخبارية تضمّ صحيفة «نيويورك تايمز» لفحص الوثائق. كذلك التزمت هوغان بالوضوح الأخلاقي، فقد قالت خلال إدلائها بشهادتها أمام لجنة فرعية في مجلس الشيوخ والبرلمان البريطاني ما يكفي ليكون مدمراً، لكنه في الوقت ذاته ليس بالكثير الذي يشوه ويدنس صورتها الصادقة النقية. ويعد إخبارها لكاتب عمود في صحيفة «التايمز» أنها لا تعتمد على أي دعم مالي من أي مؤسسة، لأنها قامت بعمل استثمارات في العملات الرقمية المشفرة في التوقيت المناسب هو النقطة الفضلى في الموقف كله.

مع ذلك لا تمثل هوغان النقطة المحورية في المسألة هنا، فقد أوضحت لنا أن إدارة «فيسبوك» لطالما كانت صمّاء ولا تهتم بالضرر الذي تحدثه منتجات الشركة، بحسب ما توضح الأبحاث الخاصة بالشركة ذاتها، رغم الالتماسات المقدمة من العاملين المختصين. في حين أنه لم تسفر الاتهامات السابقة الموجهة لـ«فيسبوك» وزوكربيرغ بأنهما يهتمان بالأرباح والنمو على حساب الأمان والسلامة عن أي نتيجة في بعض الأحيان؛ حيث لم يكن لدى «وول ستريت» مشكلة مع الشركة، تعد هذه رسالة من الصعب تجاهلها حالياً، فقد جاءت في لحظة يسود فيها الشعور بعدم اليقين إزاء مستقبل الديمقراطية. وسواء أكنت من تيار اليمين أو اليسار حتى تيار الوسط، هناك شعور بوجود شيء ما منحرف في هذه الدولة وهذا العالم، ويجب أن يتم تحميل مسؤولية ذلك الأمر لأحدهم أو لشيء ما.

لن يكون من العدل اتهام «فيسبوك» بالمسؤولية الكاملة عن التسبب في كل تلك الصور من معاناة وآلام البشر، لكن مما لا شك فيه أنه قد أتاح أدوات قوية لأشخاص سيئين حاقدين، وأنه لا يفعل ما يكفي للتخفيف من الضرر الحتمي الناتج عن ذلك. يشبه ذلك منح أب أو أم سكيناً لطفل، بينما يأملان حدوث الأفضل. وقد كتب أحد العاملين في شركة «فيسبوك» عن تعامل الشركة مع الهجوم على مبنى «كابيتول» (مبنى الكونغرس) في 6 يناير (كانون الثاني) الماضي: «لن يحكم التاريخ علينا بشكل جيد». وكما توضح الوثائق، لم تكن الشركة مقصّرة ومتقاعسة فحسب، بل لقد ساهمت بجعل الأمور أسوأ؛ حيث تخلت على سبيل المثال عن تطبيق الإجراءات الاحترازية التي تطبقها قبل الانتخابات الأميركية، والتي تضع قيوداً على المعلومات المغلوطة المضللة المنشورة على المنصة، وهو ما لا يجعل الموقع طرفاً فاعلاً مستقلاً يمثل منصة تفاعل فحسب، كما يحب أن يدعي.

ويشير الموقف العدواني لزوكربيرغ أثناء اجتماع إعلان النتائج المالية للشركة العملاقة في مجال التواصل الاجتماعي، إلى أنه يواجه مستوى جديداً من الضغط. كان هذا ليكون الوقت المناسب لتقديم الاعتذار المسجل الذي عادة ما يقدمه في الأوقات العصيبة، لكن لم تعد الأمور تسير على هذا النحو؛ حيث يطنطن هو وآلة العلاقات العامة للشركة بعبارات تنمّ عن سخط وامتعاض ومرارة. وقال زوكربيرغ: «أرى أن ما نراه هو محاولة منسقة لاستخدام الوثائق المسرّبة بشكل انتقائي لتقديم صورة زائفة لشركتنا».

يعود بنا ذلك إلى وظيفة الرئيس التنفيذي؛ فبحسب كثير من المصادر، سوف تتجه شركة «فيسبوك» نحو تعديل هيكلها بشكل يجعلها شركة قابضة ذات اسم لطيف عذب، وعلى رأسها زوكربيرغ. وكما كتبت مؤخراً، هذا ما فعلته شركة «غوغل» عندما تحولت إلى «ألفابيت». ولعل إبعاد زوكربيرغ عن الأذى هو أفضل استراتيجية نظراً، لأن المشكلة قد أصبحت تتجسد في شخصه مثل أكثر مؤسسي الشركات. نحن نحتاج إلى وقت كي ننسى سقطاته وزلاته ونعيد اكتشاف صفاته، في حين سيتولى رئيس تنفيذي آخر فرع «فيسبوك» ويتحمل كل ما يحدث لها.

ستكون أفضل خطوة هي الاستعانة بشخص لا ينتمي إلى الدائرة الداخلية الخانقة التي أنشأها زوكربيرغ خلال العقد الماضي؛ حيث تتكون هذه المجموعة من أشخاص يتفقون معه دائماً، فهل يستطيع أحد من هذه العصابة إحداث تغييرات ضرورية؟ مع ذلك، أشك في أن زوكربيرغ يستطيع تقبل وجود شخص دخيل مثل براد سميث رئيس «مايكروسوفت»؛ حيث سينأى مثل هذا الشخص بنفسه أو ستنأى بنفسها عن الفوضى، ويعلن أو تعلن أن مهمته أو مهمتها هي تنظيف أرض «فيسبوك» المذهلة. بدلاً من ذلك سوف يختار زوكربيرغ شخصاً من الداخل يثق به بالفعل.

من المحتمل أن يكون هذا الشخص هو آدم بوسورث، المسؤول التنفيذي القديم الذي تم ترقيته لمنصب كبير مسؤولي التكنولوجيا مؤخراً؛ أو ربما يكون كريس كوكس، كبير مسؤولي المنتج، الذي عاد إلى الشركة بعد مغادرته لها لمدة عام. ومن الأشخاص المرشحين أيضاً ديفيد ماركوس، وهو مسؤول تنفيذي آخر أكثر ميلاً إلى الهدوء، يتولى الإشراف على منتجات الخدمات المالية للشركة.

بطبيعة الحال، يمكن لزوكربيرغ الصمود والتمسك برأيه وموقفه، والأمل في حدوث الأفضل كما فعل من قبل؛ حيث لا تزال «وول ستريت» تحبه، فنتائجه المالية تشع بريقاً، ومجلس إدارته الصامت على نحو يثير الفضول مستعد للتواطؤ معه فيما يريد؛ وهو رجل عنيد للغاية.

بالتأكيد هناك مزيد مما يمكن اكتشافه من وثائق هوغان، وربما يكون هناك مزيد من التحقيقات، لكن مياه مواقع التواصل الاجتماعي قد تلوثت بالدم بالفعل الآن، وهو ما يعني أن أسماك القرش ستأتي. وما يعلمه زوكربيرغ عن أسماك القرش جيداً، نظراً لكونه محباً للتزلج على الماء، هو أن المرء لا يراها إلا بعد فوات الأوان.

شاهد أيضاً

روسيا التي لا تساند أحداً… علاقة غير عادلة مع إيران

بقلم: يوسف بدر – النهار العربي الشرق اليوم– في مقالته في صحيفة “وول ستريت جورنال” …