الرئيسية / مقالات رأي / هل خرج المحتجون لانتقاد قيس سعيد أم لدعم الغنوشي

هل خرج المحتجون لانتقاد قيس سعيد أم لدعم الغنوشي

بقلم: مختار الدبابي – العرب اللندنية

الشرق اليوم- لم يكن الاستعراض في الشارع دائما هو الحل في أي صراع سياسي داخلي. لكن بعض الأطراف تسعى له للتغطية على أزمات داخلية أو للهروب إلى الأمام بالتغطية على العجز أو تلهية الناس عن أخطاء كبيرة تحتاج إلى صدمة جديدة لتصبح في مرتبة ثانية من الاهتمام، ثم نسيانها مع الوقت.

ويبدو أن راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة قد وجد في الاحتجاج على إجراءات الرئيس قيس سعيد فرصة للتغطية على أزماته داخل النهضة وفي المشهد السياسي، خاصة في ظل دعوات من قيادات داخل النهضة وخارجها إلى أن يعلن الغنوشي استقالته من رئاسة البرلمان في حركة رمزية لتهدئة التوتر مع الرئيس سعيد، ومع طبقة سياسية يصرح أبرز رموزها بأن المشكلة الرئيسية في ما قبل الخامس والعشرين من يوليو كانت وجود الغنوشي على رأس البرلمان، وتأسيسه للدبلوماسية الموازية التي استفزت قيس سعيد ودفعته إلى تصعيد انتهى إلى إجراءات تجميد البرلمان ورفع الحصانة عن النواب وحل الحكومة.

وإذا كان أقصى ما يستطيع رئيس حركة النهضة جمعه في وسط تونس هو بضعة آلاف من الأشخاص فهو يواجه مشكلة حقيقية خاصة أن التظاهرة الاحتجاجية ليوم السادس والعشرين من سبتمبر ضمت مشارب وأسماء شتى، وهذا ما يعني أن ما يقدر عليه الغنوشي قد يكون أقل من ذلك بكثير.

ولا نعرف هل خرج المحتجون لانتقاد قيس سعيد أم لدعم الغنوشي أمام حركة الانشقاقات التي يواجهها داخل الحركة التي ظل يقودها لنصف قرن، كأقدم رئيس حزب في تونس وربما في المنطقة كلها؟

بالتأكيد، فإن المظاهرة حكمتها رؤية تعارض تأويلات قيس سعيد للفصل الثمانين من الدستور، وخاصة بعد “دستوره الصغير” الذي أعلن فيه عن مدونة تفصيلية لآليات إدارة المرحلة القادمة، والذي مكنه من تجميع السلطات بيده. لكن ما حف بهذه المظاهرة من أزمة داخلية حادة في حركة النهضة باستقالة 131 قياديا من مستويات مختلفة يجعل من تلك المظاهرة محاولة للتنفيس والتعويض واستعادة بعض الأنفاس لقيادة ظلت خلال عشر سنوات تقيم التحالفات في مختلف الاتجاهات بهدف وحيد هو تثبيت نفسها في السلطة بقطع النظر عن مآلات الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد.

ومهما فعل الغنوشي ومن تبقى من محيطين به في حركة النهضة، فإن المرحلة القادمة ستكون مختلفة تماما بالنسبة إليهم، وهناك إجماع على أن الحل سيكون رئيس البرلمان المجمد أحد ضحاياه المباشرين، سواء أكان ذلك ضمن إجراءات قيس سعيد والتي ستقود في آخر المطاف إلى انتخابات برلمانية ورئاسية بشروط غير شروط النهضة والغنوشي، وبموازين قوى مختلفة عما كان في العشرية الماضية، أو ضمن صيغة لحوار وطني على شاكلة حوار 2013 هادف إلى تبريد الخلافات السياسية وجعل الأولوية للملف الاقتصادي والاجتماعي.

الغنوشي فشل في قيادة البرلمان لاعتبارات تتعلق بشخصه بالدرجة الأولى، منها أنه لا يصلح للمواقع العامة، فهو رجل في حزب إسلامي يدين بالولاء والطاعة لقيادته. وحتى بعد تغذية الحزب بالديمقراطية الداخلية ظل الرجل هو المسيطر وصاحب القرار، ولم تكن الديمقراطية سوى آلية لإحكام القبضة على دواليب الحركة في ظل حيازة الغنوشي على مفاتيح التأثير القوية.

وبالنتيجة، فإن إدارته للبرلمان كانت فاشلة قياسا بهيبته داخل الحزب في ظل عناصر لا يحتكم على آليات ضبطها وتخويفها. وكان للغنوشي أكثر من فرصة للتخلص من عبء هذه المسؤولية التي تتناقض مع وضعه وعمره، لكنه رفض كل وساطة للتهدئة ونزع فتيل التوتر في البرلمان ومع قيس سعيد تكون استقالته أحد عناصرها.

وقال الغنوشي الثلاثاء إنه يتمسك برئاسته للبرلمان “وقد جاءت نتيجة لاقتراع بالبرلمان الذي انتخب الشّعب نوابه فيه، وهم فقط (النّواب) من بإمكانهم أن ينزعوا عني هذه الصفة”.

ويبدو أن الأمر بالنسبة إلى الغنوشي تحد شخصي، إذ لا يريد أن يبدو في صورة من اضطر إلى التنازل أو أن الضغوط دفعته إلى الهروب من موقع المسؤولية. وهي مسألة تأخذ بعدا أكبر خاصة حين تظهر الشعارات التي ترفع هنا وهنا، وخاصة في مسيرات الخامس والعشرين من يوليو، أن الأزمة مرتبطة بالغنوشي أكثر من ارتباطها بحركة النهضة، وهو ما يعني أن جزءا من الشارع الشعبي والسياسي يحمله مسؤولية الأزمة العميقة التي تعيشها البلاد كونه رئيس الحزب الذي شارك في كل الحكومات ما بعد 2012، وأيضا لكونه مبتدع شعار التوافق وما تبعه من تفاهمات يقول كثيرون إنها سبب الأزمات.

كما أن الطبقة السياسية ما تزال تنظر إلى الغنوشي بماضيه، أي كواجهة لتيار الإخوان المسلمين بكل ما علق بهذا التيار من صور ومواقف متشددة، بالرغم مما يسعى رئيس حركة النهضة لإظهاره من انفتاح وتغيير في صورة الحركة وصورته شخصيا.

وبالتأكيد، فإن الالتجاء إلى الاحتجاج وحصر الأزمة في الاختلاف مع إجراءات قيس سعيد وتأويلاته الدستورية سيمكن الغنوشي من تأجيل الأزمة الأهم، والتي تهز حركة النهضة بعد الاستقالات. ومن خلال بيان المستقيلين يظهر مبرر مركزي واحد، وهو الاختلاف مع الغنوشي حول الإدارة الداخلية.

وحمل المستقيلون “القيادة الحالية لحركة النهضة المسؤولية الكاملة في ما وصلت إليه من عزلة، وقدرا هاما من المسؤولية في ما انتهى إليه الوضع العام في البلاد من تردٍ”، مشيرين بصفة خاصة إلى ما اعتبروه “تعطّل الديمقراطية الداخلية للحركة والمركزية المفرطة داخلها، وانفراد مجموعة من الموالين لرئيسها بالقرار”.

ويتوقع على نطاق واسع أن تنقسم الحركة إلى شطرين رئيسيين، الأول يضم الغنوشي وجماعته، والثاني يضم المستقيلين سواء في الفترة الأخيرة أو ما قبلهم من قيادات كان بعضها انسحب في العلن وآخرون انسحبوا في صمت بسبب غياب الديمقراطية، وخاصة دخول عناصر جديدة نجحت في الوصول إلى القيادة على حساب من يعتبرون أنهم يمتلكون الشرعية النضالية والتاريخية.

ولا يظهر الغنوشي في تصريحاته الأخيرة أي نوايا لمصالحة المستقيلين، حيث حملهم مسؤولية الخروج. وقال “هؤلاء الإخوة سارعوا إلى إعلان الاستقالة رغم أنه كان بالإمكان الحوار والبحث عن الحلول الوسطى في أفق المؤتمر المقبل قبل نهاية هذه السنة، ولكن لكل تقديره”.

وما يجمع بين الشقين ظرفيا هو المزايدة في الوقوف ضد قيس سعيد وإجراءاته، وهذا مفهوم، فالتصعيد هو وسيلة لكسب المنتسبين الغاضبين كل إلى صفه، خاصة من فريق المستقيلين الذين يتهم داعموهم على مواقع التواصل الغنوشي بأنه أفقد حركة النهضة بريقها وشعبيتها بسبب مواقفه المهادنة وميله إلى التوافقات.

وبقطع النظر عن خلفيات كل جهة في التصعيد، فإن الاستعراض في الشارع سيزيد من تأزيم الوضع في البلاد التي تعيش على شفا الهاوية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. كما أنه ليس أسهل على أي طرف من تجميع أنصاره، وها هم أنصار قيس سعيد يقررون التحشيد الأحد القادم أمام مقار المحافظات وفي قلب العاصمة.

ويمكن أن ينجر عن هذا الأفق مشاحنات وصدامات. كما أنه يوفر فرصة أمام قيس سعيد لكسب المزيد من الدعم الشعبي لإجراءاته والمضي في تنفيذ خططه.

شاهد أيضاً

روسيا التي لا تساند أحداً… علاقة غير عادلة مع إيران

بقلم: يوسف بدر – النهار العربي الشرق اليوم– في مقالته في صحيفة “وول ستريت جورنال” …