الرئيسية / مقالات رأي / لا تُلدغوا من الحرب الأهلية مرّتين

لا تُلدغوا من الحرب الأهلية مرّتين

بقلم: راغب جابر – النهار العربي

الشرق اليوم- الحرب الأهلية قاب قوسين أو أدنى. أو ربما بدأت. هذا كان الانطباع الأول بعد حوادث يوم الخميس الماضي الدامية والمعبرة في بيروت، في المنطقة نفسها تقريباً التي انطلقت منها الحرب الأهلية السيئة الذكر عام 1975 واستمرت حتى 1990.

حفلة الرعب التي استمرت بضع ساعات عند النقطة الفاصلة بين بيروت الإدارية وضاحيتيها المسيحية والشيعية، في ما عُرف في الحرب الأهلية بخط تماس الشياح – عين الرمانة، أعادت الى اللبنانيين مشاهد مخيفة من الحرب التي دمرت البلد بشراً وحجراً، ولم يخرج من تداعياتها المدمرة حتى اليوم.

معظم الذين كانوا في الساحة لم يعرفوا الحرب الأهلية، فهم من جيل وُلد بعدها أو لم تدركه إلا طفلاً، ومن أطلقوا النار بدوا كأنهم في لعبة “عسكر وحرامية” يلهون ببنادق وقناصات حقيقية تقتل على الفور ويرمون قنابل تدمر. عرضت الشاشات ومواقع التواصل مقاطع من فيلم سينمائي أبطاله لا يخافون، ليسوا ممثلين بسلاح خلّبي. إنهم حقيقيون بوجوههم وأقنعتهم وصراخهم وأسلحتهم واندفاعهم وممارستهم الحربية. كانوا هناك في الأبنية والزواريب وعلى السطوح والنوافذ. وحولهم وامتداداً الى كل لبنان كان الرعب. رعب الحرب التي طالما ردد الجميع “تنذكر ولا تنعاد”.

انتهت الحفلة في الساحة وعادت الأزمة الى ملعب السياسة المحتقنة، والسياسة والأمن في لبنان متعلقان بعضهما ببعض تعلقاً أبدياً، وتبقى الأيدي على القلوب تحسباً لحدث أو خرق غير متوقعين، وما أكثر غير المتوقع في هذا البلد الذي لا يكاد يستقر حتى يهتز. 

قد يكون كثر نسوا الحرب الأهلية وويلاتها، وقد يكون هناك من يحنّون إليها، وربما يكون الجيل الجديد لم يعرف كثيراً عنها أو حتى لم يسمع بعضه بها، فماذا تعني الحرب الأهلية إذا اندلعت؟

الحرب الأهلية ليست لعبة أولاد، ولا حفلة استمتاع بصوت الرصاص والقذائف وإحصاء الخسائر لدى الطرف المقابل الذي هو مواطن في هذا البلد.

إذا أشعلتم الحرب الأهلية فستقتُلون وتُقتلون، أنتم أو أحبابكم، ستصابون برصاصة أو بقذيفة تقعدكم عاجزين مدى الحياة، لن تجدوا من يطببكم ولا مسكّناً يخفف آلامكم. وقد تبقون في الطرق جثثاً لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها، ستعانون أزمات نفسية وستدمّر حياتكم الى الأبد، هذا إذا لم تضطروا الى البقاء طوال عمركم على كرسي نقال.

الحرب الأهلية ستدمر منازلكم وأسواقكم ومصانعكم وشوارعكم، ستصبح خطوط التماس من جديد هياكل عظمية نخرها الرصاص وشلعتها القذائف الصاروخية والمدفعية، وستعود عاصمتكم خربة من جديد،  بلا مطار ولا مرفأ ولا مرافق عامة. وستخفي الحرب أهلاً وأصدقاء الى الأبد من دون أن يظهر لهم أثر ولا يُعرف لهم مصير.

إذا اندلعت الحرب الأهلية فلن تعود هناك رحمة ولا أخلاق، ستطال المقاتل والمواطن الآمن، سيُهجّر مسالمون وستُهدّ قرى وأحياء، ولن يُعرف حينها الحي من الميت ولا الصديق من العدو. 

الحرب الأهلية اليوم تعني الموت جوعاً لمن لم يمت بعد، لن يعود هناك لا كهرباء (لا دولة ولا اشتراك) ولا بنزين ولا مازوت ولا كاز ولا غاز طبعاً. ستكون بيوتكم مظلمة وباردة وأطفالكم مرضى وجياعاً. لا طحين ولا خبز (ولا بسكويت)، لا غاز ولا ماء حتى. ستقفل المدارس والجامعات والمؤسسات وينشط التهريب والاحتكار وتجارة المخدرات وأعمال السرقة والقتل والإذلال على الحواجز غير الشرعية تفرض عليكم الخوّات والمكوس. وسيصبح عاليها واطيها وواطيها عاليها، ويتسلط عليكم من لا يخاف ربه ولا تردعه أخلاق.

إذا ذهبتم الى حرب أهلية فستمتلئ قلوبكم حقداً وكراهية وإجراماً، لن تعودوا أسوياء وستورثون أولادكم أحقادكم ليعيدوا الكرّة ويصنعوا حربهم الخاصة بعد ثلاثين أو أربعين سنة. فالحرب ليست نزهة، وقد خبرها لبنان وسوريا والعراق وليبيا واليمن بقسوتها ودمارها وامتداد تداعياتها.

الحرب الأهلية في لبنان المفلس لن تعيد أموال شعبه المنهوبة، ولن تغيّر الطبقة السياسية المسؤولة عن وضعه المأسوي، سيبقون هم هم، أو يرثهم أبناؤهم وورثتهم الشرعيون، سيتقاتلون في الإعلام ويجتمعون في المجالس وسراً وعلانية. لبنان المفلس هذا لن يتحمل شعبه حرباً أهلية جديدة ستكون أشد ضراوة وأكثر قتلاً وتدميراً.

لن يأتي مال كثير إذا ما اندلعت الحرب، فلا أموال منظمة التحرير في لبنان، ولا الدول التي كانت تموّل قادرة على التمويل أو مهتمة بمصير لبنان، سيأتي فقط السلاح. ستقاتلون مجاناً وتموتون مجاناً أياً كانت التسمية بعد الموت وكيفما كان شكل القبر.

الحرب الأهلية إذا وقعت لن تكون ليوم أو ليومين أو لشهر أو شهرين. ليس هناك حرب أهلية تنتهي في سنة. وليس هناك منتصر نهائي في حرب أهلية. في الحروب الأهلية الكل خاسرون. ستنظرون تدخّل القريب والبعيد لإغاثتكم، وستجتمع الأمم المجاورة والبعيدة لتفرض عليكم حلولاً، وقد ترسل جيوشاً لردعكم عن بعضكم بعضاً بعدما يكون جيشكم قد أقحم في اتون الحرب المنهكة وأصابه ما أصابكم، وستخضعون لشروط المؤسسات الدولية وتشحذون الرغيف كي تعيدوا بناء ما هدّمته أيديكم. وفي النهاية لن تغيروا شيئاً في ما هو قائم، فالأمر أكبر منكم جميعاً، وسيبقى كل شيء على حاله إذا لم يكن أسوأ.

فاتّعظوا إن في الماضي لعبرة.

شاهد أيضاً

بأية حال تعود الانتخابات في أمريكا!

بقلم: سمير التقي – النهار العربي الشرق اليوم- كل ثلاثة او أربعة عقود، وفي سياق …