الرئيسية / مقالات رأي / أمريكا والشرق الأوسط… الاستراتيجية الغائبة

أمريكا والشرق الأوسط… الاستراتيجية الغائبة

بقلم: إميل أمين – صحيفة الشرق الأوسط

الشرق اليوم- لم يعد التساؤل عن الحضور الأمريكي في الشرق الأوسط يشغل تفكير سكان المنطقة من العرب فحسب، بل بات كذلك يؤرق الكثير من الأمريكيين الثقات، من عند كبار الدبلوماسيين والمفكرين، وصولاً إلى رجالات الاستخبارات والأمنيين ممن اعتركوا عالم المعارك الماورائية، وعاشوا في كواليس المنطقة السرية؛ ما يعني أن تلك المنطقة لا تزال مهمة بدرجة كبرى للولايات المتحدة، ولا غنى عنها، كما أن الانسحاب منها مرة وإلى الأبد، ضرب من ضروب الرفاهية لا يمكن القبول به.

عبر مجلة “ناشيونال إنترست”، الأمريكية ذائعة الصيت، انتقد الخبير الاستراتيجي الأمريكي، ورجل الاستخبارات الخارجية لأكثر من ثلاثة عقود، أندريو. إس. غيلمور، غياب أي رؤية أو توجه استراتيجي لبلاده في المنطقة التي تعد مهد الحضارة الإنسانية والدينية، مشيراً إلى أن النفوذ الصيني والروسي يتزايد على نطاق واسع في العالم العربي من جراء التقاعس الأمريكي، وإخفاقات نظريات رؤساء أمريكيين، لا سيما القيادة من وراء الكواليس، باراك أوباما وشركاؤه.

يعنّ للمرء أن يتساءل مفتتح الكلام “هل لأمريكا استراتيجية بالفعل في الشرق الأوسط في العقدين الأخيرين على وجه التدقيق، أم أن سياساتها لم تكن أكثر من ردات فعل انتقائية وربما انتقامية من غير رؤية استشرافية؟”.

الثابت للذين يتابعون تطورات السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، أن هناك رغبة عارمة في الانسحاب والانعزالية، والمقالات ترتفع في وسائل الإعلام المختلفة عن الشرق الأوسط الذي لم يعد يستحق ما يبذل فيه من جهد، أو المنطقة التي لم تعد تهم الأمريكيين كثيراً، وما بين هؤلاء وأولئك تعلو الدعوات للتركيز على التهديدات الأكثر إلحاحاً من روسيا والصين… ألم يقل الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، على سبيل المثال، إنه لا يوجد في الشرق الأوسط سوى الدماء والرمال؟

أصحاب الرايات الفاقعة والأصوات الزاعقة من الداعين للعودة والتمترس وراء محيطين، غاب عن أذهانهم أن واشنطن وطوال أربعة عقود من الحرب الباردة، قد حققت أهدافها في الشرق الأوسط، بدعم ومشاركة، بل ومباركة من معظم النخب المحلية سياساً واقتصادياً، ونجحت في حشد نفوذها الدبلوماسي، واحتوت الحروب العربية – الإسرائيلية، كما لعبت الدبلوماسية الأمريكية دوراً رائداً ومنفرداً في نسج خيوط السلام.

غير أنه ومن متناقضات القدر يبدو المشهد الأمريكي في الشرق الأوسط مرتبكاً وملتبساً، حتى بعد أن انفردت واشنطن بمقدرات العالم، وباتت القطب الوحيد القادر على الأخذ بزمام المبادرات الجريئة والخلاقة لتغيير الأوضاع وتبديل الطباع، في حين أخذ نفوذها في التدهور لدى دول حليفة لواشنطن شرق أوسطياً من جراء الشكوك والهواجس التي تنتابها – عن حق – تجاه توجهات واشنطن المستقبلية، ومعالم سياساتها غير الواضحة آنياً.

يكفي النظر إلى الموقف الأمريكي من إيران وبرنامجها النووي دليلاً على ضبابية الرؤية الأمريكية تجاه الإقليم الذي وصفه أبو السياسة الأميركية هنري كيسنجر في مؤلفه الأخير “النظام العالمي… تأملات حول طلائع الأمم ومسار التاريخ”، بأنه إقليم مشدود بين الماضي والحاضر، ومن غير مقدرة ما على مشاغبة المستقبل.

ولعل التساؤل الجوهري في هذه السطور “مع دعوات الانسحاب ألم تعد واشنطن مهتمة بالفعل بالوجود في الشرق الأوسط وحماية مصالحها الحيوية؟”.

حديث المصالح يعود بنا إلى ثنائية تقليدية كثر الحديث من حولها في العقود التي تلت العام 1948، وتمثلت في سهولة ويسر في أمرين؛ تأمين تدفق النفط، سائل الحضارة المعاصرة، ومن ناحية أخرى تأمين أمن وأمان دولة إسرائيل، التي كانت فتية في ذلك الوقت.

على أن حركة التاريخ، كان لها أن تخلق مصالح أمريكية جديدة في المنطقة، لا سيما بعد أن شبت إسرائيل عن الطوق، وأضحت قادرة على الدفاع عن نفسها، حتى ولو أغضب الأمر العم سام.

كما أن فكرة الاعتماد المطلق على نفط الشرق الأوسط، قد شاغلتها طروحات بدائل الطاقة، والنفط الصخري.

اليوم باتت مصالح أمريكا أوسع نطاقاً، فهناك الإرهاب طاعون العصر، ذاك الذي يهم أمريكا محاربته صباح مساء، وهناك محاولة قطع الطريق على الدب الروسي والتنين الصيني الساعين لإحلال نفوذهما والحصول على نصيب وافر من الإرث الأمريكي، ناهيك عن منع إيران من الحصول على السلاح النووي.

إضافة إلى ما تقدم، جاءت أزمة الطاقة الأخيرة، لتشير إلى الحاجة إلى عقود طوال إلى النفط في صورته التقليدية من منابع الشرق الأوسط.

بالإضافة إلى ما تقدم، يطفو على السطح أمر حيوي وجوهري، ألا وهو حماية أمريكا لحرية الملاحة في الممرات البحرية، واحتواء من يحتمل أن يسعى ليفرض هيمنته عليها من أعداء الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، وهم غير خافيين عن الأعين في الحل والترحال.

النرجسية الأمريكية، أو البراغماتية المستنيرة تستدعي من الأمريكيين طرح التساؤل التالي “هل لدينا استراتيجية تحافظ على تلك المصالح الحيوية؟”

في عدد أخير لها تناقش مجلة “الفورين أفيرز” ما طرحه الدبلوماسي الأمريكي الشهير، مارتن إنديك، في مؤلفه الأحدث “سيد اللعبة… هنري كيسنجر وفن دبلوماسية الشرق الأوسط”. وخلاصة الكلام، أن على إدارة الرئيس جو بايدن اللجوء إلى النموذج الكيسنجري، والعمل على صياغة نظام إقليمي تدعمه الولايات المتحدة، بحيث لا تظل هي اللاعب المهيمن، بل الأكثر نفوذاً وتأثيراً.

عوضاً عن الانسحاب؛ على أمريكا ومن جديد الانخراط شرق أوسطياً عقلياً لا عسكرياً، لتفهم حضاراته وحركات سياساته، ثقافته وروحانياته، آماله وآلامه… الهروب لا يفيد واشنطن.

شاهد أيضاً

إسرائيل تختار الصفقة بدلاً من الرد الاستعراضي

بقلم: علي حمادة – صحيفة النهار العربي الشرق اليوم– تجنبت ايران رداً إسرائيلياً استعراضياً يفرغ …