الرئيسية / الرئيسية / Newsweek: الأسد يعود إلى المسرح العالمي في هزيمةٍ للولايات المتحدة وانتصار لأعدائها

Newsweek: الأسد يعود إلى المسرح العالمي في هزيمةٍ للولايات المتحدة وانتصار لأعدائها

بقلم : أنور أوكونور – مجلة نيوزيك

الشرق اليوم- بدا الأمر قبل عشرة أعوام على أنه بداية النهاية للرئيس السوري بشار الأسد. إذ أدت حملات القمع الوحشية التي شنتها حكومته ضد الاحتجاجات السلمية في عام 2011 إلى ولادة تمرد مدعوم من أعداء أجانب من بينهم الولايات المتحدة. وازدادت الفظائع، بما فيها استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين، والقتل الجماعي والتعذيب على مدار عشر سنوات من الحرب الأهلية التي أعقبتها. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 600 ألف شخص لقوا مصرعهم فيما نزح ملايين آخرين، ما يجعل الحرب الأهلية السورية واحدة من أكثر الصراعات دموية وأكثرها إثارة للاضطرابات في القرن الحادي والعشرين.

قطعت الدول علاقاتها مع الأسد وحكومته واحدة تلو الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة التي فرضت عقوبات اقتصادية على سورية عام 2011 وأغلقت سفارتها بصورة نهائية عام 2012. بل إن جامعة الدول العربية، وهي منظمة لها تأثيرها تتألف من الدول الإقليمية التي تتمتع بعلاقات في ما بينها، أقصت الأسد في خريف عام 2011 على أمل الترحيب بالمعارضة المسلحة المتنامية وهي تأخذ مكانه، وتلك إنما استراتيجية استخدمتها الجامعة مع المنشقين في ليبيا، حيث قتل الزعيم الذي أمضى في سدة الحكم طويلاً، معمر القذافي، على يد المتمردين المدعومين من حلف الناتو، في الوقت الذي كانت تستعد فيه الحكومات الأجنبية والأمم المتحدة للقيام بعمل في سورية هي الأخرى.

باختصار، أصبح الأسد منبوذاً دولياً.

لكن العام 2021 أوشك على الانتهاء الآن، ولم ينجُ الرئيس السوري بفعلته فحسب، بل يبدو أنه مستعد للعودة بشكل مثير للذهول إلى المسرح العالمي. وبعد مرور عقد من الزمن على أفعاله التي أسهمت في بث الحركة في الحرب الأهلية، ها هو الأسد يقف قوياً فوق دولة محطمة على نحو بالغ، دولة لا تملك سوى القليل من الخيارات الأخرى لقيادتها. لقد تمكن الأسد بمساعدة الحليفين القديمين؛ إيران وروسيا، من استرداد جزء كبير من سورية من أيدي المتمردين والجهاديين الذين حاولوا الإطاحة به.

أما الآن، وبعد أن أدركت الواقع العديد من الدول التي قاطعت الأسد قبل سنوات عشر، بدأت الترحيب به على الرغم من المعارضة الأمريكية المستمرة لحكمه. وثمة إشارات واضحة لذلك: ففي الشهر الماضي فقط، أعاد الأردن فتح حدوده مع سورية، ومن المتوقع على نطاق واسع أن تعيد جامعة الدول العربية عضوية سورية إليها عما قريب.

يقول السفير الأمريكي السابق روبرت فورد، آخر مبعوث أمريكي إلى سورية: “سيبقى الأسد في السلطة. ما من طريقة لتخيل أن المعارضة السورية حالياً ستكون قادرة على إجباره على التنحي بقوة السلاح. وليس هناك بديل صالح”.

هذه نتيجة صعبة يجب مراقبتها بحسب لفورد، الذي شهد التطورات التي أدت مباشرة إلى الحرب الأهلية، وتفادى الغوغاء الغاضبين في دمشق خريف عام 2011، وتجنب قنابل تنظيم القاعدة التي هزت العاصمة في الشتاء التالي. يقول فورد “إن سورية دولة ممزقة اقتصادياً، كما أنها ممزقة اجتماعياً أيضاً. فقد نزح نصف سكان البلاد وفرّ أكثر من ربع السكان منها. لن يتحسن الوضع بالنسبة للسوريين العاديين داخل سورية، ولن يتحسن الوضع بالنسبة للاجئين السوريين. إنه أمر مأساوي ليس إلا”.

تقول منى يعقوبيان، المحللة السابقة في وزارة الخارجية الأمريكية، والتي تعمل حالياً كمستشارة أولى لشؤون سورية في معهد الولايات المتحدة للسلام، أنه مع انعدام وجود احتمال لحدوث تغيير في القيادة السورية، فإن التركيز سينتقل الآن إلى كيفية تعامل الدول الأخرى مع دمشق. وأفادت يعقوبيان لنيوزويك “بالنظر إلى الدعم الروسي والإيراني القوي، فمن المرجح أن يحافظ الأسد على قبضته على السلطة على المدى المتوسط على الأقل. لقد أدركت العديد من دول المنطقة ذلك، وبدأنا نرى المزيد من الجهود البارزة لاستيعاب هذا الواقع”.

مع تقدم استعادة التقارب بين سورية والدول العربية الأخرى، فإن الشيء الذي لم يتضح بعد هو الشكل الذي ستتخذه جهود التقارب تلك، والأهم من ذلك هو كيفية استجابة الولايات المتحدة لذلك، وهي تطورات من المحتمل أن تؤثر على ميزان القوى في المنطقة وخارجها.

الخروج من المأزق والعودة إلى الحظيرة

ما الذي يدفع الدول التي نبذت الأسد للتحرك نحو تطبيع العلاقات معه، مع العلم أن الظروف التي أدت إلى نبذه لم تتغير بشكل جذري؟ يقول الخبراء إن الرغبة في الاستقرار الإقليمي تبدو أقوى من المخاوف حيال بقاء الأسد في سدة الحكم، أو وجود مزاعم عن انتهاكات جماعية لحقوق الإنسان التي ترافق بقاءه.

تقول يعقوبيان: “في الوقت الذي تكافح فيه المنطقة ضد الأزمات والفوضى وضد التحديات الاقتصادية العميقة، وجائحة كوفيد-19، والمعاناة الإنسانية المنتشرة على نطاق واسع، فإن الحكومات في المنطقة مهتمة أكثر بوقف تصعيد النزاعات ومعالجة هذه التحديات المستمرة المزعزعة للاستقرار”.

من بين الأمثلة التي تستشهد يعقوبيان بها حول تحول المشاعر الإقليمية تجاه الأسد، هو التحسن الذي جرى مؤخراً في العلاقات بين سورية والأردن، البلد الذي يعد الشريك الرئيسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ففضلاً عن إعادة فتح الحدود بين سورية والأردن في سبتمبر، فقد تلقى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني اتصالاً له رمزيته من الأسد في وقت سابق من هذا الشهر، كان أول اتصال من نوعه بين الزعيمين منذ عقد من الزمن. وتجدر الإشارة أيضاً إلى القرار الأخير الذي اتخذته إدارة بايدن بتخفيف بعض أشد العقوبات على الأسد المنصوص عليها في قانون قيصر لعام 2019، والتي تحظر على الشركات الأجنبية الدخول في الأنشطة التجارية التي تدعم دمشق. حيث سمحت التغيرات بتسليم الغاز المصري والوقود الأردني إلى لبنان الظامئ للطاقة عبر سورية.

هناك علامات أخرى تدل على تهدئة التوترات في المنطقة: إذ أعادت الإمارات والبحرين فتح سفارتيهما في دمشق، وأعاد الإنتربول هذا الشهر قبول سورية في هيئة إنفاذ القانون العالمية للمرة الأولى منذ إقصائها منها عام 2012.

ودوافع إعادة سورية إلى الحظيرة العربية توضحها تقارير صدرت في وقت سابق من هذا العام لديفيد شينيكر، الذي شغل منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى حتى يناير الماضي، وهو الآن زميل أقدم في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.

وكتب شينيكر في تقريره أرسل نسخه منه إلى نيوزويك “يبدو أن مجموعة من الدوافع الضيقة هي التي تقود هذا القبول. فبالنسبة لدولة الإمارات، فإن إعادة قبول الأسد وإعادة إعمار سورية يحملان ما يعد بإنهاء انتشار القوات التركية في إدلب، حيث نشر عدو الإمارات [أي تركيا] قوات لمنع تدفق المزيد من اللاجئين إليها. ويبدو أن الأردن مدفوع أساساً بالرغبة في مساعدة اقتصاده وإعادة اللاجئين السوريين، وإعادة التجارة،واستعادة النقل البري عبر سورية ثم تركيا فأوروبا. وفي هذا الصدد، تستمر قيود قانون قيصر التي فرضتها واشنطن في إثارة غضب عمان”.

كما ثارت مخاوف إقليمية أكبر في دول مثل مصر وإسرائيل، اللتين تأملان في الحد من ترسخ قوة أخرى غير عربية،  هي إيران. يقول شينيكر في التقرير “في الصورة الأعم، يبدو أن المسؤولين المصريين يؤيدون فكرة يشوبها الشك مفادها أن عودة سورية إلى جامعة الدول العربية سيزيد تدريجياً من (عروبتهم) وبالتالي فإنه سيبعد دمشق عن إيران الفارسية. ومن المحتمل أن تكون لدول إقليمية أخرى وجهات نظر مماثلة، بل إن تقديرات بعض شخصيات الأمن القومي الإسرائيلي لا توقع أن تقوم روسيا بالحد من الزحف الإيراني في سورية تحت حكم الأسد في مرحلة ما بعد الحرب”.

ومع ذلك، فإن كل هذه التطورات تتعارض مع الموقف الرسمي للولايات المتحدة تجاه الأسد وسورية. حيث ما تزال العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن ودمشق مقطوعة، وما زالت سفاراتهما مغلقتين، مع عدم وجود مسار واضح للمصالحة.

لكن يبدو أن هناك تغييرات تجري على قدم وساق بشكل غير رسمي على أقل تقدير. ويقول شينيكر لنيوزويك “قالت إدارة بايدن إنها لن تطبع العلاقات مع الأسد، لكن يبدو أنها لم تعد تُثني شركاءها العرب عن القيام بذلك. أما إذا طبقت عقوبات قانون قيصر، فقد تُمنع الدول العربية من استئناف العلاقات (الطبيعية) بما فيها التجارة مع سورية في ظل حكم الأسد. لكن الالتزامات الكبيرة المتزايدة تقوض عزلة نظام الأسد وما تبقى من سياسة الضغط عليه خلال عهد ترامب”، وذلك لتنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعام 2015 والذي يدعو إلى وقف إطلاق النار وإلى بدء تسوية سياسية لإنهاء الحرب الأهلية المستمرة في سورية.

يضيف شينيكر: “منعت هذه السياسة حتى الآن نظام الأسد من تحقيق نصر مبين. ومع تحرّك الدول العربية لإعادة احتضان الأسد فستزداد صعوبة الإبقاء على العقوبات”.

في غضون ذلك، تستمر سورية في الحفاظ على وجود دبلوماسي لها في الولايات المتحدة من خلال بعثتها الدائمة إلى الأمم المتحدة في نيويورك. حيث تقول علياء علي، التي تشغل منصب السكرتير الثالث في البعثة، إن حكومتها تأمل في أن القرار الأخير الذي اتخذته إدارة بايدن بالسماح بتوريد شحنات من الطاقة إلى لبنان “سينعكس إيجاباً على الشعب السوري، وأن يكون نقطة انطلاق للولايات المتحدة الأمريكية للتراجع عن سياساتها ومقارباتها الخاطئة في المنطقة”.

وتصف علي هذه التطورات على أنها انتصار لسورية وهزيمة للولايات المتحدة، قائلة إن تلك الانتصارات “ما كانت لتحدث لولا انتصار الدولة السورية وفشل الإدارات الأمريكية في تحقيق أهدافها، وإدراك غالبية الدول الإقليمية والدولية أنه لا يمكن التوصل الى نتائج في ما يتعلق بالسياسات او رسم مسارات استراتيجية في المنطقة الا بالتنسيق مع دمشق”.

لكن وجود القوات الأجنبية غير المصرح به على الأراضي السورية ما يزال يمثل نقطة شائكة مع دمشق، إذ بقي زهاء 900 جندي أمريكي في سورية، حتى بعد إخراج إدارة بايدن للجيش الأمريكي من أفغانستان وبالرغم الهدف المعلن المتمثل في إنهاء “الحروب الأبدية”. تقول بثينة شعبان، وهي إحدى كبار مستشاري الأسد، لمجلة نيوزويك “لا يمكننا الحديث عن نصر سوري نهائي ما لم يتم تحرير كامل الأراضي السورية، حيث ما تزال هناك أجزاء من بلادنا محتلة من القوى الأمريكية والتركية”.

المنظور السوري

تعود فترة عمل شعبان في الحكومة السورية إلى أيام حافظ الأسد، والد الرئيس السوري الحالي، والذي كان قد تولى الرئاسة عام 1971 ليبدأ بذلك نصف قرن من حكم الأسرة الحاكمة المستمر حتى يومنا هذا. وكانت العلاقات مع الغرب في عهد الأسد الأب متوترة أغلب الأحيان، وهذا إنما هو معتقد تقليدي للإيديولوجية البعثية التي تمزج ما بين الاشتراكية والقومية العربية. وكان ابنه بشار طبيب عيون طموح يدرس في المملكة المتحدة، لكن وفاة شقيقه الأكبر جعلته وريثه. وعندما تولى الرئاسة بعد وفاة والده في عام 2000، حمل بشار الأسد في بشرى عهد جديد ذي طابع أكثر عالمية من حيث الظاهر.

توترت العلاقات بين الولايات المتحدة وسورية خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وانهارت في نهاية المطاف لدى اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011. أما بالنسبة لأي علاقات أمريكية سورية اليوم، فتقول شعبان لنيوزويك: “لا يمكننا التحدث عن أي نوايا جديدة إلى أن نرى الولايات المتحدة تسحب قواتها من سورية”.

لكن شعبان تثمّن قيام الدول الأخرى بمد جسور مع سورية، مصرة على أن العديد من الدول جاءت لدعم الحكومة السورية طوال فترة الصراع. وتعتقد شعبان أن هذه الإجراءات متوازية مع تراجع قوة الولايات المتحدة ونفوذها على الصعيد العالمي.

وتقول شعبان: “إن غياب الثقة وانعدام مصداقية السياسات الأمريكية في مختلف الإدارات على مدى العقود الماضية، ناهيك عن انتهاك [أمريكا] المستمر للقانون الدولي والوكالات الدولية، وجهودها لإثارة الصراعات في العديد من الدول، أدى بأجمعه إلى تدهور مكانة الولايات المتحدة ودورها في العالم. ولا يقتصر الأمر فقط على الدول التي لديها وجهات نظر مختلفة مع الولايات المتحدة، بل لقد بدأ حلفاء الولايات المتحدة يفقدون الثقة في سياساتها”.

وإلى الآن، تصف شعبان الصراع السوري على أنه انتصار على الغرب وما حاول أن يثبته للعالم.

تقول شعبان: “الرسالة الأولى التي أثبتتها الحرب على سورية هي أن كل الدعاية الغربية حول هذه الحرب لا أساس لها من الصحة. فقد صور الإعلام الغربي ما حدث في سورية على أنه انتفاضة ضد رئيس سورية، وصور الحرب على أنها حرب أهلية. لكن الواقع يثبت أنه لا يمكن لأي رئيس أن يبقى في السلطة إذا كان شعبه ضده، خاصة وأن الإرهاب كان مدعوماً وممولاً من كثير من دول العالم”.

المستشارة الرئاسية السورية بثينة شعبان، وهي تجيب على أسئلة الصحفيين
حول محادثات السلام السورية في الأمم المتحدة بتاريخ 29 يناير 2014 في جنيف.

يتردد صدى رسالة شعبان في سورية خارج قاعات الحكومة، ولتلك الرسالة تداعياتها العالمية. إذ يقول أحد المراقبين السوريين الذين عايشوا أحداث الحرب بشكل شخصي وتابعها عن كثب، إن تكاتف أعداء الولايات المتحدة في سورية يعني أن دولاً مثل روسيا وإيران والصين قد تسعى إلى منع الإجراءات الأمريكية في أماكن أخرى أيضاً.

ويقول المراقب، الذي طلب عدم الكشف عن هويته بسبب الوضع الأمني الحساس في البلاد: “الرسالة واضحة، وهي أنه يمكن هزيمة الولايات المتحدة، أو على الأقل إيقافها، كما هو الحال في سورية اليوم. ومن الآن فصاعداً، لن يدع أعداء الولايات المتحدة ما حدث في العراق وليبيا يتكرر مرة أخرى. ليست الولايات المتحدة أضعف من الناحية العسكرية أو الاقتصادية، لكن أعداءها يزدادون قوة، وكذلك تزداد إرادتهم للعمل معاً”.

ويقر المراقب أن الانتفاضة ضد الأسد قد أطلقها السوريون، لكنه يقول إن الحملة لإنقاذه كانت ذات جذور محلية أيضاً. ويقول المراقب: “يمكنك الفوز في حرب ضد أي نظام في العالم، لكن لا يمكنك أبداً أن تربح حرباً ضد الشعب. الشعب السوري هو من انتفض ضد الأسد، ولكن الشعب السوري أيضا هو من دافع عنه”.

تهديدات وجودية

لم يعمل السوريون على جانبي الحرب الأهلية بمفردهم. فمثلما انضم متطوعون من عدة دول إلى التمرد ضد الحكومة السورية خلال الصراع، تدخل كذلك المقاتلون الأجانب أيضاً لصالحها.

وكانت حركة النجباء في العراق المجاور من بين الذين استنفرتهم إيران لدعم الأسد في سورية عام 2013، وتلك الحركة هي جزء من “محور المقاومة” بأغلبيته من المسلمين الشيعة، والذي يعارض تصرفات واشنطن وشركائها في المنطقة. ويصف نصر الشمري، نائب الأمين العام للحركة والمتحدث باسمها، بالتفصيل صور قطع الرؤوس ونزع الأحشاء التي نفذها تنظيم القاعدة، الذي سرعان ما تحوّل إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). ويضيف الشمري أن قرار التدخل كان متجذراً في تلك الفظائع، التي رافقتها تهديدات للمسلمين الشيعة في المنطقة، وهم أقلية في سورية .

يقول الشمري لنيوزويك: “يمكنك أن تتخيل ماذا سيحدث إذا سيطرت هذه الجماعات الإرهابية على سورية، لا قدّر الله!”.

ركز جزء كبير من العالم في ذلك الوقت على صور مروعة أخرى، مثل البراميل المتفجرة التي تسقط من الطائرات الحكومية على المدن السورية، والتقارير عن التعذيب والقتل المنهجي لآلاف من أعداء الأسد في سجون سرية في جميع أنحاء البلاد. كما استمرت المزاعم بارتكاب الحكومة السورية جرائم حرب باستخدام الأسلحة المحظورة، بما في ذلك استخدام غاز الأعصاب لقتل 1400 مواطن في الغوطة، إحدى ضواحي دمشق، في عام 2013. وبالنظر إلى هذا، فقد جعل الصراع سورية رائدة على مستوى العالم في اللاجئين والباحثين عن اللجوء، وذلك بوجود ما ينوف عن 6.6 مليوناً فروا من البلاد، وعدد أكبر من النازحين داخلياً، وفقاً للأرقام التي نشرتها الأمم المتحدة.

ومع احتدام القتال، اتُّهمت الطائرات السورية وحلفاؤها الروس في الأجواء بقصف المستشفيات والمدارس وحتى المؤسسات الدينية، ما يؤكد عدم وجود شيء مقدس في هكذا معركة غير مقدسة. ودفعت التقارير التي ما انفكت تزداد إلى إجراء تحقيقات دولية نيابة عن القوى التي كانت لا تزال تأمل في الإطاحة بالأسد.

وقد سنحت الفرصة عبر إنذار أخير بحق أمة تتوق إلى النصر لكنها مرهقة من الحرب. فبعد تمويل التمرد بهدوء، وضعت الولايات المتحدة خططاً محتملة لضرب الأسد.

عرف عن الرئيس باراك أوباما أنه وضع “خطاً أحمر” بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية، ما يعني أن استخدامها سيتخطى العتبة الداخلية التي تؤدي إلى رد عسكري أمريكي. حتى أن أوباما طلب موافقة الكونغرس على تدخل الولايات المتحدة. لكن أوباما تراجع عندما عقد اتفاق دولي لنزع مخزون الأسلحة الكيميائية السورية .

غير أن سيل التقارير التي تطرقت إلى الانتهاكات بقي مستمراً، كما استمرت قسوة تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات المتشددة الأخرى التي تغلبت على صفوف الجيش السوري الحر “المعتدل” واستهلكتها. وكانت واشنطن تدرك أن المعارضة السورية محكوم عليها بأن تدمّر ذاتها. فلمح البنتاغون بطلاً جديداً في المجتمع الكردي الذي ما عرف الكلل في سورية، والذي طالما سعى إلى المزيد من الحكم الذاتي بعيداً عن حكم الأسد الموجه للعرب، لكن المجتمع الكردي الآن، شأنه شأن الأقليات الأخرى، بات يواجه تهديد الإبادة الجماعية من قبل الجهاديين.

ما بعد القرن الأمريكي

يعتقد الشمري أنه يوجد سببان لما يعتبره تراجع قوة الولايات المتحدة ونفوذها. الأول داخلي حسب قوله: “لم تعد الولايات المتحدة اليوم مثلما كانت في الماضي، والسبب الرئيسي في ذلك هو السياسات الأمريكية المتعنتة التي تتجاهل تماماً إرادة الشعوب وتراثها الثقافي ونسيجها الاجتماعي، وانعدام الثقة لدى شعوب المنطقة، واستمرارها في التخلي عن الحلفاء، وتجاهلها التام لمصالح دول المنطقة مقابل المصالح الأمريكية”.

ويضيف أنه إلى جانب ذلك، أصبح منافسو الولايات المتحدة يتمتعون بإمكانات أكبر وأكثر قدرة على التكيف. ويقول: “السبب الثاني هو تنامي قدرة منافسي أمريكا في العالم -مثل روسيا والصين وإيران- وقوتهم وثقة حلفائهم بهم، وكذلك مواقف بعض تلك الدول التي تدعم هؤلاء الحلفاء وتدين لهم بالولاء دون أي افتراضات أو تدخل في قيم الشعوب أو نسيجها الاجتماعي”.

وفي نفس الوقت تقريباً الذي غيرت فيه الولايات المتحدة موقفها رسمياً من دعم قوات سورية الديمقراطية التي يقودها الأكراد في أكتوبر 2015، كانت طائرات القوات الجوية الروسية تملأ السماء السورية بهديرها. يقول يفغيني بوزينسكي، وهو ضابط متقاعد في الجيش الروسي ورئيس المجلس التنفيذي لمجلس الشؤون الدولية الروسي: “كان الأسد ديكتاتوراً ووحشاً بحسب بعض الآراء، لكنه كان حليف روسيا. وعندما تدخلت روسيا عام 2015 كان الأسد على وشك الانهيار. لقد أنقذته روسيا”.

أما الجيش السوري المحاصر والمحاط بالموت والانشقاقات، فأعيد تنشيطه بفضل قوة عظمى شريكة قلبت الطاولة في السماء وفي ساحة المعركة. وبعد أن عملت روسيا مع الصين منذ عام 2011 لضمان عدم تعرض الأسد لنفس مصير القذافي، مستخدمةً حق النقض ضد التدخل الدولي في سورية، أصبحت الآن تنسق عن كثب مع طهران وحلفائها لإبقاء صديقهم المشترك في السلطة.

يقول بوزينسكي: “كان هناك توزيع للعمل، حيث تعمل روسيا في السماء، فتقصف وتوجه ضربات صاروخية، بينما تعمل إيران على الأرض بالتعاون مع القوات المسلحة السورية، في وقت واحد”.

ويؤكد بوزينسكي أن النهج الذي اتبعته موسكو أثبت أنه “مثال” للتدخل الناجح لروسيا وشركائها. إذ إن هذا العمل المنسّق القاتل لم يحافظ على قوات الأسد فحسب، بل أدى أيضاً إلى تفادي فرار أفراد الجيش السوري المحاصر من الخدمة، ويقرّ بذلك مدير المكتب الإعلامي لقوات سورية الديمقراطية، فرهاد الشامي.

حيث قال الشامي: “كان الدعم الروسي والإيراني المباشر حاسماً في بقاء الأسد في السلطة. وقد استفاد الأسد كثيراً من الدعم الروسي للتخلص من خصومه وتقليص سيطرتهم على مناطق في سورية. والأهم أنها قللت من احتمال انشقاق الكثيرين ممن اشتكوا منه، سواء كانوا سياسيين أو جنوداً ما زالوا حتى الآن في مؤسسات النظام”.

لكن الشامي يحذر من أن الأسد “لم ينجُ من السقوط بصورة نهاية، وما زال يواجه مخاطر كثيرة إذا لم يحقق درجة كافية من الانفتاح على المجتمع ويغيّر سلوكه وعقليته”.

خسارة الحروب واختيار المعارك

ما تزال الولايات المتحدة تواصل دعمها لقوات سورية الديمقراطية، وإن كان يقتصر على هزيمة فلول تنظيم داعش. ومع تكثيف روسيا لوجودها في جميع أنحاء البلاد، فتح مجلس سورية الديمقراطية -الذي يُعدّ الجناح السياسي لقوات سورية الديمقراطية- خطاً مع موسكو أيضاً على أمل أن تتمكن الولايات المتحدة وروسيا من العمل معاً لتأمين اتفاق بينهم وبين دمشق.

وقالت رئيسة الهيئة التنفيذية لمجلس سورية الديمقراطية، إلهام أحمد، أمام تجمع صغير من الصحفيين في واشنطن في وقت سابق من هذا الشهر: “نحن راغبون بشدة بإجراء محادثات مباشرة مع الأسد ومع الحكومة السورية. وقد طلبنا من شركائنا أداء في التوصل إلى حلّ بيننا وبين الحكومة السورية”.

لكن التقدم كان بطيئاً، كما أدى غياب النتائج إلى حدوث انتقادات في بعض الأحيان، حتى لدى القوة الشريكة للولايات المتحدة.

وتقول أحمد: “عندما لا نرى أي تغيير جوهري أو حقيقي من وقت لآخر، نحاول إعادة حساباتنا”، وأعربت عن أملها في أن تُنتج هذه الزيارة إلى العاصمة الأمريكية “شيئاً مختلفاً” عن التجارب السابقة.

أما السفير السابق روبرت فورد، فقد استقال من وزارة الخارجية عام 2014 وهو محبط مما اعتبره مقاربة بطيئة ومضللة تجاه الحرب في سورية. وهو اليوم يناقش أخطاء الولايات المتحدة كثيراً، لكنه يؤكد في النهاية أن الحكومة في واشنطن لم تتولى أبداً أي موقع أساسي لتوجيه مسار الصراع في سورية.

يقول فورد: “من المؤكد أن مصداقيتنا قد تضررت كثيراً. لكني أعتقد أن ما ينبغي أن يفهمه قرّاؤكم حقاً هو أن الأمريكيين لم يتحكموا في مسار الأحداث في سورية، وأننا لم نبذل الموارد لتغيير مسار الأحداث هناك، وأنه حتى لو كنا بذلنا تلك الموارد بشكل كبير، فأنا لست متأكداً من أننا كنا سنحقق كنا نريده”.

ويعترف فورد محدودية التدخل الأمريكي في سورية، والتي يقول إنها تقع ضمن نطاق نفوذ طهران وموسكو أكثر من نفوذ واشنطن.

ويقول أيضاً: “لقد تورط الأمريكيون في شيء أكبر بكثير مما كانت عليه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ويمكن القول إن الأمر انتهى بنا بأن أصبحنا مجرد لاعب واحد من بين لاعبين كثر”. ويضيف: “وعندما تكون لاعباً واحداً من بين كثيرين، فإن هذا اللاعب لا يملك زمام السيطرة على اللعبة. فلا إيران تسيطر عليها، ولا روسيا وحدها تسيطر عليها، بل وحتى الأسد نفسه لا يسيطر عليها، وكذلك الأتراك لا يسيطرون عليها. بل إنه تفاعل معقد حقاً”.

ويجادل أنه في بعض الأحيان، يكون من الأفضل للولايات المتحدة البقاء بعيدة عن هذا المزيج تماماً، لا سيما في البلدان التي يكون للمنافسين فيها مصالح ونفوذ، وكذلك الاستعداد لاستخدام كليهما.

ويقول فورد: “يحتاج الأمريكيون فعلاً إلى انتقاء معاركهم واختيارها بعناية”.

شاهد أيضاً

ما هو قانون ليهي الأمريكي؟ وهل يطبق ضد القوات الإسرائيلية؟

الشرق اليوم- رجّحت تقارير إعلامية أن تعلن واشنطن، قريبا، عن حظر مساعداتها العسكرية عن وحدة …