الرئيسية / مقالات رأي / Project syndicate: إنقاذ تايوان

Project syndicate: إنقاذ تايوان

By: BRAHMA CHELLANEY

الشرق اليوم – يبدو أن السياسة التوسعية القسرية التي تنتهجها الصين ربما بدأت الآن تتخذ أشد منعطفاتها خطورة. في الآونة الأخيرة، دخلت أعداد غير مسبوقة من الطائرات العسكرية الصينية إلى “منطقة تمييز الهوية لأغراض الدفاع الجوي” التابعة لتايوان، حيث تؤكد سلطات الجزيرة على الحق في مطالبة الطائرات بتعريف نفسها. يبعث استعراض الصين لعضلاتها على هذا النحو برسالة واضحة مفادها أنها “جادة بشأن دمج الجزيرة” ــ و”إعادة توحيد” الصين ــ ربما بالقوة.

على الرغم من عزوف المجتمع الدولي عن تحدي الإدعاء الصيني بأن تايوان “كانت دائما” جزءا من الصين، فإن هذا الإدعاء مشكوك في صحته، في أفضل تقدير، ويستند إلى تاريخ مُـحَــرَّف. خلال أغلب تاريخها، كانت تايوان مأهولة بشعوب غير صينية ــ قبائل ملايو بولينيزية ــ وليس لها علاقة بالصين. كما تحتل تايوان جغرافيا موقعا أقرب إلى جزر الفلبين من البر الرئيسي الصيني.

ولم تتبدل الحال إلا بحلول القرن السابع عشر عندما بدأت أعداد كبيرة من الصينيين تهاجر إلى تايوان، بتشجيع من حكام الجزيرة الاستعماريين الهولنديين، الذين كانوا في احتياج إلى عمال. على مدار الأعوام المائة التالية، تنامى عدد السكان من أصل صيني ليتجاوز عدد سكان تايوان الأصليين، الذين أُبـعِـدوا على نحو متزايد وبشكل عنيف غالبا. خلال هذه الفترة، أصبحت تايوان تحت سيطرة أسرة تشينج. لكن تايوان لم تُـعـلَـن إقليما تابعا للصين إلا في عام 1887.

بعد مرور ثماني سنوات فقط، تنازلت الصين عن تايوان لليابان إلى الأبد، بعد هزيمتها في الحرب الصينية اليابانية. وظلت تايوان تحت الحكم الاستعماري الياباني حتى عام 1945 ــ تنازلت اليابان رسميا عن سيادتها عليها بموجب معاهدة سان فرانسيسكو للسلام عام 1951 ــ وكانت تتمتع بالحكم الذاتي منذ ذلك الحين. بعبارة أخرى، على مدار السنوات الست والعشرين والمائة الأخيرة، كانت تايوان خارج سيطرة الصين القانونية.

اليوم، تتمتع تايوان بكل سمات الدولة المستقلة القوية، ويريد معظم التايوانيين أن تبقى على هذه الحال. لكن يبدو أن الرئيس الصيني شي جين بينغ، حريص على ضم الجزيرة، كما فعل نظام ماو تسي تونج مع التبت في أوائل خمسينيات القرن العشرين، باسم “إعادة التوحيد”. وسوف يشكل الغزو الصيني لتايوان أكبر تهديد للسلم العالمي طوال جيل كامل.

إلى جانب تعريض حرية الملاحة للخطر في منطقة شديدة الأهمية، فإن استيلاء الصين على تايوان من شأنه أن يقلب ميزان القوى رأسا على عقب في منطقة الهادي الهندي، وخاصة من خلال تمكين الصين من الإفلات من “سلسلة الجزر الأولى” التي تمتد من الأرخبيل الياباني، عبر تايوان، والفلبين، إلى بورنيو، والتي تحيط بحار الصين الساحلية. كما أنه سيضر بشكل لا يمكن إصلاحه بسمعة أميركا كحليف جدير بالثقة. وإذا كانت الولايات المتحدة غير قادرة على (أو غير راغبة في) منع إخضاع تايوان، فما الذي قد يحمل أي جهة أخرى على الاعتماد على الحماية الأميركية؟

والمخاطر حادة بشكل خاص بالنسبة لليابان، التي تقع جزرها في أقصى الجنوب على تخوم تايوان. كما لاحظ في شهر يوليو/تموز نائب رئيس الوزراء آنذاك تارو آسو، فقد تكون “أوكيناوا هي التالية”. نظرا لعدم قدرتها على الاعتماد على الأميركيين، فمن المرجح أن تعود اليابان إلى التسلح العسكري بل وربما تقتني أسلحة نووية. ومن المرجح أن يدخل حلفاء آخرون للولايات المتحدة ــ مثل كوريا الجنوبية، والفلبين، وتايلاند ــ ضمن دائرة نفوذ الصين.

مع ذلك، لا تبدو الولايات المتحدة ملتزمة بشكل خاص بمنع الاستيلاء الصيني على تايوان وما قد يترتب عليه من انهيار النظام الأمني الآسيوي الذي دام نصف قرن من الزمن. هذا هو على وجه التحديد ما يعتمد عليه شي جين بينغ. فقد سمحت له الإدارات الأميركية المتعاقبة بتنفيذ مناورات توسعية لا حصر لها دون أن يخشى لوما أو عقوبة ــ من عسكرة بحر الصين الجنوبي إلى هدم استقلالية هونج كونج ــ فضلا عن الإبادة الجماعية الثقافية في شينجيانج. فما الذي قد يجعل تايوان مختلفة؟

ربما أدى تحول الرئيس الأميركي جو بايدن مؤخرا إلى نهج أكثر تصالحا في التعامل مع الصين إلى تعزيز ثقة شي جين بينغ. وربما يركز شي حاليا على المواجهة العسكرية التي دامت سبعة عشر شهرا بين الصين والهند في منطقة الهيمالايا، حيث أفضت التعديات الصينية على الأراضي إلى حشد هائل للقوات على طول الحدود الوعرة. لكن إذا تسنى التوصل إلى حل ما يساعد في تخفيف التوترات في منطقة الهيمالايا، فإن هذا من شأنه أن يحرر القدرات الصينية للتعامل مع تبعات أي عملية مرتبطة بتايوان.

الشيء الوحيد الذي قد يردع الصين في هذه المرحلة عن محاولة إعادة استعمار تايوان هو إدراكها لحقيقة مفادها أنها ستتكبد تكاليف عالية ملموسة ــ وليس فقط ما يتعلق بالسمعة. لذا، يتعين على بايدن أن يؤكد بوضوح تام لشي جين بينغ، أن الولايات المتحدة لن تتوانى عن تعبئة مواردها العسكرية للدفاع عن تايوان.

لكن هل يفعل ذلك حقا؟ يوصي الإطار الاستراتيجي الأميركي لمنطقة الهادي الهندي ــ وهو عبارة عن وثيقة سياسية رفعت عنها إدارة الرئيس دونالد ترامب السرية قبل رحيلها ــ بأن تساعد أميركا تايوان في تطوير قدرات “لا متناظرة” ضد الصين. حظيت هذه الاستراتيجية مؤخرا بالدعم من جانب بعض المسؤولين الحكوميين والعسكريين الأميركيين السابقين. على حد تعبير الأدميرال المتقاعد جيمس ستافريديس، “كما تعمل أشواك حيوان الشيهم على حمايته من الحيوانات المفترسة الأكبر حجما بجعل ابتلاعه أمرا صعبا، فإن الأسلحة مثل الصواريخ المضادة للسفن والطائرات كفيلة بتحويل أي غزو لتايوان إلى حملة عصابات دموية وطويلة الأمد ومكلفة.

صحيح أن تعزيز دفاعات تايوان أمر بالغ الأهمية لتجنب العمليات البرمائية والمحمولة جوا الصينية، ولكن حتى لو توصلت حكومتا الولايات المتحدة وتايوان إلى اتفاق بشأن استراتيجية لا متناظرة، فسوف يستغرق الأمر سنوات عديدة لبناء “تايوان الشيهم” القادرة على خنق التنين الصيني. وسوف تشمل هذه العملية تدريب هيئة مدنية ضخمة لشن هجمات عصابية متواصلة على الغزاة.

حتى ذلك الحين، وبما يتماشى مع المفارقة المركزية للردع، تتلخص الطريقة الوحيدة لتثبيط العدوان من جانب قوة تحريفية في أن تهدد قوة الوضع الراهن بالدخول في الحرب. هكذا تمكنت الولايات المتحدة من الإبقاء على برلين الغربية ــ التي كان وضعها السياسي أشد خطورة من وضع تايوان ــ حرة طوال الحرب الباردة.

أسوأ موقف قد تتخذه الولايات المتحدة هو أن تعارض استيلاء الصين على تايوان دون أن تشير على نحو جدير بالثقة إلى استعداد حقيقي من جانبها للدفاع عن الجزيرة عسكريا. قد يشجع مثل هذا النهج شي جين بينغ، الذي بات معتادا على التصرف دون خشية من عقاب، على إصدار الأمر بغزو مفاجئ. بهذا، سينقلب نظام الهادي الهندي رأسا على عقب، فيتلقى تفوق أميركا العالمي ضربة قاتلة.

شاهد أيضاً

روسيا التي لا تساند أحداً… علاقة غير عادلة مع إيران

بقلم: يوسف بدر – النهار العربي الشرق اليوم– في مقالته في صحيفة “وول ستريت جورنال” …