الرئيسية / مقالات رأي / The Independent: “النهضة البريطانية” العظيمة التي حققها حزب المحافظين وحرمتنا من الوقود والطعام

The Independent: “النهضة البريطانية” العظيمة التي حققها حزب المحافظين وحرمتنا من الوقود والطعام

By: Tom peak

الشرق اليوم- أهلاً وسهلاً بكم جميعاً من دون استثناء، في عصر النهضة البريطانية. لقد بدأ فعلاً، في حال لم تكونوا عارفين بذلك. إنه مستمر حاضراً. وتشكل عبارة “النهضة البريطانية ” المصطلح الذي يستعمله ديفيد فروست، ممثل بريطانيا في مفاوضات “بريكست” [خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي]، في وصف الأوقات الخالية من الطعام والوقود التي أورثنا إياها شخصياً، من خلال مهاراته الجبارة في فن الحكم.

 لقد خاطب فروست جمهور مؤتمر حزب المحافظين، الذي تبث وقائعه على الهواء مباشرة من مكان في وسط “مانشستر”، مغلق بإحكام كأنه صومعة ناسك، بل يشتهر حالياً باسم “جزيرة الذكاء الأحمق”. ووفق فروست، فإن “الحلم السيئ الذي مثلته عضوية [بريطانيا في] الاتحاد الأوروبي قد انتهى. لقد بدأت النهضة البريطانية”.

 وهكذا، استيقظنا من كوابيسنا. لقد بلغنا المرتفعات التي تغتسل بضوء الشمس. والحمد لله أننا قد وصلناها فعلاً، لأننا لم نعد نستطيع المغادرة بالسيارة، على أي حال.

 وبصورة عامة، تشكل فترات النهضة أموراً قديمة مضحكة. ليس هناك من يعلم حقاً متى تبدأ، ومن عادتها أيضاً أن تستمر قروناً عدة. إذاً، فمن السابق لأوانه الحكم على النهضة البريطانية. وسيكون من غير المنصف نهائياً أن تورد إلى أعضاء حزب المحافظين الذين يقفون في صدارتها، أنه ليس هناك وقود للبيع في الخارج ضمن الشوارع الوضيعة خلال النهضة البريطانية، على بعد أميال عدة من المكان الذين يحتفلون [المحافظون] فيه بها [النهضة]. كذلك توجب على مقهى “ستارباكس” الكائن على مسافة ياردات قليلة من السور الخارجي المحيط [بمقر المؤتمر] أن يغلق أبوابه يوماً ونصف اليوم لأنه لم يستطع الحصول على أي كمية من الحليب.

 لماذا لم يكن هناك حليب لدى المقهى؟ هنا يبرز كريس لودر، النائب عن دائرة “ويست دورست” الذي كان بطريقة ما النجم البارز لمؤتمر هذا العام. إذ يعتقد لودر فعلياً أن الافتقار إلى أنواع الغذاء يكون في الحقيقة أمر جيد لأنه “من مصلحتنا على المدى المتوسط والطويل، أن تنكسر السلاسل اللوجستية”.

 وإذا كانت النهضة البريطانية ستبدو هكذا، فإنها ستشتمل على مشهد قوامه “أن تبيع المزارع الموجودة في الشارع الحليب الذي تنتجه في حانوت القرية، تماماً على غرار ما كانوا يفعلون قبل عقود”.

 إذن، سيكون الوضع شبيهاً نوعاً ما بخمسينيات القرن الماضي، لكن مع وجود مزيد من “الفرص”. يعتقد ديفيد فروست أن “الفرص هائلة”، على الرغم من أنه بعد مرور أكثر من نصف عقد من الزمن على تصويت البلاد لمصلحة تلك “الفرص الهائلة”، فإنها تبقى مجرد فرص، وليست شيئاً يمكن أي شخص من الاستفادة منها فعلياً خلال فترة من الزمن باتت الآن طويلة بشكل معقول.

 إذ تجسدت الفرص الهائلة خلال الشطر الأكبر من السنوات الخمس الأخيرة، في صفقة تجارية مع الولايات المتحدة، ولكن هذه لا تحدث الآن، ويرجع ذلك أساساً إلى أنها لم تكن لتتحقق على الإطلاق. ومع هذا، فإن الفرص “الأخرى” الهائلة، ستتوفر في وقت وشيك، من دون شك.

واستطراداً، ذلك ما تكونه الأحوال دائماً مع أزمنة النهضة، وليس هناك سبب يدعو إلى الاعتقاد بأن هذه [النهضة البريطانية] لن تكون عظيمة تماماً كالأخريات. إذ لا تتعلق النهضة على الإطلاق بتفاهات وضيعة كتلك التي تظهر في التساؤل عن مدى قدرة الناس الذين يعايشونها، على شراء أي طعام، إنها تتعلق بالأفكار والرؤية.

 ربما ارتصفوا طوابير في الخارج للحصول على الوقود. وفي الداخل، يصطفون للاستماع إلى ريتشي سوناك يحدثهم جميعاً عن الكيفية التي سيجعل بها المملكة المتحدة “المكان الأكثر إثارة على هذا الكوكب”. ويمكن للمرء في هذه المرحلة أن يشير إلى أن المملكة المتحدة فعلياً باتت المكان الأكثر إثارة على هذا الكوكب.

على المستوى الشخصي، كنت أرقص حول موقف سيارات شركة “كوستكو” في “ثوروك” [منطقة قريبة من لندن يديرها المحافظون] بعد ظهر يوم الجمعة الماضي، إذ إن بحثي عن الوقود الذي استغرق مدة ساعتين، قد وصل على نحو مثير إلى نهايته المظفرة. ما الذي يمكن أن يكون أكثر إثارة من التوقف في 19 باحة أمامية مختلفة [لمحطات وقود] فيما يحدوك أمل عديم الجدوى بأن تكون هناك مضخة لم يجر عزلها لأن الوقود قد نفد منها؟

 وبمحض الصدفة، أثناء حديث سوناك، نشرت مجلة “نيويوركر” تقريراً استقصائياً مطولاً عن مدينة في شمال اليمن فيها ناقلة نفط متحللة تحتوي على مليون برميل نفط لكنها راسية في البحر قريباً من المدينة، ويمكن أن تنفجر في أي ثانية. إذن، ربما لم تكن المملكة المتحدة هي المكان الأكثر إثارة الذي يمكن أن يعيش فيه المرء حتى الآن. لكن الوقت لا يزال مبكراً ولا شك بأننا سنصل إلى تلك النقطة في النهاية.

 وبالمناسبة، لم يصطف هؤلاء الناس وراء الباب كي يستمعوا لسوناك لأي سبب أهم من حقيقة أنه تحدث في غرفة صغيرة للغاية. إذ تتواصل فعاليات مؤتمر المحافظين، خلافاً للإجراءات المعتادة ولما يقتضيه العقل السليم أساساً، في نحو 60% من المساحة التي يشغلها المؤتمر عادة، وذلك لأن جزءاً يكاد يساوي نصف مساحة “مركز مانشستر للمؤتمرات” قد جرى تحويله إلى مساحة خاصة للحشد المصطنع الذي سينظمونه بمناسبة خطاب جونسون المزمع، ويبقى ذلك الجزء مغلقاً حتى ذلك الوقت.

 إذن، يجب أن تكون واحداً من المحظوظين كي تستطيع أن تصغي لكلمات سوناك المثيرة. وقد نقل إلى جمهوره، “أذكر أنه قيل لي على امتداد خمس سنوات إنني إذا دعمت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فإن حياتي المهنية ستنتهي حتى قبل أن تبدأ”.

وأضاف، “حسناً، أعطيت الأولوية لمبادئي، وسأفعل ذلك على الدوام”.

 وعند تلك النقطة، صفقوا بجنون. لقد كانت مسيرة سوناك المهنية لبعض الوقت في خطر. وكان النوم يجافيه طيلة شهرين في 2016، قضى لياليهما سهران يفكر بقلق حول ما يمكن أن يحصل له. ولو جاءت نتيجة الاستفتاء على عكس ما انتهت إليه، لصار سوناك بلا أهمية ومن دون أي وظيفة أو صلاحيات ذات قيمة، وفي جيبه ثروة خاصة تقدر بمجرد بضع مئات الملايين من الجنيهات الاسترلينية كي يتدبر أموره بها.

 ولحسن الحظ، لم يعد الكثير من وسائل الإعلام يبث تلك الكلمات على الهواء مباشرة. ويتساءل المرء إذا ما كانت ستعطي انطباعاً جيداً لأولئك الذين يستمعون إليها عبر أجهزة الراديو في السيارات، التي وقفت أرتالاً على الطرق الفرعية المؤدية إلى محطة وقود “إيسو” المحلية.

 إذا صدف أن فاتك الاستماع إلى تلك الكلمة فعلاً، ولا ترغب في محاولة البحث عنها على شبكة الإنترنت، فإنه يمكنك أن تعيد خلق الحالة المزاجية نفسها من خلال نبش ذلك الجزء الصغير من مسلسل “المكتب” [الكوميدي]، إذ ينقل ديفيد برينت إلى أربعة أشخاص أنهى خدماتهم للتو، أنه قد حصل في تلك اللحظة على ترقية.

 بالنتيجة، إن الشعار الذي يسعى إليه مؤتمر حزب المحافظين حقاً في 2021، هو “نهضة بريطانيا: أنتم لا تزالون تفكرون بالأخبار السيئة، أليس كذلك؟”.

شاهد أيضاً

الأمل المستحيل لإسرائيل

بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج الشرق اليوم- عندما يطرح مركز بحوث أمريكي مؤيد دائماً …