الرئيسية / مقالات رأي / التغير المناخي.. وخطره الوجودي على الإنسانية

التغير المناخي.. وخطره الوجودي على الإنسانية

بقلم: هشام ملحم – الحرة

الشرق اليوم- الصور قاتمة، والإحصاءات مقلقة، والنزاعات المتوقعة مخيفة: أعاصير وطوفانات دورية، وأقوى من أي وقت مضى، حرائق وموجات حرّ تقضي على المحاصيل، وجفاف يهدد الأنهار التي برزت على ضفافها الحضارات الكبيرة، وموت بطيء للأرياف يلحقه عادة موجات من المهاجرين الجدد داخل البلدان، وعبر الحدود الدولية.

والتنافس بين الدول على الموارد الطبيعية والثروات المائية والنقص في المواد الغذائية سوف يتفاقم، ويؤدي إلى خلق نزاعات عسكرية جديدة. المستقبل قاتم على الأخص لعدد من الدول من بينها دول نفطية مثل العراق والجزائر، لأن انحسار عائداتها النفطية في المستقبل سوف يهدد قدرتها على توفير احتياجاتها الأساسية.

قد يبدو هذا السيناريو الداكن كأنه مكتوب لفيلم خيال علمي، Science fiction، ولكنه يمثل في الواقع التقويم الرئيسي للوزارات والأجهزة الأمريكية، من بينها وزارتا الدفاع والأمن الوطني ومكتب مدير الاستخبارات الوطنية الذي ينسق عمل جميع أجهزة الاستخبارات الأمريكية.

هذه الأجهزة أصدرت خلال الأيام الماضية سلسلة من التقارير المفصلة بشأن الأخطار المتنامية لتغيّر المناخ، الذي قال الرئيس جوزف بايدن يوم الخميس إنه يمثّل “الخطر الوجودي على الإنسانية”.

توقيت إصدار هذه التقارير يعكس رغبة إدارة الرئيس بايدن بالتأكيد للأمريكيين، وللعالم، أن التصدي لهذا الخطر الوجودي من أبرز أولوياتها الملحة، وذلك قبل أيام من مشاركة بايدن في القمة الدولية حول التغيّر المناخي التي ستشرف عليها الأمم المتحدة في مدينة غلاسكو في المملكة المتحدة في نهاية الشهر الجاري.

ولكن الرئيس بايدن لن يستطيع إعادة وضع الولايات المتحدة في مركز متقدم بين الدول الصناعية في مجال وقف الاحتباس الحراري في العالم بسبب معارضة الجمهوريين لخططه المتعلقة بمكافحة التغيير المناخي. هذه الخطط لم يوافق عليها الكونغرس حتى الآن.

وللمرة الأولى يصدر عن وزارة الخزانة تقرير يتطرق إلى “الخطر المتنامي” للتغير المناخي على استقرار النظام المالي الأمريكي، وخاصة الأخطار التي تمثلها الحرارة العالية والأعاصير والحرائق والفيضانات التي تؤدي إلى إصرار مادية كبيرة وانحسار العائدات وعرقلة الأنشطة الاقتصادية وكيفية تقويم الأملاك والعقارات.

يشير تقرير وزارة الدفاع عن التغير المناخي إلى أن ارتفاع المياه في المحيطات، بسبب ازدياد وتيرة ذوبان الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي، ألحق أضرارا مادية بالقواعد العسكرية الأميركية الساحلية. كما أن التغير المناخي في القطب الشمالي بدأ يغير، وبشكل جذري، المناخ في تلك المنطقة الاستراتيجية، مما أدى إلى خلق حدود وطرق بحرية جديدة مع ذوبان الجليد ومنافسة جيو-استراتيجية مع روسيا الاتحادية التي ستستفيد تجاريا من قدرة السفن على الإبحار بين آسيا وأوروبا قرب حدودها، متجاهلة بذلك قناة السويس.

وفي منطقة المحيطين الهندي والهادئ سيؤدي ارتفاع مياه المحيطات إلى الإضرار بقدرة الولايات المتحدة على الدفاع عن قواعدها العسكرية في مناطق مثل غوام وجزر المارشال، وبالوا، مما يعني زيادة التنافس مع الصين.

وسوف تؤدي التغييرات في أنماط الإنتاج الزراعي بين منطقة جغرافية وأخرى إلى التأثير على أسعار الأغذية وتوفرها، مما سيؤدي إلى نقص الأغذية، والاضطرابات الناجمة عن ذلك في مناطق أخرى من العالم. كما أن التأثير السلبي على النظم البيئية البحرية سيؤثر بدوره على صناعة صيد الأسماك والأمن الغذائي في العالم، مما يزيد من احتمالات التوتر السياسي بين الدول. وحتى نمط انتشار الأمراض عبر الحدود مثل الملاريا سوف يتغير مع التغير المناخي.

القحط والجفاف وارتفاع الحرارة الناتجة عن التغير المناخي أدت إلى تغيير في أنماط هطول الأمطار، الأمر الذي سيزيد من صعوبة حل النزاعات بين الدول التي تعبرها أنهار كبيرة مثل النيل ودجلة والفرات والميكونغ. وإذا أضيف إلى هذه التحديات المناخية سوء إدارة الموارد المائية في هذه الدول والتلوث وتمسك بعض الدول بمواقف متشددة بشأن تحديد وحماية حصصها، وخاصة الدول التي تنبع منها هذه الأنهار، من المرجح أن يؤدي التغير المناخي في المستقبل القريب إلى نزاعات أكثر حدة بين هذه الدول، كما يتبين من التوتر الراهن بين إثيوبيا ومصر حول مياه نهر النيل.

ويتطرق تقرير أجهزة الاستخبارات الأمريكية إلى المستقبل القاتم لإحدى عشرة دولة من بينها العراق والهند وباكستان تفتقر إلى الموارد المالية والقدرات الحكومية للتأقلم مع التغير المناخي، مما سيؤثر سلبا على معدلات الهجرة من هذه الدول، ومضاعفاتها على الدول المحيطة بها. المجتمع الدولي والمؤسسات المالية يمكن أن تقدم الدعم المادي والمالي لهذه الدول، ولكن ضعف المؤسسات في هذه الدول، والفساد المستشري فيها والفقر الذي يعاني منه سكانها، وضعف بناها التحتية كلها عوامل تعرقل التأقلم الفعال مع التغير المناخي.

ويشير تقرير الاستخبارات إلى أن السعودية سوف تتعرض إلى تحد متوسط الخطورة بسبب التغير المناخي وسوف تتوفر لديها قدرة محدودة للتأقلم معه، ولكن من المحتمل أن تواجه إيران موجات جفاف وحرارة مرتفعة ومتكررة واتساع رقعة التصحر التي يضاف إليها سوء إدارة المياه وانحسار معدلات الإنتاج الغذائي وازدياد كلفة المستوردات في العقود المقبلة، مع ما يعنيه ذلك من ارتفاع خطر الاضطرابات والنزاعات المحلية واقتلاع السكان من أماكن إقامتهم.

المؤتمرون في غلاسكو سيواجهون المعضلة ذاتها التي واجهوها في مؤتمراتهم السابقة، أي صعوبة التوفيق بين تعهداتهم وفق بنود مؤتمر باريس للتغير المناخي بتخفيض نسب الاحتباس الحراري الناجم عن استخدامهم للطاقة التقليدية (نفط، فحم حجري وغاز)، والاعتماد أكثر على مصادر الطاقة البديلة (الطاقة الشمسية والرياح)، وبين خططهم لزيادة معدلات إنتاج النفط والغاز والفحم الحجري للحفاظ على تقدمهم الصناعي.

الدول الصناعية، مثل الولايات المتحدة وكندا وأوروبا واليابان، لديها القدرات التقنية والتنظيمية للتأقلم مع التغير المناخي ومواصلة تنويع مصادر الطاقة والاعتماد التدريجي على الطاقة البديلة بما في ذلك تطوير بطاريات كبيرة قادرة على تخزين الطاقة الشمسية لأكثر من أسبوع، وإنتاج المزيد من السيارات التي تعتمد على الطاقة الكهربائية والبطاريات المتطورة.

ولكن إذا بقي العالم النامي بعيدا عن هذه التقنيات، وبقيت دول كبيرة مثل الهند وروسيا وباكستان وحتى الصين تساهم في تأزيم حدة الاحتباس الحراري، فان التغير المناخي، بفيضاناته وحرائقه وموجات الحر والهجرة البشرية التي سيواصل خلقها، والتي لا تحترم الحدود السياسية أو سيادة الدول، يعني بالفعل أنه الخطر الوجودي الأكبر والآني الذي يهدد الإنسانية بكاملها.

شاهد أيضاً

عند الأفق المسدود في غزة

بقلم: عبدالله السناوي – صحيفة الخليج الشرق اليوم- استغلقت حرب غزة على أي أفق سياسي …