الرئيسية / مقالات رأي / The Guardian: أوروبا تفقد بوصلتها الأخلاقية بمغادرة «ميركل» منصبها

The Guardian: أوروبا تفقد بوصلتها الأخلاقية بمغادرة «ميركل» منصبها

BY: Marion Van Renterghem

الشرق اليوم – تمثل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الآن ما هو أكثر من مجرد ألمانيا، إذ إنها تمثل أوروبا بأكملها، فهي أيقونة مثل أغاني البوب الشهيرة التي باتت قريبة من الناس، ولكن يظل صعودها وطول فترة بقائها في السلطة لغزًا، فكيف يمكن لهذه المرأة، غير المبالية بشكل غريب بمزايا السلطة، أن تتزعم حزبًا ظل يسيطر عليه رجال محافظون لمدة نصف قرن، ثم يتم انتخابها أربع مرات متتالية لقيادة إحدى القوى العظمى في العالم؟ فكيف أصبحت مثل هذا النموذج؟

وتتقاعد ميركل عن منصب المستشارة الألمانية بعد أن أمضت أكثر من نصف حياتها في دولة ديكتاتورية تحت حكم الاتحاد السوفيتي، وهي الدولة التي انفصلت عن نصفها الغربي وتم إقصاؤها من العالم الحر، ولذا فقد عاشت بالفعل حياتين: قبل وبعد سقوط جدار برلين.

وتعد أكثر الانتقادات الشائعة التي يتم توجيهها لميركل هو أنها «لم تفعل شيئًا»، أي أنها لم تترك أثرًا في التاريخ على عكس أسلافها، إذ قام كونراد أديناور، على سبيل المثال، بدمج ألمانيا الغربية في المجتمع الدولي، وساعد في إرساء أسس الاتحاد الأوروبي الموجودة اليوم.. وصحيح أن ميركل لم تقم بإصلاحات كبيرة، لكن سجلها السياسي، إلى جانب حياتها، له وجهان يمكن قراءتهما بشكل مختلف.

وقد دخلت المستشارة الألمانية عالم السياسة مصادفة بعد سقوط جدار برلين، فقد كانت كيميائية عادية، لا تتمتع بالمهارات الخطابية أو الكاريزما أو الدهاء السياسي أو حتى أي أجندة معينة.. وفي سن الخامسة والثلاثين، وجدت نفسها في المكان المناسب في الوقت المناسب، إذ كانت تعرف ما يجب أن تفعله.

وقد وصلت ميركل إلى السلطة عندما كانت أحداث 11 سبتمبر 2001 لاتزال تلقي بظلالها على الغرب، وتبعت ذلك سلسلة متواصلة من الأزمات الأوروبية والعالمية، وقد أظهرت ميركل خلال هذه الأزمات أنها مديرة أكثر من كونها صاحبة رؤية.

وبالإضافة إلى إدارة كل الأزمات التي جاءت في طريقها، فقد أعادت ميركل الازدهار لألمانيا، ففي عهدها، خففت برلين من صورتها الصارمة وغير الجذابة لتصبح دولة ودودة ومحبوبة. وعلى مدى 16 عامًا، استطاعت ميركل جعل ألمانيا سعيدة، والسر الأساسي في طول بقائها في السلطة هو أنها كانت منسجمة تمامًا مع بلدها وعصرها، حيث كانت موجودة في المكان والوقت المناسبين.

أما الانتقاد الثاني الذي يتم توجيهه لميركل فهو أنها كانت ألمانية أكثر منها أوروبية.. ويأتي هذا الانتقاد بشكل خاص من قبل فرنسا، وهي الدولة التي تدّعي أنها تفضل الأفكار الرومانسية المتمثلة في «الأخوة» و«التضامن» على الأفكار الواقعية الباهتة الخاصة ببرلين، لذا فإنه يتم اتهام ميركل بالأنانية وبأنها تفصل مصلحة ألمانيا على حساب أوروبا.

ولكن.. هل كان من الأنانية إنقاذ صورة أوروبا من خلال الوصول إلى أكثر من مليون لاجئ، الذين تظاهر القادة الآخرون- ولا سيما الفرنسيون- بعدم رؤيتهم؟ فعلى الرغم من أن ميركل تعد زعيمة أغنى دولة في الاتحاد الأوروبي، وبالتالي أكبر مساهم في ميزانيته، إلا أنها كانت تفتقر إلى الجرأة اللازمة لدفع الاتحاد للمضي قدمًا في قضية اللاجئين، فقد دفعت أكثر من رئيس فرنسي إلى الجنون، ومنهم (شيراك، وساركوزي، وهولاند، وماكرون)، وذلك من خلال عدم الاستجابة بشكل حاسم للأزمة المالية لعام 2008، ولطالما عارضت طموحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تبادل الديون على مستوى أوروبا، وهو الأمر الذي يعد من المحرمات الألمانية.

وصحيح أن أخطاء ميركل وإخفاقاتها وعدم مرونتها قد كلفت أوروبا ثمنًا باهظًا في بعض الأحيان، لكن مغادرتها منصبها تمثل نقطة تحول، فهي تترك ألمانيا في مواجهة تحديات هائلة، ليس أقلها أزمة المناخ، وفي وقتٍ أمام البلاد فيه فرصة لفتح صفحة جديدة في تاريخها.

وسنفتقد ميركل، لأن كلا من عيوبها ومميزاتها، في رأيي، كانت ناجمة عن بوصلة أخلاقية، فأسلوبها الهادئ وخطاباتها الصريحة هي بمثابة نقيض للسياسة الشعبوية التي أعادها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ومهندسو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.. فصحيح أنها كانت تغير رأيها كثيرًا، لكنها لم تقدم وعدًا كاذبًا أبدًا، وذلك لأنها لم تعد بأي شيء أبدًا، فوظيفة الكلمات بالنسبة لها هي وصف الواقع.. وعلى الرغم من حركاتها البهلوانية على المستوى الدبلوماسي واعتمادها على التكتيكات، فإن ميركل تعد مناهضة لترامب، ولرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، وللشعبوية.. لذا فإنني سأفتقد أخلاقها كقائدة.

فتحت قيادة ميركل، سيطر الاتحاد الديمقراطي المسيحي على السياسة الألمانية على مدار الـ16 عامًا الماضية، ومع انتهاء عصرها تمت هزيمة الحزب، ولكن بغض النظر عن الشكل الذي يتخذه التحالف القادم في برلين، ستظل الديمقراطية الألمانية صلبة للغاية، وستظل ألمانيا راسخة في أوروبا، ولكن بالنسبة لأوروبا والعالم المضطرب والقلِق، فإن رحيل ميركل يمثل خسارة منارة كانت توفر الشعور بالطمأنينة.

ترجمة: المصري اليوم

شاهد أيضاً

الأردن: معركة محور التّطرف!

بقلم: محمد صلاح – النهار العربي الشرق اليوم- ليس سراً أن مصر والأردن خسرا كثيراً …